من حكاياتنا الشعبية المأثورة: أن "عبد الرحمن" عاد غير غانم من صيد إلى الحي، فاجتمع حوله الصبيان يطلبون الفرحة، وألحوا عليه، فصاح بهم: "تركت لكم الفرحة وراء ذلك الكثيب"! فانطلقوا يجرون نحو الكثيب.. فقال عبد الرحمن: "لعل ما قلته لهم حق" وانطلق يجري خلف الصبيان! ويحكى أن الأمير "انبط شيفو" (وهو من بقايا سلالة منقرضة من الأنباط كانت تحكم القبلة) ورد ماء يريد سقي فرسه فمنعه أهل الماء ذلك، ولم تُجْدِ محاولاته وتوسلاته نفعا. فعاد إلى أهله، ودعا أمته وقال لها خذي عنان الفرس واذهبي بها إلى الماء وقولي لأهله يأمركم سيدي أن تسقوا فرسه فورا" فضرب به المثل! وكان الشيخ باب غُورَ رحمه الله يعتقد جازما أنه يملك كل شيء في موريتانيا!
تذكرت هذه النوادر وأنا أتابع كغيري باستغراب حملة الشائعات والأراجيف التي يشنها بعض رواد العالم الافتراضي ضد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وضد شعب ودولة موريتانيا، والتي تجد صدى وتشجيعا في بعض "وسائل إعلامـ"نا غير المصنف، وتتخذ من شعارات "حتمية التغيير" و"إرادة التغيير" فرس رهانها بغية خداع وتضليل الشعب والدولة.. وما يخدعون إلا أنفسهم!
التغيير المغدور! أجهلا أم تجاهلا؟
يدعي القائمون على هذه الحملة أن"الشعب الموريتاني يريد التغيير". وبالتالي، فعلى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إذا كان رئيسا حقا، ووطنيا حقا، ومخلصا حقا، أن يبادر بإنجاز ذلك التغيير، وأن كل تأخر يتم من طرفه، يعتبر غدرا واغتيالا لـ"التغيير الحتمي الذي يطالب به الشعب"!
بيد أننا حين نتطلع إلى معرفة كنه ذلك "التغيير" المطلوب في نظرهم بإلحاح من طرف الشعب، نجده ينحصر ببساطة حسب رغباتهم في نقطتين هما:
1. انقلاب الرئيس على شرعيته: على دستور البلاد ومؤسساتها التي أقسم على حمايتها، وعلى تعهداته وبرنامجه الانتخابي الذي انتخبه على أساسه الشعب، وعلى أغلبيته الرئاسية والبرلمانية وحزبه الذين ساندوه ونصروه، وعلى أغلبية الشعب التي رفضت جميع خصومه، وزكته ومنحته أصواتها، وبوأته أعلى منصب في الدولة! إنهم يريدون من الرئيس أن يخون مبادئه وينتحر سياسيا!
2. تخلي الرئيس بصفة شاملة وعاجلة، عن قادة وبناة الدولة والمجتمع المخلصين، الذين أنقذوا موريتانيا، وعبَروا بها إلى بر النجاح والأمان، وحققوا إنجازات العشرية العظيمة، وإحلال رهط المفسدين والعابثين محلهم!
وليتسنى لهم بلوغ ذلك، ينسى مثيرو هذه الفتنة، أو يتناسون، الحقائق الجوهرية التالية؛ ويريدون منا نحن أيضا أن ننساها أو نتناساها بدورنا، والحقائق هي:
1. أن موريتانيا التي أوصلها نظام العاشر يوليو إلى الحضيض حتى كادت تتلاشى وتندثر، قد قيض الله لها كوكبة من أبنائها البررة عانقت نضال شعبها ولبت نداءه ليلة 3 أغسطس 2005 حين حملت أرواحها في أكفها، وأطاحت بنظام الفساد والاستبداد والخنوع للاستعمار والصهيونية؛ وكان على رأس تلك الكوكبة البطلان الوطنيان محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ الغزواني.
2. أن الشعب الموريتاني بقيادة هذين البطلين قد صمم عبر منتديات تشاورية وحوارات عديدة وتصحيحات وإصلاحات هيكلية متتالية نظاما سياسيا واجتماعيا ديمقراطيا حديثا يلائم ظروفه وأوضاعه ويلبي تطلعاته الوطنية المشروعة. وهذا النظام ما يزال قائما، وسيبقى قائما بإذن الله ما دام الشعب الموريتاني يتمسك به ويرتضيه!
3. أن الشعب الموريتاني بقيادة هذين البطلين قد حقق خلال عهد الثالث والسادس من أغسطس نهضة سياسية واقتصادية واجتماعية وعمرانية وأمنية كبرى لا يماري فيها إلا جاحد أو جاهل أو حسود!
4. أن الشعب الموريتاني، وعملا بدستوره وقوانينه الأساسية الأخرى، قام في إطار تداول ديمقراطي للسلطة غير مسبوق، بتنظيم انتخابات رئاسية مشهودة حرة ونزيهة بشهادة الجميع؛ ترشح لها مرشحون متعددون كان من ضمنهم مرشح الإجماع الوطني محمد ولد الشيخ الغواني، ومرشحون من جميع أطياف المعارضة مختلفون ومتحدون. وقد منح الشعب ثقته في تلك الانتخابات لمرشح الإجماع الوطني بطل التغيير الحقيقي والبناء والأمن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني دون غيره من المرشحين بمختلف برامجهم وشعاراتهم!
5. أن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز قام بتسليم السلطة كاملة نهارا جهارا لرئيس الجمهورية المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني في عرس ديمقراطي وطني ودولي مشهود. وبذلك أصبح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هو ولي أمر البلاد والعباد، والأمر الناهي في موريتانيا.
فكيف يتسنى إذن، بعد سرد هذه الحقائق القائمة على أرض الواقع في موريتانيا، والواضحة وضوح الشمس، لأي كان، وخصوصا لهؤلاء المدعين أن يطلبوا من رئيس جمهورية لم يرشحوه، ولم ينتخبوه، وحاربوه بما أوتوا من قوة وضعف خلال حملته الانتخابية، وناصبوا نظامه العداء من يوم وجوده، أن يحقق لهم مآربهم الرجعية الفاسدة، التي تتناقض تناقضا صارخا مع مصالح موريتانيا العليا، ومع برنامجه وتعهداته، ومع طبيعته وتاريخه، ورفضهم ورفضها الشعب الموريتاني نهارا جهارا؟ فعن أي "تغيير" يتحدث هؤلاء السادة، وباسم أي شعب يتكلمون؟
ألا رحم الله "عبد الرحمن" و"امبط شيفو" و"باب غُورََ" برحمته الواسعة!
دموع التماسيح على شركة سنيم
ومن أغرب فصول هذه الحملة المغرضة تلك الضجة التي أثيرت إثر تعيين رئيس الجمهورية للوزير الكفء المختار ولد اجاي على رأس شركة سنيم! فقد أفصحت بجلاء عن طبيعة القائمين عليها في ثلاثة مواقف غريبة، تمثلت في دعوة بعضهم للإطاحة بالنظام عن طريق العنف وتسليح المنقبين عن الذهب والاستعانة بداعش: "ما المانع من تسليح جيوش المنقبين عن الذهب ... نشكو لله ونطالب جيش داعش المرابط على الحدود نجدتنا... مجرد إسقاط غزواني لن يكون بالسلم لابد من هزة أرضية"! (موريتانيا المعلومة 7/9/019)، بينما دعا بعض آخر إلى انقلاب عسكري خلافا لمبادئ الديمقراطية وخرقا لأحكام دستور البلاد: "فإن الأمل يتجه للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية التي دأبت منذو 10 تموز 1978 إلى اليوم، على اقتناص الفرص وتكريس التناوب المشوب بالنكهة الانقلابية" (وكالة المستقبل الجمعة 6/9/019)، وطفق بعض آخرـ من موقع علم: دكتوراه ـ يسب الشعب الموريتاني بأبذى العبارات ويهدده: "اشعيب متبدي، اشعيب اجويهل، اشعيب منافقي... مرو ذا ماه شعب أذي ماه دولة والدور اتشوف... مرو يالشعيب الموريتاني ال مانكم ش الخ..." وكل ذلك لا لشيء سوى أن رئيس الجمهورية مارس صلاحياته، واختار من بين أعوانه من رآه كفئا لمهمة صعبة، وأن الشعب الموريتاني رفض اتباع المرجفين ولم يستسلم لتضليلهم!
أما أولئك الذين ذرفوا دموع التماسيح على "الحبيبة" الهالكة اسنيم، ودبج بعضهم بيانات ينعونها فيها وطلبوا تعميمها على كل الصعد، فلن نلومهم على جهلهم المركب بسنيم ولا على أنهم لا يعرفون شيئا عن حاضرها أحرى أن يعرفوا ماضيها فقد لا يكونون من بين من عاشوا زمن كان النضال من أجل تحرير ثروتنا المعدنية وتأميم ميفرما من أولى أولويات الوطن! وقد لا يكونون حتى من وسط اجتماعي ساهم مساهمة حاسمة في ذلك النضال العنيف الذي أدى إلى تأميم ميفرما وميلاد سنيم! ونكتفي بمساءلتهم فقط حول نقطتين أساسيتين هما:
ـ إن سنيم جزء من كل هو موريتانيا، وقد انهارت موريتانيا خلال عقود ما قبل 3 أغسطس 05 اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ووحدة وطنية الخ... وكنتم يومئذ أيها الباكون على سنيم قد تجاوزتم سن الرشد حسب ما يستنتج من أصوات نحيبكم ومكائكم، فلما ذا لم تذرفوا دمعة واحدة يومئذ على موريتانيا الهالكة؟ أم أنكم كنتم في صف قتلة الوطن؟!
ـ في بداية سنة 2008 كانت سنيم معروضة للبيع في سوق النخاسة بدراهم معدودة! فلم لم نسمع يومها من أي منكم بنت شفة تنهى عن ذلك المنكر، ولم يَرْوِ لنا الإعلام يومئذ أن أحدكم ذرف دمعة واحدة عليها؟! فلماذا تنتحبون عليها اليوم؟ وكيف تفسرون فائض الوطنية الجياشة الطارئ؟ ونفس التساؤل يمكن طرحه عندما كادت الإضرابات وتدهور أسعار الحديد تهدد حياتها في الصميم.. فأين كنتم يومها؟!
على كل حال، فإن النظام الوطني القائم الذي أنقذ موريتانيا من الانهيار، وسما بها إلى قمم العزة والمجد هو من حمى سنيم في تلك الأيام العصيبة من البيع والإفلاس، وسوف يستمر في حمايتها ورفع قواعدها؛ ولقد اختار لها أكثر أطر الدولة خبرة وجدية وإخلاصا!
فخامة الرئيس، إنهم يستهدفونكم أنتم وموريتانيا!
فخامة الرئيس، إن هذه الضجة المفتعلة لا تستهدف الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي أنجز مهمته ومضى مكرما في سبيله؛ ولا معالي الوزير المختار ولد اجاي الذي تتخذ منه كبش فداء لا غير! بل أنتم المستهدفون بالدرجة الأولى، وموريتانيا بالدرجة الثانية!
أنتم المستهدفون لأنكم اليوم حارس بوابة موريتانيا وحامي حمى الكنز الذي يجري التخطيط لاختطافه. ومن المستحيل بلوغ غاية استباحة الوطن ما لم يتم تحييدكم أو القضاء عليكم لا قدر الله. ولذلك يجري غزو القلاع وتحييد الفيلة والأحصنة واحدا واحدا، وإبادة الجنود، وحصار وتهديد الملكة.. وعندها، وعندها فقط يعلن اللاعبون "كش ملك"!
ذلك ما يفسر أبعاد هذه الحملة الرامية إلى تجريدكم من أخلص أركان نظامكم، ومحاولات الوقيعة بينكم وبين أخيكم وصديقكم وزميلكم في السلاح والكفاح وسلفكم وسندكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وبينكم وبين أغلبيتكم البرلمانية التي أثبتت الليلة بما لا يدع مجالا للشك وفاءها لكم وللشعب الذي اختارها لهذه المهمة العظيمة خلافا لما روجه المرجفون، وبينكم وبين حزبكم وشعبكم اللذين وضعا ثقتهما فيكم بصفتكم الربان القادر على قيادة سفينة صون المكاسب وإنجاز مهمات المرحلة والسير بالوطن إلى الأمام!
فكونوا عند حسن الظن بكم.. والحذر الحذر!