هل كتب على لحراطين أن يشكلوا جزء المجتمع الأقل إمكانية ؟ وهل وضعية المساكن المتردية ترجع لأسباب خارجية أم ترجع لثقافة داخلية ، أو ترجع لعدم القدرة المادية؟ بادئ ذي بدء أقول إن قضية لحراطينقضية وطنية يجب أن نتبناها جميعا بدافع الحق والعدالة والأخوة والوطنية ...ثم إن هذه القضية العادلة يجب ألا تدنس؛ بالدوافع الشخصية المصلحية ، أو بأصحاب النيات السيئة ، أولئك المخربون الذين يسعون في الأرض فسادا .
وقبل سبر أغوار هذا الموضوع لنعرف من هم لحراطين في مجتمعنا الموريتاني؟ لابد أن نقول إنهم جزء أصيل من المجتمع، بل من مكوناته الاجتماعية المندمجة في تجمعاته داخل المدن والقرى ، غير أنهم الجزء الأكثر تضررا من الوضعية المزرية التي تعاني منها الدولة الموريتانية برمتها ، ولكن هل الواقع الراهن يعد حالة مؤقتة أو مستديمة بالنسبة لهذه الفئة التي تنفطر القلوب لأوضاعهم المادية في السكنى ، والحالة المعيشية هذا فضلا عن ارتفاع منسوب الأمية في النشء وخاصة في قرى آدوابه .
وبالرجوع للتساؤل أعلاه فإني أقول إن الظلم على لحراطين لم يعد موجودا ، ولكن آثره بائنة وشواهده قائمة ؛غير أن الظالم في الحقيقة أيضا قد ذهب وولى، كما قد ذهب المظلوم _ وإن بقيت بعض الآثار نعم ، آثار الممارسات السابقة يجب أن تعالج من الجانبين الجانب الحكومي والجانب المجتمعي :
1 الجانب الحكومي
يجب على الحكومة أن تتبنى استيراتيجيات جدية وصادقة في طمس آثار الممارسات السابقة، و مما يجدر ذكره هنا ما تقوم به وكالة " تآزر " من تنفيذ لبرامج أكثر جدية من حيث الدعم المالي وبناء المدارس وتشييد المنشآت المائية والصحية في أكثر من 40 بلدية والعمل جار على تنفيذ البرنامج في أكثر من ذلك ، فآلاف الأسر في مقاطعات عدة يستفيدون من تلك الوكالة (تآز) ماديا وصحيا وثقافيا لكن يجب أن لا يقف العمل الحكومي عند هذا فحسب .
2 الجانب المجتمعي
لطالما فكرت في قضية لحراطين ووضعيتهم المادية وطبيعة المسكن الذي يسكن فيه عامتهم وقارنت ذلك بمجتمع البيظان ، وقد ناقشت ذلك مرات عدة مع زملاء لي ، ولكن ألاحظ حينها أن النقاش يفسد كلما اقترب من الجانب السياسي ودور المناصب في ثراء البعض من البيظان ، غير أن الحقيقة من وجهة نظري لا ترجع أساسا لذلك الأمر، والذين يريدون ردها له غالبا ما تكون لهم أطماع خاصة ، ويستخدمون القضية العادلة كسلم تقليدي للوصول للمناصب السياسية ، إنما بالمقارنة وبالرجوع للثراء (النسبي) للبيظان فإن أصله الأصيل ليس المناصب الحكومية !!! وإنما ثلة قليلة أولئك الذين استولوا على خيرات الدولة وهم من كل الشرائح الوطنية مع التفاوت طبعا . نعم ، إن ثراء البيظان في رأيي يرجع لأمور أخرى وهي أمور ثقافية اجتماعية نفسية ؛ حيث التوجه الاجتماعي للمحاكاة (اتحامير) بين أبناء العم فهذا زيد قد سافر إلى دولة خارجية وجاء للوطن بعد سنين من العمل المضني ، وقام بشراء سيارة فارهة، وبناء منزل من طراز رفيع، وصار حديث الكل، وبالخصوص أصحاب النزعة المادية؛ الأمر الذي سيفضي إلى خلق عزيمة حديدية لدى أقرانه ، حتى يفعلوا مثل ما فعل زيد ، وهكذا يصرون على أن يكونوا مثله ، وبالصبر والعزيمة والتوفيق معظمهم يحقق مراده ، وإن كان معظم هؤلاء حققوا آمالهم بأموال خارجية سافروا لأجلها سنوات عدة ، ومنهم من لم يوفق أو أدركته المنية دون تحقيق هدفه .
وفي الواقع فقد كنت ذات مرة أناقش مع زميل لي ظاهرة التفاوت الاجتماعي في السكنى، فوقفت لآخذ قسطا من الهواء ، ونظرت عبر النافذة، فإذا بجاري من " لحراطين" وقد ركن سيارته أمام منزله ، فقلت لزميلي تعال وانظر إلى هذه السيارة 190 إن صاحبها قد فضل أن يعيش في الوطن، وأن لا يلاقي أهوال المخاطر التي واجهها يقينا صاحب هذه العمارة - التي نستأجر منها هذه الشقة- حين هاجر إلى "آنكولا " مثلا تلك الدولة التي يقتل فيها المجازفون بأعمارهم من "البيظان" حيث عشرات الأفراد قتلوا هناك بدافع الاستيلاء على محلاتهم التجارية وأخذ النقود منها .
أقول لك هذا لتعلم يا صد يقي أن الرجلين كلاهما حر في عمله ، إلا أن أحدهما قد رضي بالقليل مع نعمة الوطن ، والآخر جعل نفسه مشتعلة وغير مرتاح ، حتى يكون له منزل كبير يتباهى به بين أقرانه ويكون مثل زيد . والذي دفعني للحديث هكذا هو أن قضية التفاوت في طبيعة المسكن التي تحدث عنها البعض إبان الذكرى الموسمية الأخيرة " لميثاق لحراطين" لا ترجع في الأساس لتدخل خارجي بقدر ما ترجع لأسباب داخلية ؛ غير أن هذا لا يبرئ الدولة من انتهاج سياسة التمييز الإيجابي لصالح الفئات المهمشة كما فعلت في تآزر فيجب تفعيل وكالة أخرى يناط بها بناء مساكن عصرية وتكون مخصصة للفئات المهمشة - من كل الشرائح - الذين لا يملكون وسيلة لبناء مساكن تأويهم ، ثم إن النهضة الحقيقية التي يحتاجها مجتمع لحراطين ليست نهضة المساكن، وليست التمييز الإيجابي الذي ينتظر من الدولة أن تقوم به؛ إنما يحتاجون نهضة ثقافية بحيث ينصب التوجه كل التوجه نحو التنافس في التعليم، فالقضية قضية ذاتية وإن كانت الأسباب البعيدة أسباب خارجية ، فحينما تتنافس الأسر في التعليم، وتراهم على احتياجهم يبذلون الغالي والنفيس في تعليم أبنائهم وبناتهم، وترى الأولاد فيما بينهم يتنافسون في التعليم، وترى الخيرين من أبناء لحراطين يتبرعون بأموال طائلة لصالح مسابقات ثقافية لأبناء قرية ما أو " أدباي : ما، فهذا في رأيي أجدر وأكثر جدوائية وأبقى .
لنصارح أنفسنا ونتحدث بصدق ونضع القدم على "فم الجرح" وليكن هدفنا هو الإصلاح ، فلحراطين حتى يبرحوا الوضعية المزرية التي يعيشها معظم أسرهم يحتاجون التغيير من الداخل .
وأخيرا وليس أخيرا فليعذرني الجميع على صراحتي إنما هي سطور من قلب صادق يحب الخير لكل فرد إنساني أحرى جزء المجتمع الموريتاني وسواد عينه