تزعم هذه الورقة أنّ دور المثقفين العرب هو أن يخرجوا من رهانات التسيّس والإيديولوجيا والمذهب والطائفة وأن يكونوا حملة مشروع "الإخاء" و "التفاهم" بين الجميع، لإنقاذ مجتمعاتهم من الاحتراب والعدمية والفشل. وسبيلهم إلى ذلك كان وما يزال، في المقام الأول، هو الكتابة والإبداع، وأن فشلهم في ذلك المسعى يلغي دورهم من أساسه، ويجعلهم خارج الرهانات التي تعصف بأمتهم اليوم في ظل وضع كارثي غير مسبوق.
وتذهب كذلك إلى أننا فرطنا في المنتج الثقافي والإبداعي، وشغلنا المثقف العربي عن صنْعته التي تميزه منذ العصر الوسيط وهي أن يكون مبدعا وكاتبا وناقدا، فكان ضحية الشعارات السياسية والإيديولوجية الفارغة من كل مضمون وطني و إنساني حقيقي يعبر عن حقوق الناس ومطالبهم في الكرامة والرفاه، ما جعل هذا المثقف رهين محبسين اثنين: الإيديولوجية و الحزبية، مع أنه لا أحد يحفل بالمثقف بين الأحزاب بل هو منبوذ ومشكوك فيه، لأن السياسيين العرب يخشونه ويحتقرونه، ثم إن تجربة الصراع الإيديولوجي لم تنتج إيديولوجية عربية صرف تعبر عن الوقع العربي وما فيه من انعطاف ومرونة.
ونسينا كيف أثّر مثقفون عرب كبار مثل طه حسين ونظراءه من خلال ما كتبوا وأبدعوا وما يزال نتاجهم الأدبي والثقافي هو البقية الباقية من زمن الإبداع العربي الجميل.
لقد تلاشت أحلام الوحدة والتحرر، وتراجعت مطالب التقدم والاستقلال، وباتت الدولة القطرية العربية ذاتها في مهب الريح. وأصبح المثقف العربي مسكونا بهاجس الخوف من المستقبل، كل ذلك دفعه إلى خيارات ذاتية وعملية مناقضة لما يؤمن به وزادت من تعقيد الأزمة الثقافية التي يعيشها منذ القرن الماضي.
المثقف وأزمة الثقافة العربية؟
يعيش المثقفون العرب منذ القرن العشرين صراعا يبدو "وجوديا" بين الثنائيات، التي تفرض عليهم مواقف تلفيقية أو حدّيّة، سواء أكانت مواقف إيديولوجية دولية أو مساجلات ثقافية محلية أو مواقف نتجت عن الربيع العربي.
ما هو السبيل للخروج من هذه الثنائيات، القلقة، التي تزداد حدة، كلما تحولت إلى شكل جديد أكثر حدة وخطورة زاد من تعقيد الأزمة التي يعيشها المثقفون العرب منذ القرن الماضي.
يذهب المنهاجيون إلى أن الأزمة هي الوضع الذي لا توجد له حل جاهز، عكسا للمشكل الذي توجد له حل لكن خياراته متعددة ومحل جدل.
والأزمة مصطلح قديم ترجع أصوله التاريخية إلى الطب الإغريقي وهي تُطلق للدلالة على حدوث تغيير جوهري ومفاجئ في جسم الإنسان، وبحلول القرن التاسع عشر تواتر استخدامها للدلالة على ظهور مشكلات خطيرة أو لحظات تحوّل فاصلة في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- وفي العام 1937 عرّفت دائرة معارف العلوم الاجتماعية الأزمة بأنها: حدوث خلل خطير ومفاجئ في العلاقة بين العرض والطلب في السلع والخدمات ورؤوس الأموال.
- ولقد استعمل المصطلح بعد ذلك في مختلف فروع العلوم الإنسانية وبات يعني مجموعة الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء، وهي النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة التي يتحدَّد عندها مصير تطور ما، إما إلى الأفضل، أو إلى الأسوأ.
في بداية القرن الماضي أصدر عبد الله العروي كتابه المشهور: أزمة المثقفين العرب، تقليدية أم تاريخانية، وكان العنوان صادما ومقلقا، صدر الكتاب بالفرنسية ولم يترجم إلى العربية إلا بعد عقود من الزمن.
بغض النظر عن معالجة العروي وتاريخانيته، إلا أن حديثه عن الأزمة عبّر وقتها عن قلق عميق ينتاب النخبة العربية وفي وقت كان حال العرب أفضل مما هو عليه اليوم بكثير.
وفي بحثه عن أسباب تلك الأزمة حصرها في عاملين أساسيين وهما: ازدواجية التكوين وضعف استيعاب العلوم الاجتماعية, واستخلص منها سمات المثقف العربي ، وجعل في مقدمتها البؤس الذي « يقود كثيرا من المثقفين إلى اليأس من إصلاح شؤون المجتمع<<.
تابعه مفكرون عرب بارزون، لكنهم تحدثوا عن معنى الأزمة وكفاءته التفسيرية في فهم جذور الحالة الثقافية العربية. يقول د. حسن حنفي: (لا يعني لفظ “أزمة” أي معنى سلبي. فالأزمة تعبير عن مجتمع في مرحلة انتقال وإعادة تشكيل، نهاية قديم وبداية جديد، مثل آلام الوضع. الأزمة دليل على الحياة والنمو والحركة).
وأن الوعي بالأزمة هو شرط تصحيح الوضع والخروج من الأزمة لأن (إن الوعي بالأزمة أولى مراحل تجاوزها بداية الإحساس بها وتشخصيها ومعرفة أسبابها ثم تحريكها من أجل استيعابها ونقلها من السلب إلى الإيجاب. ومن دون هذا الوعي تتخبط المحاولات، وترتجل الحلول، وتتعثر الخطى)
يخْلُص حنفي إلى أنّ الأزمة دليل على الحيوية والنشاط وأن وجودها سيتمر طالما ظلت هناك مصاعب وتحديات يجب رفعها أو مواجهتها، أي أن وجود الأزمة في الثقافة العربية ولدى المثقفين العرب هو مظهر طبيعي بل وضروري.
لكن الأزمة التي يصفها تكون كارثية عندما تجعل وجود الوطن والمجتمع محل شك، وتجعل المثقفين في حالة تيه وخوف وضياع، ما يولّد انفصاما وقلقا.
ثنائية القديم والجديد
يصرف د.حنفي أزمة الثقافة العربية والمثقفين العرب إلى صراع القديم التراثي والجديد العصري في نفسيتنا الجماعية، واختلافنا حولهما.
هي ذاتها الثنائية التي تفرض نفسها على المثقفين العرب في السياسة كما في الاجتماع وبالطبع في الثقافة ذاتها.
لقد كان العرب وقت صدور كتاب العروي في أوج أحلامهم السياسية وتطلعاتهم القومية، مهما كان فيها من أخطاء وإخفاقات، ولكن المثقف العربي اليوم يعيش أمام رهانات صعبة بل أصعب من أي وقت مضى.
أدى الارتهان للاستقطاب الإيديولوجي العالمي إلى صدمة إيديولوجية عاشها المثقفون العرب الذين كانوا يعيشون على تلك الثنائيات العالمية ويقتاتون منها، لاسيما بعد أن أدتنهاية الصراع الإيديولوجي العالمي إلى ما سماه مفكر معاصر: عالم بلا معنى، لأن الصراع الاشتراكي ـ الرأسمالي كان يعطي للعالم معنى ويسمح للمثقفين في العالم الثالث بموقف ما، يختلفون حوله أو يتفقون لأنهم لا يمتلكون بدائل من داخل مجتمعاتهم توازن بين الخصوصية والكونية وتعبر عن آمالهم في التقدم والعدل.
وليس معنى ذلك أن الإيديولوجيا هي عيب في حد ذاتها، لكن يبدو الاصطفاف اليوم بين الإسلاميين والحداثيين، خادعا وخطرا على المجتمعات العربية والإسلامية، وينبغي تجاوزه نحو الاستقطاب الإبداعي والثقافي الذي يخفف من غلواء الصدام السياسي والإيديولوجي، ويعطي للحياة الثقافية والسياسية معنى آخر يتجلى في الاختلاف والتنوع حول الحقوق والمنافع والأفكار.
ونتيجة لذلك الوضع الثقافي المأزوم أصبح هنالك خليط هائل من العمل الثقافي الغريب، لا تعرف هل هو نضال سياسي حزبي، أم عمل نقابي جمعوي، أم حتى إصلاح من قبيل الوعظ الديني التقليدي، بل يكاد كل أولئك يستحيلون من قبيل الدعاية التجارية.
ما بعد الربيع العربي
بغض النظر عن بواعث هذا الربيع ومآلاته، فقد هزّ رتابة الحياة الثقافية والسياسية العربية وجعل المثقفين العرب في وضع لا يحسدون عليه: إما التحريض أو التعريض، أي الدعوة إلى العنف الشعبي مهما كانت نتائجه، أو الاصطفاف مع السلطة التي يتهمونها بالاستبداد والفساد.
لقد دفع الربيع العربي المثقفين العرب إلى حالة من الاصطفاف العشوائي، أو المواقف المترددة، لقد كانت المطالب الشعبية العربية في ذلك الربيع نبيلة وكريمة لكن النتائج، أحيانا، كانت كارثية ودموية.
بات على المثقف العربي الذي كان في خصومة مع السلطة المستبدة، أن يدخل معها في تفاهم خشية الإضرار بالدولة القطرية المهددة بالزوال، أو أن ينخرط في فعل ثوري شعبوي غير مضمون النتائج ولا محمود العواقب.
هي ذاتها الثنائية التي فرضتها من قبل القطبية العالمية، يسارا ويمينا، على المثقفين العرب، فانقسموا حولها، يساريين ويمانيين، وها هم اليوم ، تحت وهج الثورات العربية، ينقسمون إلى وطنيين وديمقراطيين، وكأن الخيار هو من يطالب بالديمقراطية يضحيالوطن ومن يدافع عن هذا الأخير يرفض الحرية.
العودة إلى الهويات القلقة
أدت التحولات الأخيرة إلى موجة غريبة من الانسلاخ من المواقف القومية والوطنية، والمجاهرة بالانتماء المذهبي والطائفي، بل إن مثقفين ومبدعين عربا بارزين اختاروا أن يعلونها صراحة: سنعود إلى جحورنا الطائفية والمذهبية التي كفرنا بها من قبل، ما يكشف درجة الخوف من المستقبل ومستوى الضياع والوهن.
إن العودة المقززة إلى الولاءات الريفية، قبل الدولة، من قبيل الطائفة والمذهب، وبهذه الدرجة المقززة، تكشف عن استقالة حقيقية من المشروع الثقافي والإبداعي.
وضع ثقافي كارثي
تنتشر في بلداننا العربية ما يسمى بـ "الأمية الثقافية" المتمثلة في انحطاط المستوى التعليمي وتردي مستوى القراءة والتحصيل الثقافي.
بات المثقف العربي، بين استهلاك "السلع الثقافية المهرّبة"، أو الاستسلام للمادة الثقافية المعلّبة الفارغة من كل معنى نقدي وإنساني.
تبقى القراءة والقراءة المميزة والانتقائية لنتاج الحكْمة الإنسانية (الإبداعية والثقافية) السبيل الأجدى للتخفيف من غلواء الرداءة الثقافية والمعرفية التي تعمر الحياة العربية الراهنة.
يشبه الدور المطلوب من المثقف العربي في ظل الوضع العربي الراهن، ذلك الدور الذي نهض به المثقفون الأوروبيون بعد الحرب العالمية، من الدعوة للبناء على أنقاض الخراب، والسعي إلى ترميم الإجماع المفقود، واستعادة الروح الوطنية الخلاقة، والتبشير بالوحدة والنهضة والتقدم.
تحول المثقف العربي إلى حيوان سياسي داجن أو متوحش، وكاد يصبح أحيانا مستهلكا للبضاعة الأجنبية حتى بات غريبا عن ثقافته وأمته.
في ظل انكفاء الدولة الوطنية، وفشل مشروعها التحديثي والإنمائي، وتراجع مساحة السياسة، وانكفاء المشروعات الإيديولوجية، ينبغي أن لا يفقد المثقف العربي وظيفته التنويرية والتغييرية، لكن من خلال الإبداع والكتابة، ومهما كانت العقبات والمعوقات.
لقد استسلم المثقف العربي للرهانات السياسية والشعارات الإيديولوجية، وتخلى عمليا عن وظيفته الثقافية والإبداعية الأساسية، وربط مصيره بالشعارات الإيديولوجية والسياسات الرسمية، وهجر تقريبا، محاضن التفكير والإبداع إلا قليلا.
ليست هذه دعوة إلى أن يكون التنوير والتفكير والإبداع مشروعا عاما، شعبيا، بل يبدو تلك المسعى شبه مستحيل، لأن الإبداع وظيفة القلة لكن ثمراته للعامة عبر الوسائل المختلفة.
ليس المثقف نبيا ولا مصلحا، بل هو في المقام الأول، ناقد لواقع وداع لتجاوزه نحو الأفضل، عبر المنتج الإبداعي والثقافي الرصين والراقي.
نرى أن الوظيفة الحقيقية لمثقفينا هي أن ينتجوا الإبداع الثقافي والفني، وأن يشيعوه بين جمهور وطنهم، وأن يبينوا للسلطة و"خصومها" وأنهم ليسو حزبا سياسيا ولا جوقة طبالين. إنهم شيئ آخر مختلف تماما وعلى الجميع أن يعوا ذلك.
وفي أحلك الفترات التي يمر بها العرب اليوم، لم يعلن المثقفون العرب مواقف حقيقية وبنّاءة، مما يحدث، وبالضد من كل المواقف السياسية هنا أو هناك.
الصورة النمطية عن المثقفين أنهم خطر على الوضع القائم، يريدون التغيير، ولا يعرفون لماذا وإلى أين، أو أنهم لا يصلحون إلا للممارسة التجميلية للسلطة، مديحا وتلميعا، أو هم مجرد منعشين لآداب السمر والليالي الملاح.
نشأت أجيال عريضة من الفتية والشباب تبحث عن أدب راق وكتابة رصينة تعبر عن أحلام الناس وتطلعاتهم، وتعطيهم أملا في الحياة الكريمة، أو حتى تنتج لهم واقعا حالما موازيا يخفف من غلواء الواقع البائس الذي يعيشونه.
هؤلاء الشباب العرب لا يريدون قراءة قصة أو رواية أو مقالة غربية مترجمة أو بلغتهاالأصلية، بل يريدون منتجا ثقافيا نابعا من ثقافتهم معبرا عن أحلامهم.
برهنت التجربة التاريخية القريبة على أن أبناء مجتمعاتنا يقرؤون حيث تعمر رفوف المكتبات الخليجية مثلا، وهي مجتمعات مرفهة، قصص وروايات نسائية ورجالية فيها إبداع حقيقي قرأها الكثيرون بالآلاف ويتخطفها القراء في معارض الكتب.
لقد لعبت بعض المجلات العربية الثقافية مجلة العربي مثلا رائدا في العقود الماضية وتعلم منها ألوف الشباب العرب وشكلت زادا ثقافيا خصيبا طيلة النصف الثاني من القرن العشرين لألوف الشباب العربي.
إننا نستعجل التغيير نحو الأفضل ولا نعطي للزمن حقه، وعهدنا بالحداثة والتحديث قريب جدا لا يجاوز نصف قرن في أغلب البلدان العربية، بينما أنجزت المجتمعات الأخرى مشاريعها الحضارية والإصلاحية بعد قرون عبر المحن والكوارث وإعادة البناء.
الانخراط العربي في مشروع ثقافي وإبداعي جدي، سيحقق تراكما حقيقيا وسيكون الملاذ الذي ينقذ العرب من الرداءة والقبح والخواء، حين يكتشفون، وقد بدأ مثل ذلك السلوك، أنهم أهملوا القراءة والتفكير والإبداع والخيال والأمل، ولن يجدوه إلا حيث هو في الحرف والكلمة والمعنى... تماما كما كان أسلافهم ذات يوم في الجزيرة العربية بين دوامات الصراع الحضاري والسياسي الفارسي والرومي. وحينها كان العرب رغم هامشيتهم وتفرقهم أمة تمتلك كيانا ولسانا وقيما؛ كانوا يبدعون في ذلك الزمن "الجاهلي" الصعب.
المثقف العربي والإبداع في الزمن الصعب
جوهر الإبداع هو إنتاج الخطاب النقدي الذي يحرك المياه الراكدة والعفنة ويصدم المجتمعات الساكنة، لكن من منظور نقدي عقلاني وليس سياسوي أو أيديولوجي فج.
لا يمكن أن يولد الإبداع ومن ثم الخطاب النقدي إلا في ظل ثقافة مُعارضة (وليست ثقافة الْمعارضة بالتعريف)، أي الفعل الثقافي المتحرر من القيود الرسمية وحتى الحزبية التقليدية والثنائيات الحكومية والمعارضة لها.
إن التحرر من القيود الرسمية لا يعني الوقوع في القيود المعارضة، والتخلص من الاستنساخ الأعمى للمنتج الحداثي لا يعني الإتباع الساذج والبليد للتراث التقليدي الماضوي.
إن قيام حزب المثقفين العرب بات ضرورة ملحة للتخلص من الرهانات السياسوية الضيقة والشعارات الإيديولوجية التعبوية، إلى فضاء أكثر رحابة يتيح لهم إمكان النظر الفسيح نحو المستقبل، ما يسمح بالاتصال الحر والخلاق بالتجارب الإنسانية المختلفة شرقا وغربا ويُخرج العقل العربي والثقافة العربية من التقوقع والتأزم.
ليس سرا مطلقا أن العرب في شبه عزلة من النقاش العالمي حول قضايا معرفية وثقافية وإبداعية من طرق جدية ومنسجمة وليس عبر الممارسات الشكلانية والكرنفالات الثقافية ووسائل الاتصال الرقمية.
من دون وجود شبكة من المبدعين والكتاب العرب، متواصلة مؤسسيا ورقميا، لا يمكن تشكل مثل ذلك "الحزب" ولن يتبلور فعل عربي ثقافي خلاق ومبدع وجدي.
إن رعاية المنتج الأدبي والنقدي والثقافي للفتيان والشباب ضروري لخلق قاعدة عربية إبداعية مستقبلية، وقد برهنت على ذلك تجارب أكثر من مؤسسية عربية معاصرة، رغم محدوديتها،
لقد عرفت الفترة المعاصرة تراكما عربيا جديا في المنتج المعرفي والثقافي ولكنه ظل مقصورا على النخبة، خاصا بالدوائر الأكاديمية والبحثية، لأسباب ذاتية وعملية، رغم أن بعض أعمال المفكرين العرب، عرفت رواجا منقطع النظير بين القراء العرب داخل الجامعة وخارجها.
يواجه المثقف العربي مهمة التنوير في ظل أزمة القراءة وسيطرة الوسائل الرقمية، لكن يمكن تحويل هذه الأدوات إلى طريقة جديدة لتجاوز الوضع الإنكفائي للتنوير والإبداع العربي.
أما المؤتمرات والمنتديات والملتقيات، التي ينفق عليها الملايين الدولارات فيمكنها أن تتحول إلى محاضن للإبداع والثقافة، إنتاجا وتوزيعا.
ومشكلة العرب هنا عدم الصبر، فالمُنتج يجب أن يروج، تماما كالسلعة التجارية، والنتائج يجب أن تؤتي أكلها بسرعة بل ومباشرة!
الفراغ يملؤه أي شيء، ولذلك يؤدي تراجع المنتج العربي الرصين: مجلات ثقافية، قصص، شعر، وترويجه بين الفتيان والشباب، إلى رواج السلع الثقافية "المهرّبة"، و"المضروبة"، وهي تلك التي تحمل شعارات مخادعة أو مسمومة، فارغة من كل معنى إنساني أو عقلاني.
وظيفة الإبداع والثقافة العربية اليوم أن يكون خطابا للسلم والإخاء والتضامن، لتضميد الجراح والبناء بعد الخراب والدمار وللتبشير بواقع أفضل كي لا يفقد أبناء أمتنا الأمل، آخر شي يبقى للإنسان.
حماه الله ولد السالم
كاتب موريتاني