يعتبر التعليم العالي الخصوصي محور اهتمام المسؤولين والمهنيين في قطاع التعليم وكذلك المجتمع كله نظرا لاعتبارات متعددة نذكرمنها:
• الاعتبار الأول ويتعلق بالطلاب أنفسهم، نظرا للمكانة الرئيسية التي يحتلها هذا التعليم في نطاق أولوياتهم، إذ هم المستفيدون أولا وهم الضحايا في بعض الحالات، وكذلك بالآباء الذين يتحملون أعباءجساما في سبيل مواصلة تكوين أبنائهم، إضافة إلى الأساتذة المسكونين بهاجس تقديم تعليم عال خاضع للمعايير الدولية، كما عرفوه في الخارج ويرغبون في توطينه في بلدهم، وأخيرا بالنسبة للرأي العام الذي يطمح إلى وجود نظام تعليمي خصوصي ذي جودة، قادر علي المساهمة في تنمية البلد، على غرار النظام التعليمي الجامعي العمومي.
• الاعتبار الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول، يتعلق بطبيعة هذا التعليمالذي ليس متاحا للجميع ويكاد يكون حكرا على الطبقات الاجتماعيةالميسورة وهو لذلك يظل مجهولا من طرف فئات عريضة من المجتمع لا تعرف إلا النظام التعليمي العمومي، بحكم مجانيته.
لقد رأي التعليم العالي الخصوصي النور في بلادنا مع بداية سنة 2000 حيث افتتحت مؤسساته الاولى من طرف مستثمرين وطنيينفي ظل غياب تام للإطار القانوني والتنظيمي وتميزت بداياتهباستنساخ تجربة التعليم الخصوصي الأساسي والثانوي من حيثتأجير منازل لاستقبال الطلبة الجدد لا تستجيب لمتطلبات مؤسسات التعليم العالي ودفع مستحقات لأساتذة متعاونين وافدين في معظمهم من مؤسسات التعليم العالي العام في غياب شبه كامل للاكتتاب أساتذة تعليم عال دائمين.
ومن المعلوم أن نظامي التعليم الأساسي والثانوي من جهة والتعليم العالي من جهة أخري، بالنظر إلي طبيعتيهما، يختلفان اختلافا جوهريا من حيث اعداد المقررات لتعليمية والتقويم وإصدارالشهادات.
فعلي سبيل المثال نعرف بأن المقررات التعليمية في مستويات التعليم الأساسي والثانوي، خصوصيه وعموميه، محددة من طرف الوزارة أو الوزارات المعنية وأن الحصول علي الشهادات (شهادتي ختم الدروس الابتدائية والإعدادية وشهادة البكالوريا) يتم من خلال الخضوع لتقويم وطني تتحمل الوزارات المذكورة كذلك كامل المسؤولية في تحضيره وإنجازه والإعلان عن نتائجه.
وعلى العكس من ذلك نعرف بأن وضع المقررات التعليمية لمختلف تخصصات التعليم العالي، خصوصيه وعموميه، وتقويم الطلاب وإصدار الشهادات العليا، كل ذلك يقع تحت المسؤولية الحصرية للجهات المختصة في مؤسسات التعليم العالي في حدود احترام النصوص القانونية والتشريعية المنظمة للقواعد والخيارات لعامة المحددة من طرف القطاع الوصي.
إن هذا الاختلاف يشكل معطى هاما وخطيرا يحتم علي الدولة والمجتمع انتهاج سياسة متبصرة وصارمة تضمن استفادة البلد من الاستثمار الخصوصي في مجال التكوين العالي وتضمن كذلك صدقية الشهادات وجودة المخرجات.
من هنا تتجلي خطورة الوضع الذي كان يتردى فيه شبه القطاع ببلادنا قبل سنة 2014 حيث تميزت حالة المؤسسات الخصوصية للتعليم العالي بما يلي:
• وجود مؤسسات خصوصية تقدم تعليما وتمنح شهادات عليا دون أن تكون حاصلة أصلا على رخص من الوزارة المكلفة بالتعليم العالي.
• وجود مؤسسات خصوصية تمتلك رخص افتتاح ممنوحة من طرف الوزارة في غياب إطار مرجعي ومعايير موضوعية، وكذلك غياب البرامج المعتمدة والالتزامات المطلوبة
• غياب شبه كامل لتدقيق المكتسبات الأكاديمية للأساتذة وكذلك مطابقة ملفات الطلاب المسجلين مع المعايير المطلوبة للتسجيل ( بعض الطلاب لا يملك شهادة باكلوريا التعليم الثانوي )
• عدم متابعة المصالح المختصة في الوزارة للامتحانات الفصلية ومداولات لجان الامتحان
ولمعالجة هذه الوضعية الكارثية قامت الوزارة المكلفة بالتعليم العالي، ابتداء منسنة 2015 ، بإصلاحات جذرية تميزت ب :
• إغلاق كافة المؤسسات التي لا تتمتع برخص افتتاح، في انتظار إعداد واعتماد نصوص تنظيمية خاصة بشبه القطاع.
• إعداد واعتماد المقرر رقم24 بتاريخ 12 يناير 2016 المحدد لشروط إنشاء وافتتاح واعتماد شعب مؤسسات التعليم العالي الخصوصي ( انظر الرابط أسفله )http://www.mesrstic.gov.mr/fr/
وباعتماد هذا المقرر، أصبح نظامنا التعليمي يمتلك ولأول مرة دفتر التزامات يحدد شروط إنشاء المؤسسات الخصوصية للتعليم العالي ويبين حسب طبيعة كل مؤسسة (معاهد، مدارس، جامعات)مجموع الشروط المتعلقة بالجوانب الإدارية والتربوية وبمواصفات المقرات
• إعداد واعتماد المقرر رقم 345 بتاريخ 9 مايو 2018، المحدد لنظام مراقبة وسير الامتحانات الفصلية لمؤسسات التعليم العالي الخصوصي. http://www.mesrstic.gov.mr/fr/
يأتي هذا المقرر تكملة وتعزيزا للترسانة التنظيمية الهادفة إلي الرقي بشبه القطاع حيث ينظم إجراءاتالإشراف و الرقابة علي الامتحانات الفصلية بمؤسسات التعليم العالي الخصوصي.
وهكذا عرفت السنوات الأخيرة مشاركة فرق من أساتذة التعليم العالي العام في لجان امتحانات مؤسسات التعليم العالي الخصوصي و قدمت هذه الفرق تقارير للمصالح المعنية بالوزارة حول طريقة سير الامتحانات والرقابة وتصحيح المواد والمداولات وإعلان النتائج على مستوى هذه المؤسسات.
وتتويجا لهذا المسار، لا بد أن نذكر بإنشاء هيئة أساسية كان يفتقدها نظام التعليم العالي لدينا، ألا وهي السلطة الموريتانية لضمان الجودة المنشأة بالمرسوم 93-2017 بتاريخ 10 يوليو 2017.
ستفسح هذه السلطة المجال، في إطار برنامجها، للخبرات الوطنية والدولية من أجل المساهمة في تشخيص مختلف الاختلالات التي تعيق تطور التعليم العالي ببلادنا. وهي تحل محل خلية التقويم والمتابعة التي كانت ملحقة بديوان وزير التعليم العالي و ترثصلاحياتها وتكمل وتحدد مجال أنشطتها، إضافة إلي أنها ستقرب نظامنا التعليمي من معايير وكالات الجودة العالمية في التعليم العالي.
وهكذا فإن أعمال الضبط والرقابة وتدقيق الجودة واعتماد مؤسساتجديدة، كل ذلك سيتم، من الآن فصاعدا، عبر سلطة فنية متخصصة تتمتع بالسلطة العملية وبالموارد المالية الضرورية لأداء مهامها علىالوجه الأكمل.
وفى المحصلة فإن الإصلاحات المؤسسية من تنظيم وتعزيز للرقابة والمتابعة قد مكنت من إنهاء الحالة الفوضوية التي عرفها شبه القطاع وأدت إلى خلق علاقة مثمرة بين الوزارة الوصية ومسؤولي المؤسسات الخصوصية مبنية على الشفافية والثقة المشتركة في احترام وتطبيق القانون.
ويضم شبه القطاع اليوم جامعتين وأربع مدارس وثلاثة معاهد عليا تم اعتماد شعبها وأصبحت شهاداتها معترف بها من طرف الدولة.
ويعود الفضل في ما تحقق من تطور لافت في مجال تعليمنا العالي الخصوصيبالأساس إلي الجهود المضنية التي بذلها بشجاعة وإصرار الوزير الدكتورسيدي ولد سالم وطاقمه المتميز منذ 2015، رغم ما تعرض له من تحامل وانتقاد لا مبرر له.
وبصورة عامة فان إصلاحات التعليم العالي كانت موضع إشادة من طرف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني طيلة حملته الانتخابية، حيث اثني عليها مرارا وشدد على ضرورة المحافظة عليها وتطويرها بما يخدم البلد.
الدكتور/ أحمدون عبدي
مدير ترقية التعليم العالي الخصوصي سابقا