الظاهرة الانقلابية في افريقيا واكبت نشأة الدولة الوطنية في معظم بلدان المنطقة. وتشهد العديد من بلدان القارة استمرارا لهذه الظاهرة عبر استخدام القوة المباشر او صناديق الاقتراع المزيف التي صممت على إقصاء مناضلي الاحزاب العريقة وفوز زعماء الانقلابات على الاقل هذا ما تؤكده التجارب.
مع بداية الموجة الاولى للانقلابات وتحديدا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان هناك اعتقاء بأن هؤلاء الضباط بحكم تكوينهم العصري قادرون على انتشال بلدانهم من مستنقع التخلف والبؤس الذي جلب لهم الاستعمار الغازي، وسادت فكرة قدرتهم على توحيد المجتمع بحكم الخصائص التي يتميزون بها من مهنية وانضباط واحترافية.
كانت المؤسسة الوحيدة في الدولة التي علقت عليها آمال البناء والتغيير.
وفعلا أظهرت التجارب أن بعض هؤلاء كان يحمل فكرا ومشروعا تجاوز الحدود الوطنية إلى القومية، كان هذا الجيل بامتياز جيل الزعامات، جيل يكتب ويفكر وينظر ويخطط للمستقبل، جيل البناء والتأسيس، و"جيل الزمن الجميل" كما يحلو للبعض. ورغم إيجابيات وسلبيات هذا الجيل الا انه كان جيلا وطنيا بامتياز ولذلك لم يكن محببا لدى الاوروبيين والغرب بسبب قراراته الوطنية والقومية الثورية.
ثم آل الأمر إلى جيل الكراسي الذي لا يحمل فكرا ولا مشروعا ولا فكرة وكل انجازاته ومشاريعه ومؤامراته ومغامراته تدور حول الحفاظ على الكراسي. جيل سيطر على الشعب واستسلم للغرب، نهب وافقر الشعب ونهبه وافقره الغرب، جيل مارس ابشع صور الاستعمار الداخلي من إقصاء واستبعاد وافقار وعزل سياسي، ومورس عليه هو الاستعمار الخارجي من الدول الغربية.
وإذا كان جيل التأسيس يحظى بالشرعية التاريخية ويحصل له شرف المشاركة في المقاومة، فإن هذا الجيل لم يطلق رصاصة الا ضد الوطن والمواطن للاستيلاء على السلطة، ليس من أجل الديمقراطية كما هو معلن، وكيف يوفق بين الانقلاب والتزوير والديمقراطية. وليس من أجل البناء وكيف وواقع الشعوب والدول المعاش الان. الأكثر من ذلك فإن هذا الجيل هو الجيل الذي تبنى النموذج الأوروبي وشعارته من ديمقراطية وانتخابات وحقوق انسان ..
حيال هذا الجيل بدأت تراود الشعوب الافريقية بعض الشكوك، بشأن قدرته على البناء والتغيير. فإذا كان عجز عن بناء مؤسسة واحدة من الدولة وهي المؤسسة العسكرية فهل هو مؤهل لبناء دولة!؟ لا شك أن التجارب اثبتت العكس.
الأمر الثاني فإن "الانظمة الغربية والانظمة الموالية لها"، لم يعد سرا أن الشعوب الافريقية لم تعد مرحبة بها، ليس لأنها تشترك في الجرم، وإنما لأنها "أنظمة بعضها من بعض" استنفذت كل طاقتها وتآكلت كل الحجج والمبررات والوعود المزيفة ولم تعد بالإجماع تحظى بثقة هذه الشعوب.
إزاء ذلك بدأت الموجة الثالثة للضباط الشباب المدعومة من الشعوب، ما يمنحها شرعية وقدرة على خلق التغيير الخلاق البناء. ما يعلنه هذا الجيل الذي يبدو انه جيل خطيب يقرأ ويكتب هو تطهير البلاد من الاستيطان الداخلي الذي مارسته الانظمة الموالية للغرب، وتحريرها من الاستعمار الخارجي السياسي والاقتصادي والثقافي.
ومع بداية اندلاع هذه الموجة ورياحها التي عصفت ببعض الانظمة حتى الآن، نلاحظ ان هناك أنظمة فهمت الرسائل مبكرا مثل ما فعل الرئيس السنغالي رغم ما حققه للشعب السنغالي لكن الشعب السنغالي ذاق الديمقراطية وعلى قناعة بان لا تنمية بدون ديمقراطية، واقتصاد تشيده الديكتاتورية اقتصاد غير آمن ومخادع مثل إنجازات بعض الحكام العسكريين. وهناك أنظمة نالت السلطة بالمجان وإذا خسرتها لم تخسر شيء مثل هذا النوع لم تصله الرسالة على ما يبدو.
على كل حال يبقى السؤال هل ينجح جيل الشباب الذي يستفيد من تراكم خبرات التجارب السابقة في إنقاذ البلاد والعباد ام سيعيد نفس التجارب ومبرراتها ونفس الوعود والعراقيل للبقاء فقط في السلطة؟ وهل هو مؤهل لتامين عبور آمن إلى مستقبل آمن للشعوب الافريقية