كفي نبشاً في انتماءات الضحايا والمجرمين

من الظواهر السيئة التي تشكل خطرا على لحمتنا الوطنية ظاهرة النبش في الانتماء العرقي والشرائحي للمجرم والضحية، كلما وقعت جريمة بشعة في بلادنا. 

هذه الظاهرة بدأت تتسع، وهي نتيجة حتمية للتمييز الحقوقي والسياسي والإعلامي الذي تمارسه بعض النخب بين الضحية والضحية وبين المجرم والمجرم. 

لقد بدأنا وللأسف الشديد نصل إلى مرحلة في منتهى الخطورة، وتتمثل هذه المرحلة في أن شريحة المجرم أصبحت تتحكم في مستوى تنديد بعضنا بتلك الجريمة، كما أن شريحة الضحية أصبحت تتحكم في مستوى تضامن بعضنا مع الضحية. 

هذه الظاهرة الغريبة والتي بدأت تتسع تستدعي منا التذكير ببعض الحقائق التي يحاول البعض أن يتجاهلها في كثير من الأحيان، وهذه الحقائق هي:

1 ـ إن الجرائم الفردية هي جرائم فردية ويجب أن تبقى جرائم فردية، ولا يجوز ـ بأي حال من الأحوال ـ تحميلها أكثر من ذلك.

2 ـ لا أهمية للبحث عن الانتماءات العرقية والشرائحية للمجرم والضحية كلما وقعت جريمة، ففي دولة القانون التي نقول بأننا نسعى جميعا لبنائها، فإن مستوى الإدانة والعقوبة يجب أن لا يتأثرـ تحت أي ظرف ـ  بانتماءات المجرم، وكذلك فإن مستوى التعاطف والتضامن مع الضحية يجب كذلك أن لا يتأثر بالانتماءات الشرائحية والعرقية للضحية.

3 ـ في كل مكونات وشرائح مجتمعنا هناك للأسف مجرمون وهناك كذلك ضحايا.

4 ـ إن هناك جرائم تستحق أن يعاقب مرتكبوها بأقصى العقوبات، ومن تلك الجرائم جرائم اغتصاب الفتيات الصغيرات والتي تزايدت بشكل مخيف في الفترة الأخيرة. ومن آخر الأمثلة البشعة على تلك الجرائم ما تم تسجيله مؤخرا في مقاطعة باسكنو.

5 ـ إن المجرم سيبقى مجرما، ولذا فلا يُستغرب منه أن يتلفظ بكلمات عنصرية أثناء ارتكابه لجريمته، وإن حدث مثل ذلك فعلى السلطات أن تضاعف له العقاب، وأن تذيقه سوء العذاب، وذلك لأنه حاول أن يضفي على جريمته بعدا عنصريا، وأن يجعل منها شرارة لفتنة بين مكونات المجتمع.

لقد آن الأوان لأن نوقف عمليات البحث والتقصي في انتماءات المجرم والضحية كلما وقعت جريمة بشعة في بلادنا، ولقد آن الأوان لأن يكون تنديدنا بالجريمة وتعاطفنا مع الضحية يتم بشكل تلقائي وفوري، ولا نؤجله في انتظار معرفة الشريحة التي ينتمي لها المجرم وتلك التي تنحدر منها الضحية.

إن الجرائم ستسمر، وإذا ما استمر معها بحثنا وتقصينا عن انتماءات المجرمين والضحايا، من قبل اتخاذ مواقف منددة بالجريمة أو متعاطفة مع الضحية...إذا ما استمر ذلك فثقوا تماما بأنه سيأتي اليوم الذي سيكون فيه بإمكان أي مجرم أن يهدد تعايشنا السلمي، وسيكفيه لتهديد ذلك التعايش أن يتلفظ بألفاظ عنصرية ضد هذه الشريحة أو تلك أثناء ارتكابه لجريمته.

خلاصة القول هي أن هناك مجرمين من كل الشرائح وهناك ضحايا من كل الشرائح، وأن التحري والبحث عن انتماءات المجرمين والضحايا هو سلوك متخلف وبائس، وهو فوق ذلك يهدد تماسك المجتمع واللحمة بين مكوناته.

 

حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]

سبت, 06/06/2020 - 13:22