صبيحة يوم السبت 17 ديسمبر 1976 وعلي تمام الساعة الخامسة صباحاً، يدخل أول قطار معدني (M3) من SNIM متوجها إلي نواذيبو موقع دهي بلال.
يحاول رجل متدثر بوشاحه ومتمسك بقوة بالمكان المخصص له -بغية الحفاظ على توازنه - أن يخترق بصره الظلمة التي تحيط به على الرغم من الغبار المعدني الكثيف الذي يثيره القطار طوال الرحلة، هزته فرقعة وصرير محاور العربات إنه جندي مرافقة القطار. كل شيء يبدو طبيعيا وبين الفينة والأخري يأتي صوت من داخل السيارة المدرعة متسائلا عما إذا كان هناك أي شيء جديد وتبقى استجابة المراقبة دون تغيير: RAS (لا شيء للإبلاغ عنه).
عندما تصل العربات إلى كوخ حارس الموقع، يُسمع دوي إنفجار هائل ويبدأ القطار يفقد سرعته قبل أن يتوقف، يختبئ الجندي بشكل غريزي خلف الحاجز الفولاذي المصمم خصيصًا لحمايته من رصاص المهاجمين المحتملين. يتفاعل ركاب العربة على الفور مع صوت الإنفجار بينما يصرخ جندي المراقبة "نحن تحت الهجوم". ثم فجأة يصبح القطار هدفا لجميع الأسلحة الفردية والجماعية للمهاجمين اللذين يمطرونه بوابل من القذائف كانت علي شكل "كرة نارية" كلاسيكية هدفها أخذ الخصم على حين غرة وخلق تأثير المفاجأة، وإعطاء دفعة معنوية للمهاجم مؤقتًا وإحداث إرتباك أولي بين القوات الْمُهَاجَمَةِ ..
يبدأ الجنود في التموضع إستعدادا لهجوم مضاد وذلك بإستخدام الثغرات المجهزة في العربات. يندفع قائد المجموعة بسرعة إلى أعلى العربة لإستكشاف الوضع محاولا الإتصال بالفريق المتواجد في مؤخرة القطار ولكن دون إستجابة يسمع فقط صوت طقطقة خافت يأتي من المحطة. يتم توفير وصلة الراديو من قبل TRPP8s القديمة التي تعمل في مجال لايتعدي كيلومترا واحدا ومع ذلك تم إعطاء التعليمات من البداية.... وتتكون الحراسة من أحد عشر رجلًا منتشرين على عربتين مجهزتين للقتال إحداهما في مقدمة القطار علي مقربة من العربات على متنها ستة رجال والأخرى في مؤخرة القطار في نفس الفترة من شاحنة ركاب خلفية على متنها 5 رجال .يعرف كل فريق ما يجب القيام به في حالة وقوع هجوم. ولمدة ساعة ونصف، قاوم المرافقون مقاومة شرسة، وأبعدوا المهاجمين عن القطار قدر الإمكان.
يتمتع المرافقون بمرونة في العمل من خلال ترتيب الثغرات في جميع الإتجاهات على جانبي السيارات. يتم التعزيز الجانبي للعربات عن طريق ألواح فولاذية مما يوفر حماية فعالة للركاب.
إنها المرة الثالثة التي يتعرض فيها القطار للهجوم منذ بدء الأعمال العدائية. الرجال متمرسون وهم علي دراية تامة بأن بقائهم مرتبط بتضامنهم وإنضباطهم ومحفاظتهم على رباطة جأشهم. كما أنهم يعرفون أن التعزيزات الأولية لن تصل قبل نهاية المناوشات. مع استمرار المواجهة يتكيف الرجال في القطار مع الضغط الثقيل للقتال بعيون محمرة بسبب تأثير الغازات ، يمسك مطلق النار من السلاح الجماعي بمقبض الوحش الفولاذي الذي يستخدمه بكلتا يديه ، المدفع الرشاش HB 50 يرتجف في يديه وبسبب الإستهلاك الهائل للذخيرة تشكلت مجموعة من الحافظات والروابط عند قدميه.
مقاومة شرسة
مخدوعا بقذائف اللهب االمتطايرة من سلاحه يصبح الرجل المتمركز على العربة هدفا رئيسيا للمهاجمين، مستشعرًا وضعه غير المستقر يقفز على الأرض باحثا عن ملاذ يحميه خلف العربة متخذا وضعا يسمح له بالرمي واقفا ثم يبدأ بشكل منهجي في إطلاق النار على الأهداف المتحركة أمامه.
فجأة يشعر بألم شديد تحت صدره الأيسر وفي نفس الوقت مع تأثير الرصاصة يشعر أنه يرتفع في الهواء قبل أن يهبط على ظهره محاولا أن يستجمع كل قوته للنهوض ليجد نفسه ينحني على ركبتيه. غرس مؤخرة ماوزر في الرمل الناعم وأمسك ساعد السلاح بقوة بيده اليسرى ، أثناء محاولته الوقوف علي قدميه لينذهل من رؤية الدم الساخن الذي يتدفق من الفتحة التي خلفتها الرصاصة. . يترنح ويتكئ على يمينه ليحافظ على توازنه في جهد خارق، إستند علي سلاحه ورفع يده اليمنى المليئة بالرمل وحدق فجأة في حفنة الرمال التي أمسك بها بقوة في يده. رفع رأسه قليلاً لرؤية مقدمة شروق الشمس . لجزء من الثانية، شعر أنه كان يطفو لعدة قرون على وسائد ناعمة لتصبح نظرته زجاجية. هتف بشيء ما، ثم فجأة عرج بجسده وهز بقوة على جانبه الأيمن السلاح الذي لا يزال في يده اليسرى ثم سقط على صدره لتنزلق بلورات الرمل من خلال أصابع يده الخاملة.
مع إنقشاع الظلام ، توصل الرجال إلى فهم أفضل لطبيعة المهاجمين. واجه رجال الحراسة أكثر من 20 مركبة متحركة ومزودة بمدافع رشاشة ثقيلة وأسلحة مضادة للدبابات الهائلة B10.
كان المهاجمون محاصرين بشكل واضح و بمرور الوقت ومع سطوع ضوء النهار تتواجد الطائرات هناك. لم يتوقعوا هذه المقاومة القوية. تتشجع بعض المركبات على الإقتراب من خطوط السكك الحديدية ، وتتدحرج بجانب القطار أثناء هبوب عاصفة . وفي نهاية المطاف ، يبتعد المهاجمون عن موقع الإشتباك ليعيدوا تجميع أنفسهم . بعد بضع دقائق عادت خمس مركبات خفيفة وحاولت شن هجوم. ظل مرافق القطار- المعتاد على هذا النوع من التمويه - يقظًا ورد على الهجوم. حلقت طائرة من طراز سنيم بايبر فوق مكان الهجوم على علو شاهق. تعود المركبات الخمس إلى الجسم الرئيسي لقوات العدو التي تتجه شمالاً. خمس عشرة دقيقة من الهدوء المطلق ثم عشرون بعد ضجيج القتال ، يقطعها من وقت لآخر أنين رجل جريح. كان من الواضح أن العدو قد إنزلق بعيدا. الرؤوس تخرج بشكل خجول من السيارات وفي أماكن مختلفة في القطار. يخرج الحراس من العربات ويتم وضع المراقبة، وبعد التقاطع بين الفريقين نقوم بتقييم الهجوم .
سقط رجلان في ميدان الشرف: الضابط أحمد ولد عثمان رقم 1236 والحارس سي أمادو مالالم رقم 3881.
يتواصل
العقيد المتقاعد محمد الأمين ولد طالب جدو
من مذكرات:
‘’La Guerre sans Histoire’’
"الحرب بدون تاريخ"
ترجمة اقلام