في وثيقة غير منشورة من يومياته –حصلت عليها أقلام- كتب المقدم كادير قائلا: "وقع السيد أحمدو ولد عبد الله في طرابلس اتفاقا بالتخلي عن تيرس الغربية. وقد سارعت الحكومة التي لم تفوضه لعقد ذلك الاتفاق باسمها إلى التشكيك في صدقية تلك الوثيقة"
وينقل مؤلف كتاب "موريتانيا المعاصرة" عن السفير الموريتاني في طرابلس خلال تلك الفترة محمد محمود ولد ودادي، بعض تفاصيل الموضوع: "لقد اعترضت على البنود المتعلقة بالموقف من فرنسا وتمت إعادة صياغة جديدة للوثيقة تم فيها النص على الانسحاب بدل التسليم وحذف البنود المتعلقة بالفرنسيين. وقد رفض رئيس الوفد الصحراوي محمد الأمين ولد أحمد التوقيع على الاتفاق بعد التعديلات التي أدخلت عليه".
ويضيف السفير "وفي بيت العقيد القذافي حيث كنا نجلس جميعا اتصل القذافي بالرئيس المصطفى الذي رفض بدوره الاتفاق في صيغته الأولى. وقد كان الوزير أحمدو ولد عبد الله قد وقع بالأحرف الأولى على الاتفاق".
ويختتم السفير ولد ولد ودادي شهادته قائلا: "رئيس الوزراء أحمد ولد بوسيف قال بأنه لا علم له بهذا الاتفاق. وقد سألت الوزير أحمدو ولد عبد الله لماذا قبلت التوقيع على هذا الاتفاق فرد على بأنه يريد ضرب الجزائر وليبيا بعضهم ببعض. وعندما احتجت الحكومة على الوزير أحمدو ولد عبد الله قال بأنه لا يعرف العربية وأن السفير محمد محمود ولد ودادي هو المسؤول عن هذا الأمر".
إذا كان من الواضح أن الموضوع بالغ الأهمية بالنسبة للصحراويين الذين وإن كانوا قد حصلوا على بعض الاعتراف إلا أنهم متلهفون لإثبات أن لديهم وجودا على الأرض ويسابقون الزمن لتحقيقه على حساب "الحلقة الأضعف" (موريتانيا) خصوصا وأنها تمر بمرحلة انتقالية، فما الذي تبحث عنه ليبيا من وراء اتفاقية مماثلة؟ وهل إشراف القذافي شخصيا على مفاوضات بمستوى وزراء الخارجية يكشف أنه مستعد فعلا لدفع مبالغ طائلة مقابل التوقيع؟
وكيف يمكن تفسير سلوك وزير الخارجية الموريتاني –الذي سيصبح فيما بعد مسؤولا أمميا ساميا- حين قبل بالتوقيع على اتفاق على هذا المستوى من الغرابة؟
مهما يكن فإن البوليساريو وجدت في اتفاق طرابلس ضالتها المنشودة واستخدمته أكثر من مرة للضغط على السلطات الموريتانية لدرجة أن أمينها العام محمد عبد العزيز هددهم في الرابع والعشرين مايو 1979، قائلا: "نأمل أن تقدر سلطات نواكشوط النتائج الكارثية لتغيبهم عن طرابلس يوم 26 مايو من أجل مناقشة اتفاق الانسحاب من تيرس الغربية الموقع من طرف وزير الخارجية الموريتاني". كان ذلك قبل 3 أيام من تحطم طائرة رئيس الوزراء أحمد ولد بوسيف وفي نفس اليوم الذي اكتشفت فيه أجهزة الأمن الموريتانية على شاطئ المحيط قرب نواكشوط، رادار مراقبة يديره أربعة ليبيينᵎ
فهل كان الأمر مجرد صدفة غريبة هي الأخرى؟ أم أن الصحراويين أو الليبيين أو هما معا كانوا جاهزين بالفعل لمعاقبة "حكام نواكشوط" على التغيب عن طرابلس يوم 26 مايو؟ مع العلم أن ولد بوسيف كان قد صرح بداية شهر مايو بأن: "الانسحاب من واد الذهب (تيرس الغربية) سيكون مرتبطا بتقرير مصير الصحراء الغربية"، نافيا أن تكون موريتانيا "قد وقعت أي بروتوكول اتفاق في طرابلس يتعلق بتنازلها عن واد الذهب وأن المعلومات التي تم تدولها بهذا الشأن لا أساس لها من الصحة".