يتعايش ساكنة نواكشوط مكرهين مع الكثير من المشاكل المعقدة والمترابطة على رأسها التوسع الأفقي والتمدد العمراني للمدينة، والتردي الكبير في خدمتي الماء والكهرباء، ورداءة خدمات النقل الحضري، وكذلك استفحال ظاهرة سرطان المدينة أو أحزمة الفقر والحرمان. كلها مشاكل خطيرة تتفاقم يوما بعد يوم، إلا أن مشكلة الصرف الصحي وصرف مياه الأمطار تعد المشكلة الأبرز التي تؤرق الحكومات المتعاقبة منذ عقود، وباتت تلقي بآثارها على واقع حياة ساكنة العاصمة من جميع النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية والبيئية.
وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة السابقة، لحلحلة أزمة الصرف الصحي بالعاصمة، فإن أيا منها لم ينجح حتى اليوم، وظل المشروع يظهر ويختفي مع كل موسم أمطار أو ظهور برك مائية ومستنقعات بين المنازل وتحت التلال المحيطة بالأحياء السكنية، وقبل أيام وأثناء زيارة فخامة رئيس الجمهورية للصين تناقلت وسائل الإعلام الموريتانية المحلية، وعلى نطاق واسع خبر توجيه رئيس الوزراء الصيني الجهات الفنية المختصة في بلاده ببدء الدراسات الضرورية لإنجاز مشروع الصرف الصحي لمدينة انواكشوط في أقرب الآجال الممكنة. الأخبار الواردة من الصين اعتبرها البعض مؤشرا هاما، وبادرة حسنة تجدد آمال الساكنة لإنهاء معاناتهم مع مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار. لكن رحلة المشروع الذي طال انتظاره هي في اعتقادنا طريق طويلة مليئة بالتحديات والصعوبات، التي ينبغي مواجهتها والتغلب عليها ومن هذه التحديات ثمة ثلاثة منها هي الأبرز.
التحدي الأول، يتعلق بالتمويل، إذ سبق للحكومة الموريتانية أن وقعت سنة 2010 مع شركة صينية على اتفاقية لتعبئة الموارد المالية لتنفيذ أشغال نظام التصريف المشترك الذي يجمع ما بين نظام الصرف الصحي ونظام صرف مياه الأمطار بقيمة 1.361 مليار يوان (حوالي 209 مليون دولار)، إلا أن الشركة لم تتمكن من تعبئة التمويل الضروري في الآجال المحددة حسب تصريحات رسمية، وخلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه المنعقد بنيويورك مارس الماضي، تحدث وزير المياه والصرف الصحي الموريتاني عن أن مشروع الصرف الصحي يتطلب تعبئة 450 مليون دولار، وهذا المبلغ الكبير الذي يشكل حوالي 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي الموريتاني، وحوالي 10.4% من إجمالي الدين الخارجي الموريتاني لسنة 2022 يصعب الحصول عليه في ظل الظرفية الاقتصادية والمالية العالمية الحالية التي تتسم بحالة من عدم اليقين، ورفع الفيدرالي الأمريكي المتواصل لسعر الفائدة في ظل موجة أزمة ديون خطيرة تجتاح الدول النامية، ومما يزيد الطين بلة تبني الصين بعد الأزمات العالمية المتتالية لاستراتيجية جديدة تجاه القروض الموجهة للدول النامية تعطي الأولوية للمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية على حساب مشاريع الخدمات، كما تعتمد عدة معايير جديدة أكثر صرامة.
التحدي الثاني، يتعلق بتنفيذ المشروع في ظل اتساع مساحة نواكشوط وسوء تخطيط جل الأحياء السكنية، إذ تقترح خطة سابقة بناء نظام صرف صحي للمدينة يلبي احتياجات ساكنتها كما ًوكفيا المقدرعددهم بحلول عام 2035 بنحو 1.6 مليون نسمة، حيث سيتم تقسيم المدينة إلى ثلاثة مناطق ،وبناء ثلاثة محطات معالجة مع تمديد حوالي 500 كلم من خطوط أنابيب صرف المياه، وربط حوالي 73 ألف أسرة بالشبكة، وكما يقال يمكن تجنب أكثر من 70% من مشاكل الصرف الصحي إذا تم تنفيذه قبل الخدمات الأخرى، أما والحالة معكوسة فهذا يطرح الكثير من المعوقات التنفيذية خاصة في الشوارع الفرعية وسط المباني والأحياء، حيث خطوط مياه الشرب، وكابلات الكهرباء وعدم انتظام عمق أساسات المباني ، وغير ذلك من المعوقات التنفيذية والفنية التي قد تزداد في ظل غياب التنسيق الجيد بين مختلف القطاعات والإدارات الحكومية.
أما التحدي الثالث فهو سياسي حيث تقترح الخطة الرئيسية للصرف الصحي لمدينة نواكشوط، التي تم وضعها سنة 2017 تقسيم المدينة إلى ثلاثة مناطق المنطقة الألى وتضم (تفرق زينة ، ولكصر ، وسبخة وجزء من الميناء)، المنطقة الثانية ( الجزء المتبقي من الميناء وعرفات والرياض) و المنطقة الثالثة تضم (دار النعيم وتيارت وتوجونين) هذه التقسيمة تطرح تحديات قد تكون لها تكاليف سياسية كبيرة في حالة تم التنفيذ على مراحل، ومع ذلك يبقى التحدي السياسي الأكبر يتمثل في مدى الاستعدادات لمتابعة واستكمال المشروع من قبل النظام القادم، إذ من المستبعد التخطيط وتحصيل التمويل والتصميم والإنتهاء من المشروع في غضون خمس سنوات، ولطالما شكلت النسخة السيئة من ديمقراطية لابول الشكلية أكبر عائق أمام المشاريع الاستراتيجية التنموية في البلد .
الصرف الصحي بنواكشوط مشروع هام جدا لحماية البيئة، وتحسين استخدام موارد المياه، و حماية المدينىة وتحسن صورتها، والرفع من التنمية الاقتصادية لكن ارتفاع حجم تكلفته في ظل الوضعية الدولية المتأزمة التي تلقي بظلالها القاتمة على الأفاق الأمنية والاقتصادية العالمية تطرح أكثر من تحدي، كما أن عدم إنشاء صرف صحي أفضل من إنشاء صرف صحي خاطئ، لذلك لابد من التكيف والتأقلم مع الشروط الجديدة للحصول على التمويل والنماذج الجديدة للتعاون وخاصة مع الصين.
د. يربان الحسين الخراشي