كانت مطالعتي في المخطوطات قد أفادتني بكم هائل من المعلومات الطريفة عن كثير من العناوين النادرة، فأردت أن أشارك بها القارئ تحت هذا العنوان أعلاه. وقد كانت لنا وقفة في المقال الماضي مع قصيدة بالغة المعني، كثيرة الفوائد، ومطالعها سيبتعد بحول الله عن كثير من المعاطب التي ابتلي بها عصرنا.
أما في هذه المقالة فقد اخترنا موضوع العلم وتعلمه، فلا تكاد تفرغ من قراءة مخطوطة إلا وجابهتك بأبيات عن هذا الميدان الواسع، ميدان العلم وتعلمه، وقد حصلت على مجموعة نادرة، قرأتها واستفدت منها، فأردت أن أنثر بعضا منها في هذا المقال، على أنه تجب الإشارة إلى أن غالب هذه المقطوعات مجهولة المؤلف، فقد تكون لمؤلف الكتاب الذي وجدت على ظهريته، وقد تكون جلبت من مصادر أخرى.
وما يهمنا هنا هو مضامينها التي يجب أن ينظر إليها كل متبصر، مهتم بالتمكن من العلم، وما يجلبه من صقل المعرفة، وتحسين الطوية، والابتعاد عما يضر الإنسان في حياته العامة والخاصة، يقول أحدهم:
تَعَلَّمْ فإنَّ العِلْمَ زينٌ لأهْلِـــــــــــــــــــــــــــــــــــهِ وَفَضْلٌ وَعنوانٌ لِكُلِّ المَحَــــــــــــــــــــــــــــــــــــامِدِ
وكُنْ مُستَفِيْدًا كُلَّ يومٍ زِيَــــــــــــــــــــــــــــادَةً من العِلْمِ واسْبِحْ في بُــــــــــــــــحُورِ الفَوَائِدِ
تَفَقَّهْ فإِنَّ الفِقْهَ أَفْضَلُ قائِـــــــــــــــــــــــــــــــــدٍ إلى البِرِّ والتـــــــــــــــــــــــــــقوَى وأَعْدَلُ قاصِدِ
هُوَ العَلَمُ الهَادِي إلى سُنَنِ الهُدَى هُوَ الحِصْنُ يُنْجِي مِنْ جَميْعِ الشِّدائِدِ
فإنَّ فَقِيْهًا وَاحِدًا مُتَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورّعًا أَشَدُّ عـــــــــــــــــلى الشَّيْطانِ مِن أَلْفِ عَابِدِ
ويضيف أخر حقيقة أخرى هي حقيقة المعرفة الإلهية، فيقول:
عليك بطلْب العلم إن كنت راغبا حريصا على خير الجزيل مع التقوى
فوالله لولا العلم لم يعبد المــولى ولا عرفت نار ولا جنــــــــــــــــــــــــــة المأوى
فهاتان خصلتان لا بد منهـــــــــــما فمن حاد عنهما بشيء فـــــــــــقد هوى
ألم تر أن العلم يسمو بصحبه إلى أعلى عليين جنب الهـــــــــــــــــــــــوى
فمن لم يرد به الإله وإنـــــــــــــــــــــــما أراد به الدنيا لعمري فقد هـــــــــــــــــــــــوى
ويردف آخر بعض فضائل العلم، فيقول:
العلم في الرجل اللبيب فضيلة ونقيصة في الأحمق الطياش
مثل النهار يزيد أبصار الورى ضوءا ويعمي مقلة الخُفاش
أما بعض الشعراء الآخرين، فقد أكدوا على ضرورة تبجيل أهل العلم والعلماء، وإنزالهم منزلتهم التي يجب أن يحفظها لهم كل متعلم، حيث يقول:
والتزم الجلال والتوقيـــــــــــــــــــــــــــــــــــرا لمن يريك العلم مستنيرا
وكن له مبجلا معظــــــــــــــــــــــــــــــــــما مرفعالقدره مكــــــــــــــــــــــرما
واخفض له الصوت ولا تهجره وما جنى عليك فاغتفره
فحقه من أوكد الحقــــــــــــــــــــــــــــوق وهجره من أعظم العقوق
ويركن آخر إلى أهمية العلم لبلوغ الرياسة والتقدم على الآخرين، فينظم ذلك بقوله:
رياسات الرجال بغير علم ولا تقوى إلا الدهىالــــــخساسه
وكل رياسة من غير علـــــــــم أذل من الجلوس على الكناسه
ونختم ما اخترناه لهذا المقال بالأبيات الآتية، والتي يدعو فيها صاحبها إلى نشر العلم في مكانه وعند من يقدره، فلا أهمية لنشر العلم في أرضية غير صالحة له، بل لا بد أن يختار ناشر العلم أرضية صالحة لما يقوم به، فالعمل عمل جد، وصلح لمن فسدت طويته، وأقبل على الدنيا، وترك مقصد نشر العلم، حيث قال:
يا ناشر العلم بين الجاهلين بـــــــــــــــــــــــــه كموقد الشمع في قاعة عــــــــــــــــــــــــــــميان
وطالب النصح ممَّن ليس ينصـــــــحه كطالب النسل في أصلاب خصيان
وقائل السر فيمن ليس يكتمـــــــــــــــــــــــــــــــــه كدافع المال في كم الــــــــــــــــــــــــــــــــــعرْيان
هذا جزء من كم كبير من الأشعار التي قيلت في طلب العلم، فنرجو أن ينظر إليها المتعلمون، ويطبقوا ما قاله أولئك العلماء، وينشروا العلم في المكان المناسب، ويطلبوه من المهد إلى اللحد.
ونضيف أن هذا المنزع يصلح لإقامة رسالة جامعية، فعلى المتعلمين الباحثين عن مواضع صالحة للبحث الجامعي أن ينظروا إلى هذا الموضوع الثر، فله مضامينه المتميزة، وخصائصه البينة التي ولاشك أنها تقدم جديدا في البحث الأدبي واللغوي والفكري