انفجار حزب التكتل

يتساءل كثيرون عما جرى ويجري في حزب التكتل، ففي بداية شهر مايو الجاري صدر بيان عن رئيس الحزب أعلن فيه دعمه ومساندته لرئيس الجمهورية محمد ول الشيخ الغزواني في الانتخابات القادمة ، ثم فجأة ظهر بيان آخر باسم المجلس التنفيذي للحزب فند القرار المذكور واستنكر ما سماه "استغلال بعض الأطراف للوضعية الخاصة للزعيم احمد ول داداه لتحقيق مآرب خاصة ".

فهل هذه إرهاصات أو مناوشات ما قبل المعركة على الخلافة ؟ أم مشهد نزاع على إرث مازال صاحبه حيا، يسمع ويبصر ؟

هناك حقيقتان يجب أن نتقبلهما بتفهم ورحابة صدر، أولا أن طبيعة الحياة وقوانين الأشياء تقضي بأن كل الأدوار الإنسانية وكل المسارات لها بدايات ونهايات، وأنه بقدر ما تكون البدايات صعبة وصاخبة بقدر ما تكون النهايات في الغالب كذلك، بمعنى أنه إذا اكتمل أي مسار له قيمته وزخمه في زمانه، فلابد أن تظهر مؤشرات وعلامات اكتماله واضحة للناس..

و لابد مع ذلك من الإشارة إلى أنما عبرت عنه قاصدا "بانفجار التكتل" لايرتبط بالظرفية الذاتية للحزب فحسب بل بمسألة أخرى لا يتحدث عنها أحد وهي انهيار الطبقة الوسطى التي كانت هي عماد هذا الحزب ورافعته الرئيسية، وهذا يفسرضمور النتائج الانتخابية لهذا الحزب في الفترة الأخيرة، ويفسر كذلك – بالمناسبة- صعود نجم ممثلي الطبقات المسحوقة التي اتسعت وتنامت بسبب انهيار الوضع المعيشي للشعب وتهاوي الطبقة الوسطى إلى الأسفل .. 
ومن المؤكد٫ وهذه هي النقطة الثانية أنه لولا المنهج والدورالعظيم الذي قام به الزعيم أحمد ول داداه لما كان هناك نزاع بهذه الحدة على الرصيد المعنوي لهذا الحزب ولما كان هناك حتى داع للكتابة عنه من قبل أي كان لتوثيق اللحظة وإبراز جانب من الصورة، وحتى تقديم رأي في قضية، هي على نحو ما قضية تاريخ، إلى جانب ما هو ظاهر تحت عناوينها من حسابات السياسة ومصالحها.

هذا حزب صاغ بحضوره ومواقفه أحداثا ومشاهد تركت بصمات وتركت أثارا، وكان جسرا عبرت عليه شخصيات وأطر إلى مواقع التأثير، وإلى حيث صنعت لنفسها ما صنعت، وكسبت ما كسبت، وإذن فحين ينحني هذا الجسر أو يهوي فلا بد أن يبحث أصحابه أو من يرون أنهم أصحابه عما يمكن فعله، وأحيانا عما يمكن أخذه من الموجودات قبل أن يأخذها أحد آخر.
كثيرون يرون أن التراث الأخلاقي السياسي للرئيس أحمد ولد داداه هو جزء من الأصول المعنوية لهذا الحزب، فهو إلى حدما كان على مدار الثلاثين السنة الماضية رمزا للالتزام النضالي الأخلاقي بالرغم من كثرة من أحاط به من المكيافليين.
هذا الرصيد المعنوي هو جزء من الموجودات أو التركة المعنوية التي يدور حولها الصراع سواء كان ذلك بوعي او من غير وعي . 
على أن هناك جزءا من الموجودات ومن الأصول المعنوية تحديدا مالا يمكن أخذه او اقتسامه وهو الرمزية الأسرية وبالتحديد التراث المعنوي للمختار ول داداه عليه رحمة الله، فهذا أيضا رصيد تزايدت قيمته في السنوات الأخيرة بعد  رفع الحصار وإلغاء الحجب عن مآثر هذا الزعيم وسيرته ومواقفه، ومنها قصة هدية رئيس زائير التي يتدوالها الجيل الجديد المستفَز والذي فتح عينيه على قصص الفساد والنهب وتبديد الثروات ..فهذا رصيد خاص لا يمكن أن يتقدم إليه، ولا يمكن أن يستفيد منه أحد من التكتل و لا حتى خارج التكتل، إذا ما استثنينا أحد أبناء المختار ولد داداه رحمه الله إذا رغبوا.
وهنا لابد من التنبيه إلى الفرق الشاسع بين العائلات السياسية وبين الوراثة الرئاسية وهي ما أقصده هنا، والتي هي ظاهرة إنسانية طبيعية تحدث في كل بلدان العالم حين تقوم الشعوب بنقل شرعية الإنجاز لرئيس سبق إلى أحد أبنائه أو أحفاده كما حصل في كل العالم، في الهند وباكستان والولايات المتحدة و سنغفورة وبلدان أخرى عديدة.. مع الإدراك التام لصعوبة ذلك وحتى خطورته في البلدان العربية والإفريقية التي دأبت فيها الأنظمة الاستحواذية على ترصد كل براعم الشخصيات الرئاسية المفترضة أو المحتملة وتحييدها بالتوظيف أو بالحصار او حتى سلبها هالة الزعامة ، كما فعل الرئيس الغامبي السابق يحي جامي حين فرض على نجل الرئيس كيرابا جاوارا أن يؤلف كتابا يشيد فيه بانجازاته بالرغم من أنه هو الذي أطاح بحكم والده، فحطم بذلك صورته أمام الشعب.
ولا بد مع ذلك من التأكيد على أن الزعيم أحمد ول داداه ظل رئاسيا طوال مشواره و حتى بعد توقيعه على الميثاق الجمهوري ، إلى إشادته بإنجازات الرئيس الحالي، مع أن ذلك لم يكن متوقعا، فكلمة  إشادة منه توازي كتابا في بلد آخر.

أربعاء, 22/05/2024 - 13:09