تحقيقان، أحدُهما موَقَّع من قِبل لجنة الأوراق المالية والبورصات (Securities and Exchange Commission) التي ترصد بورصة نيويورك، ضد شركة التعدين المتعددة الجنسيات كنروس، ويتعلق بصفقة خدمات ومعدّات لوجِستية ترتفع قيمتها إلى خمسين مليون دولار، وبعلاوات غير مبرّرة بلغت 750 ألف دولار. وأما التحقيق الثاني فمِن قِبل مكتب مكافحة الغش (Office de Lutte Anti-Fraude – OLAF) التابع للاتحاد الأوروبي، ضد شركة هولندية ارتكبت مخالفات قيمتها ثلاثة ملايين يورو. وقد تورّط في هاتين القضيتَين "موظفون سامون" في الحكومة الموريتانية، إضافةً لبعض أرباب العمل الوطنيين.
ثبَت التورّط في الغش والتحايل على الصفقات والإخلال بقواعد المنافسة السليمة، خلال هذَين التحقيقَين. وقد كانت الهيأتان الأجنبيتان تعملان لصالح وباسم المواطنين الأوروبيين من جهة والأمريكيين من جهة أخرى. فكل الغرامات ستُودَع مباشرة في الخزانات الأوروبية والأمريكية.
أين هي موريتانيا من هذه القضايا؟ هل سنظلّ في موقع المتفرّج على محاكم دوَل أجنبية وهي تحقّق وتُدين في قضايا جَرَت على أرضنا، وتُوَرّط مواطنين و"موَظفين سامين" من حكومتنا، وفي ملفّات تعصف بمصلحة بلدنا قبل غيرنا؟ مَن هم كبار الموَظفين ورجال الأعمال المذكورين في هذَين التحقيقَين؟ أين هي اللجنة البرلمانية وهل ستفتح تحقيقا في هذه الملفات؟
أثار اتفاق تم التوقيع عليه الأسبوع الماضي بين الحكومة الموريتانية وكنروس الكثير من الاهتمام. واحتدم النقاش بين فسطاطَين، الذين يرَون في تغيير معدّل الامتياز (الذي ينتقل من 3% ثابتة إلى قيمة متأرجحة بين 4 و6%) انتصارا مدَوّيا لوزير النفط، والمتحاملين على الاتفاقية مِمّن يعتبرون أن الشركة الكندية حققت نجاحا باهرا بالاستحواذ على واحد من أغنى معادن الذهب في القارّة السمراء وإلزام الدولة الموريتانية بتسديد متأخرات متراكمة طوال السنوات الأخيرة.
من وجهة نظري، فإن الفريقَين مخطئان، إذ فاتتهما التساؤلات الأساسية وهي:
1. كيف للدولة الموريتانية أن تواصل التعاطي بهذه النعومة مع شركة أُدينت بالرشوة البَواح -وعلى مَن؟- على كبار الموظفين والمسؤولين في حكومتنا؟
2. لماذا لم تفرض الدولة الموريتانية -وقَبل أيّ مفاوضات- على كنروس أن تسَلّمَها الملفّ الكامل والمفصّل للجريمة التي أدانتها بموجبها الشرطة المالية الأمريكية، وهي إدانة لم تَطلب الشركة إثرها حق الاستئناف، بل دفعت الغرامة المترتبة عليها صاغرة، وذلك أهم اعتراف باقتراف الجريمة؟
3. تُرى مَن هو ذلك "المسؤول الموريتاني رفيع المستوى" الذي أَجبَر كنروس على إلغاء الخَيار الذي أفرزه التطبيق السليم لمسطرة الصفقات، فأبدله ب"رجل أعمال بارز ومؤثّر" في صفقة حجمها خمسون مليون دولار؟
4. مَن هو ذلك الشخص الذي قدّم نفسه لكنروس على أنّ له علاقةً وطيدة بِنفس "المسؤول الموريتاني رفيع المستوى" آنف الذكر، وطلبَ تشغيله كمُكلّف بالعلاقات مع الحكومة، ثم تقاضى بموجب ذلك، ما بين سبتمبر 2014 وأغسطس 2015 مبلغ 715 ألف دولار؟
كان من الأجدر بالحكومة الموريتانية، لا أن تسائل كنروس قبل التوقيع على الاتفاقية الأخيرة فحسب، بل أن تفرض عليها التصريح بهذا الملف كشرط للدخول في مفاوضات من أيّ نوع كانت.
كان على الحكومة الموريتانية ألا تنتدب لهذه المفاوضات وزيرا كان يشغل نفس المنصب وكل هذه الجرائم المالية والأخلاقية تعتمِل أو تحت التحقيق، إذ أن تضارب المصالح واضح في هذه الحالة (تمّ النطق بالحكم على كنروس بتاريخ 28مارس 2018 وكان الوزير المعني في ذلك الوقت يتربّع على تلك الوزارة منذ حوالي سنتين).
إنه من واجب اللجنة البرلمانية للتحقيق في تجاوزات العشرية، أن تتسلم هذا الملف وتباشر التحقيق للاطلاع على تفاصيله وتداعياته المتشعبة. وإلا فلن يغفر لها المُواطن الموريتاني تقاعسها عن الضغط لاستلام ملفّ جاهز لا يتطلّب سوى إنفاذ قوانين البلد على شركة أجرمت باعترافها في حقه على أرضه.
———————————————————————
تجدون في الفقرات التالية تلخيصا لجزء من التقريرين المذكورين أعلاه و رابطيهما:
-أولا: الرشوة لدى كنروس
تتهم لجنة الاوراق المالية و البورصات كنروس بالاخفاق في الامتثال لاجراءات مسطرة الصفقات و سلوكيات التفاعل مع المسؤولين الحكوميين. كنروس متهمة في الحالتين التاليتين:
1- في شهر ابريل 2014, قامت كنروس بانتقاء شركة شحن دولية للدعم اللوجيستي في إطار صفقة بقيمة 50 مليون دلار. كانت عملية الانتقاء هذه مطابقة لمسطرة الصفقات المعتمدة من طرف الشركة. لكن الادارة المحلية ما لبثت أن اكتشفت ان الفائز بالصفقة غير مرغوب فيه من مسؤول سام في الحكومة لأسباب تتعلق بقربه من المعارضة السياسية. و في النهاية آلت الصفقة إلى فرع من شركة أخرى تم انشاؤه للتو من قبل رجل أعمال متنفذ للغاية و ذي علاقة وطيدة المسؤول الحكومي السامي المذكور آنفا.
2- في عام 2014,قدم شخص نفسه على أن لديه علاقات وثيقة مع المسؤول السامي سالف الذكر طالبا أن توظفه الشركة كحلقة وصل بينها و أروقة الإدارة. و نظرا لمستوى الراتب الذي أصر هذا الشخص على تقاضيه، لم تسطع الإدارة المحلية اكتتابه كموظف محلي؛ فاكتتبته بصفة مستشار بعد أن حصلت على موافقة الإدارة المركزية للشركة. و ما بين سبتمبر 2014 و اغسطص 2015, تقاضى هذا المستشار مبلغ 715000 دولار.
يمكنكم الوصول إلى حكم لجنة الاوراق المالية و البورصات الامريكية بالكامل على الرابط: هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية ( https://www.sec.gov/litigation/admin/2018/34-82946.pdf )
– ثانيا: ألاف (OLAF) و شىركاؤه شكتشفون خطة احتيال في موريتانيا: استرجاع 3 ملايين يورو
مكتب مكافحة الاحتيال (OLAF) هو هيئة يوعز إليها تتبع المساعدات و الهبات الأوروبية لضمان عدم تعرضها للرشوة أو الفساد. بعد إشعارها بوجود ممارسات مشبوهة تلبست بها شركة هولندية في إطار صفقة إزالة 57 من بقايا بواخر في خليج انواذيبو، طلبت OLAF مساعدة المكتب الهولاندي المكلف بالتحقيقات الضريبية (FIOD).
في 7 يناير 2020، أرسلت OLAF توصياتها إلى المفوضية الاوروبية ومن اهمها ضرورة تحريك آلية لاسترجاع 3068000 يورو و ذلك بعد توثيق انتهاكات عديدة لمسطرة الصفقات. و طالت تهم الرشوة موظفين موريتانين.
للاطلاع على التقرير، يمكنكم زيارة الموقع الأوروبي