لست هنا بصدد تقييم الحصيلة، التي لا مراء في إيجابيتها، إنما هي تأملات حول السلوك والخطاب، سمحت لي بالوقوف على خصائص، أذكر منها هنا ثلاث سمات رئيسية هي: الوفاء والمنهجية والتوازن.
لا ريب أن تحرير برنامج انتخابي والإعلان عنه يعد خطوة مركزية لدى كل مترشح، غير أن تسمية برنامج الرئيس الغزواني " تعهداتي" أكسبته أصالة خاصة، لأن للكلمة وقعها ودلالتها وتأصلها في البنية الثقافية والدينية والوجدانية للمجتمع (الوفاء بالعهد ...) كما أنها من حيث الدلالة واضحة في ارتباطها العضوي بالمسؤولية الشخصية: (تعهداتي)، وهي بذلك تؤشر طريقة جديدة في التفكير في المجتمع وفي التعامل معه.
وقد كان حرص الغزواني على أن تكون الحكومة الأولى حكومة الوفاء (بتعهداتي) دليلا على أن الأمر مأخوذ بما يستحق من جدية، جدية تتأكد يوما بعد يوم من خلال متابعة مسارات التنفيذ.
وقد برهن الرجل، خلال هذه الفترة القصيرة، على أصالة في منهجيته: فهو يتكلم في هدوء ويفكر في هدوء ويفعل في هدوء.
فهو هادئ في خطابه لأنه لا يريد من خلال الخطاب أن يوزع الرعب على الناس ولا أن يخوفهم عبر الحركات التي تصاحب الكلمات والنبرات العالية للصوت والنظرات التي تتوعدهم بالبطش كما يتجلى في سلوك بعض القادة في محيطنا العربي والافريقي.
ومثلما أنه هادئ في خطابه، فهو يفكر ويعمل كذلك بهدوء، فلا يستهويه - على ما يبدو - العمل في الصخب والفوضى، فللزمن والمنهجية حقهما ومكانتهما في ذهن الرجل وسلوكه.
فقد أخذ وقته - على سبيل المثال - في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، وأخذ الوقت الكافي في تأسيس المؤسسات (تآزر، صندوق كرونا...)، وأخذ الوقت في ما أحدث من تغييرات في هياكل الدولة.
ويبدو أن مساره مطبوع بتلك الملامح التي هي على النقيض من المزاجية التي طالما طبعت تصرفات بعض الرؤساء السابقين.
والواقع أن الهدوء والمنهجية يعكسان خاصية أساسية أخرى هي: خاصية التوازن، تلك الخاصية التي نراها متجسدة بأصالة في سلوكه، والتي نعني بها هنا القدرة على التحكم في السلوك، وعدم الاستجابة للاستفزاز.
فقد امتلأ فضاء البلاد منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، بما يَعرف الجميع من خطابات وشائعات ورِيَّبٍ وشكوك، من مختلف المصادر، فلم تهتز لتلك العواصف منه شعرة .
وخلافا لتوقع البعض، لم ينجرف في ردود فعل غير مُتبصِّرةٍ ولا انساق في قرارات غير محسوبة، وظل، بثباته المعهود، واقفا على أرضية صلبة تقوم على المعرفة والتربية والتجربة.
ولئن كانت تلك الخصائص على درجة عالية من الأهمية في صناعة نسيج الرجال، فإنها هنا تعلو بأصالتها في شخص السيد الرئيس، لأنها تتجذر في خمسة مصادر لم تأتلف في شخص أي رئيس من رؤسائنا السابقين.
يتعلق الأمر بالتربية الصوفية والثقافة العصرية، والعقل الاستراتيجي العسكري والتجربة ووضوح الرؤية.
محمد أحمد البرناوي
جامعة انواكشوط