في إطار الجدل الدائر حول إستدعاء رئيس سابق للمثول أمام لجنة برلمانية تحقق في جرائم فساد في عهده - وعهده قطعا كان من أكثر الفترات فسادا ومحسوبية- اثيرت اشكالات قانونية لم تكن البتة في محلها. فمنطق الاشياء يقول بضرورة المحاسبة، بغض النظر عن المركز القانوني للشخص. لكن المشكلة لن يتم حلها فقط بمحاسبة هذا السيد وبعض من معاونيه؛ فالمشكلة أعمق وأكثر تعقيدا ،
نحن مجتمع فاسد بكل المعايير. فنحن شعب يمجد السرقة ويحتفي بالكذب ولا يحاسب الفاسد. نحن البيئةالمثلي للفساد و الحاضنة الدافئة لمن يتبجحون و تتباهون بالفساد حتي ان كل قيم الصدق والوفاء والأمانة ضاعت من مجتمعنا و اصبح الأشخاص الأمناء يعدون علي أصابع اليد والصادقون أقل!،
طبعا كلنا نصلي ونصوم والقليلون يخرجون الزكاة للأقارب ، لكنها كلها مظاهر لمجاراة المجتمع.
الأغلبية لهم علاقات خارج الزواج ولهم أبناء لا يعتنون بهم وعمال لا يدفعون رواتبهم وديون لا يسددونها رغم مقدرتهم علي دفعها .
ووصل بنا الكذب والإحتيال حتي أننا صرنا نصدره للخارج إلي الخليج (رقيا شرعية ، زواج مسيار ، سحر ودجل وأحلام حسب الطلب). كما لم يفتنا تصديره لأوروبا وأمريكا فاصبحنا المثل في الإحتيال علي بطاقات الإتئمان وعلي قوانين الهجرة والضرائب. وإستوردنا من الصين والهند الأدوية والأغذية المزورة لنقتل بعض أهلينا.
مشكلتنا ليست في فساد زيد أوعمرو. !! الفساد منتشر في كل الجمهورية وللأسف هو فساد مدعوم من المنظومة المجتمعية :فالسارق زعيم ووجيه و يتصدر واجهة اهل الحل و العقد فينا. كم جاملنا من سارق للمال العام ؟ وكم جاملنا من شخص رمي طليقته وأولاده في الشارع ؟ وكم جاملنا من شخص يكذب بأحلام في الفضائيات ينافق لهذا ولذاك ؟ وكم جاملنا من قتلة إخوتنا الزنوج؟ وكم جاملنا من المستعبدين ؟
كفانا إحتراما يضرنا أكثر مما ينفعنا ، لكي نتقدم كأمة، يجب علينا مسح الطاولة!
سيكون مسح الطاولة عملا صعبا ومؤلما لكن بدونه لن نتقدم. فمجموعة من قطاع طرق بلا أخلاق ولا صدق ولا أمانة ولا عهد ولا أمان لا تستطيع أن تبني دولة. الدول تبني بالاخلاق و المثل الفاضلة و احترام القانون. انها، قبل هذا وذاك، تبني بالعمل الجاد و بالبنان الصادق بروح المصلحة الجماعية و احترام مباديء المساواة و العدل و العيش الكريم للجميع في مجتمع افراده متساوون كاسنان النشط، لا فضل و لا منك لاحد علي الاخر الا بالعمل!!!