مرت سنة على تحمُّل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى أمانة رئاسة الجمهورية و هي مناسبة مألوفة فى الدول الديمقراطية و الدول السائرة فى طريق الديمقراطية لمساءلة الحصيلة و تقييمها ابتغاء فصل الإيجابيات عن الاختلالات كي تُثَبَّتَ الأولى و تُعزَّزَ و تُنَقَّح الثانية و تُصحَّح.
و لا يكون التقييم موضوعيا و لا سائغا إلا إذا خلا من آَفَتَيْنِ و جائحَتين استوطنتا -أسفًا- المشهد السياسي الموريتاني منذ زمن طويل و هما "الرضى المطلق" للموالاة عن أعمال النظام و "السخط المطلق"للمعارضة عن أفعال الحاكم و ما نجم عن تَيْنِك الآفتين من حكم جاهز لجزء غير يسير من الرأي العام بأن "كل مُوَّالٍ متملق و إن تعفف و عَدَلَ و كل معارض صادق و إن خاصم فَفَجَرَ".
و أول ما تحتاجه الموالاة (التى أنا منتسب لها الآن و يعنيني نصحها أكثر من نصح المعارضة) هو القطيعة مع "آلية الرضى المطلق" فهو دفاع فاشل، ضارٌّ أشبه بالنيران الصديقة.
و فى تقديري أن تقييم العام الأول من مأمورية الرئيس غزوانى يمكن أن يتم من خلال مساءلة مؤشرات ثلاثة (لغرض الاختصار)؛أول هذه المؤشرات و سيِّدها هو استعادة دولة العدل و القانون وفى هذا المجال أعتقد أن الرئيس غزواني و صحبه حققوا مكاسب مهمة منها وقف الظلم فلم أعلم بظلم استجد خلال هذه السنة و أغلب الأخطاء الإدارية التى حدثت يتم تصحيحها حالَ الانتباه لها.
ضف إلى وقف الظلم تصفيةَ بعض المظالم الموروثة ذات الخلفية السياسية فى حق رجال السياسة و رجال الأعمال و بعض الشيوخ السابقين و بعض رجال الإعلام و مشاهير الأدب و الفن كما يعتبر حياد الدولة و الحزب الحاكم إزاء انتخابات نقيب المحامين سابقة و مؤشرًا على احترام الحرم القضائي و كل ما يمت له بصلة.
و رغم الحصيلة الإيجابية فى مجال استعادة دولة العدل و القانون فإن خطوات لم تُتخذ و كان يمكن اتخاذها فى مجال ترفيع خبرات القضاة و مكافأة القضاة الأكفاء العادلين و تهميش منتسبى القضاء الذين لهم سوابق مؤكدة فى أخطاء قضائية عن عمد أو "ضعف مناعة مهنية" أو "نقص علم".
المؤشر الثاني هو مؤشر تطبيع و تهدئة المشهد السياسي و أعتقد أنه فى هذا الباب حقق النظام مكاسب كبيرة من براهينها انتظام اللقاء التشاوري الفصلي مع زعيم المعارضة و خلق إطار تشاوري بين أحزاب الموالاة و المعارضة الممثلة بالبرلمان و التشكيل التوافقي (موالاة و معارضة) للجنة تحقيق برلماني حول شبهات الفساد أنجزت تقريرا توافقيا رائعا سيكون له ما بعده سياسيا وإداريًا وترسيخًا لثقافة الحكامة الراشدة ضف إلى تلك البراهين الاستقبال التشاوري للزعماء التاريخيين للمعارضة و المترشحين المنافسين فى الاستحقاقات الرئاسية،...
و تقييمي أن الحصيلة السياسة هذا العام ممتازة لا يُنَغِّصها إلا ما كان ممكنا أن يتم هذه السنة و لم يتم من تكليف بعض المناضلين الراسخين فى المعارضة الجامعين بين خَصْلَتَيْ الكفاءة و النظافة بمأموريات إدارية و تسييرية سامية رفعا "لِفِيتُو"سياسي دأبت عليه الأنظمة السابقة حيفا و ظلما.
أما المؤشر الثالث فهو مؤشر الحكامة الاقتصادية و الاجتماعية و فى هذا المجال سجل النظام خلال هذه السنة نقاطًا إيجابية منها التنفيذ المتزامن للبرنامج التنموي السنوي المسمى "أولوياتي" والمخطط الاجتماعي المعروف ب"تآزر" والصندوق الخاص لمواجهة جائحة كورونا بأغلفة و أرصدة مالية كبيرة بلغت على التوالي:41؛42؛43مليار أوقية قديمة.
و لو تعززت الحكامة الاقتصادية و الاجتماعية بالابتعاد مطلقًا عن إسناد بعض الوظائف السامية إلى "أصحاب السوابق التسييرية"و "مشاهير الولاء على حرف"لكان ذلك أكثر طمأنة للرأي العام.
و إجمالا كما بينتُ فإن هذا العام حقق فيه النظام مكاسب هامة لم تخلُ من منغصات كان يمكن تفاديها و أتوقع اجتنابها مستقبلا و هو عام تمكن عنونته "بعام تصحيح البدايات"آملًا أن تكون خطوات الإصلاح ابتداء من العام الثاني أكثر جرأة و مبادرة و أسرع وتيرة و خطى،..