حضرتُ الحفل الذي أقامه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بمناسبة مرور عام على تنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني، وقد خرجتُ بأنه كان حدثاً يشبه الماضي، ولا يعطي انطباعاً جيداً عن المستقبل.
كان المشهد داخل قصر المؤتمرات مكرراً، ولا يمنح إنساناً مثلي الإحساس بالأمل، بل إنه في بعض المرات دفعني نحو إحساس جارف بالإحباط والخيبة، عندما شاهدت من بين منظمي الحفل من كان قبل أشهر قليلة يتصدر الصف المعارض، الرافض والثائر على تضييع الوقت في كرنفالات دعم الرؤساء وتحويلهم إلى طواغيت.. لقد ماتت ثوريته، ولا شيء أكثر إيلاما من موت الثوار وهم أحياء !
لا أريد مصادرة حق أي كان في ممارسة السياسة من الزاوية التي يراها مناسبة، مع أنني كنت أحب أن أرى الإنسان يجسد الأمور التي ناضل من أجلها، أو على الأقل يتفادى ارتكاب الأخطاء التي كان ينتقد قبل أشهر قليلة.
إننا هنا نعيد إنتاج تجاربنا السابقة، ونرتكب نفس الأخطاء، وكأن غشاوة على أعيننا، فلا نفيق إلا بعد أن نصطدم بجدار الخيبة، إن ما يجري الآن هو أن هنالك فرصة للتغيير وإصلاح ما هو فاسد -أو هكذا يعتقد المتفائلون- ولكن احتفالنا بهذه اللحظة الخاطفة والعابرة سيفسدها، إننا كاللاعب الذي يحتفل بالهدف قبل تسجيله!
على هامش الحفل وُزِّع العدد الأول من مجلة متقنة الإخراج والتصميم، صادرة عن «الوكالة الموريتانية للأنباء»، كان العدد يتحدث عن عام على تنصيب الرئيس وحصيلة هذا العام، فامتلأت صفحاته بالتهانئ من الشركات والإدارات والمشاريع، حتى حسبتُ الموسم الانتخابي قد بدأ، أو أن الرئيس يواجه خطراً سياسياً استدعى هذه الحمى الممجوجة.
تذكرت وأنا أطالع المجلة، كيف كانت تستغل موارد الدولة وهيبتها وسلطتها في الأنشطة السياسية لـ «عزيز»، وكيف كان الحزب الحاكم (نفس الحزب الحالي) يستغل إدارات الدولة ويضغط على الموظفين لمواجهة معارضة متهالكة، ولن نبتعد أكثر لنستعيد الذكريات السيئة للحزب الجمهوري والهياكل وحزب الشعب.
من الجيد أن تفهم الشركات والإدارات أن وجودها غير مرتبط بالولاء للرئيس، وإنما بالولاء للوطن والمواطن، ويرتبط أكثر بقدرتها على المنافسة وحسن التسيير والمساهمة في إنعاش الاقتصاد، وأن السياسة لا تعنيها، وأن الرئيس راحل والشعب باقٍ.
إن الوضع السياسي الهادئ الذي تمر به البلاد غير مسبوق، أعتقد أن ذلك محل إجماع، وقد ساهمت عوامل كثيرة في بسط هذا الهدوء وتعزيزه؛ أولها الإرادة السياسية، وثانيها رغبة المعارضة (وتفككها)، وثالثها جائحة كورونا.. وفي الأجواء الهادئة عادة يكون الجميع هادئون !
ولكن حفل الحزب الحاكم جاء ليعيد إلى الأذهان أجواء من الماضي، عندما كان أنصار نظام الرئيس معاوية يحتفلون بيوم 12/12، ويستعرضون «إنجازات الوهم» أمام الشعب المرغم على التصفيق والابتسام ببلاهة، ولكنهم كانوا يحتفلون تملقاً وبحثاً عن شرعية ناقصة، فعن أي شيء كان يبحث حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ؟
كان ذلك واحداً من الأسئلة التي شغلت بالي وأنا أدخل بوابة قصر المؤتمرات، ما هو الهدف الحقيقي من هذا الحفل، فلا دواعي سياسية منطقية تفرضه، إلا إذا كان هنالك من يريدون إعلان الولاء أو تأكيده، وهذا مكسب سياسي شخصي، وليس مكسباً للبلد ولا وضعه السياسي العام.