خاص/اقلام - أوصى مجلس الأمن الدولي بعد اطلاعه الأربعاء 25 أكتوبر على التوصية المقدمة من طرف فرنسا وليبيريا، بضم موريتانيا إلى الأمم المتحدة. وقد اتخذ المجلس قراره بموافقة 9 من أعضائه، فيما صوتت ضده الجمهورية العربية المتحدة وامتنع الاتحاد السوفيتي عن التصويت. وفي نفس الوقت أوصى مجلس الأمن بضم منغوليا الخارجية بموافقة 9 أعضاء ورفض الولايات المتحدة وامتناع الصين الشعبية عن التصويت. ولم يتخذ أي فيتو لا من طرف الاتحاد السوفييتي ولا من طرف الصين.
ولنا أن نتخيل حجم الفرح الذي أثاره الاعلان عن هذا القرار في نواكشوط. لقد أعدت إذاعة موريتانيا تقريرا عن نقاشات مجلس الأمن ثم ذكرت بلمحة مختصرة عن مشكلة موريتانيا مع الأمم المتحدة، وأعربت عن تفاؤلها بشأن القرار النهائي الذي ستتخذه الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص:
"منذ أقل من سنة (في شهر ديسمبر 1961)، تدارس مجلس الأمن الدولي ترشح موريتانيا للانضمام لمنظمة الأمم المتحدة ووافق عليه 8 أعضاء وامتنع عضو واحد عن التصويت غير أن فيتو الاتحاد السوفييتي حال دون قبول الترشح. وفي ابريل 1961 ردت الجمعية العامة بإيجابية على طلب موريتانيا بموافقة 60 عضوا ورفض 15 وامتناع 17 بلدا عن التصويت، وطالبت مجلس الأمن بأن يأخذ علما بذلك. واليوم تتكلل هذه النتائج المشجعة بكل وضوح بالتصويت الذي أجراه مجلس الأمن والذي أزال العقبة التي كانت تعترض حصول موريتانيا على مقعد تستحقه. وخلال أجل قصير سيكون على الجمعية العامة أن تتخذ قرارا بشأن الطلب الموريتاني ومن المؤكد أنه سيحوز على موافقة أغلبية عريضة".
داخل أوساط الحكومة تم استقبال الخبر من دون مفاجأة رغم أن الرئيس المختار كان قبل 15 يوما يشكك في إمكانية قبول انضمام بلاده إلى الأمم المتحدة، غير أن تطمينات القائم بالأعمال الصيني في نواكشوط بصفة رسمية بأن الصين لن تعترض على انضمام منغوليا والإشارات المتفائلة جدا من مندوبه لدى الأمم المتحدة، مكنته من أن يأمل في الاستجابة للطلب الموريتاني. وقد عبر عن فرحته بقرار مجلس الأمن من خلال تصريح له يوم 26 اكتوبر جاء فيه:
"لقد تحقق مطلبنا العادل. وها هي ثقتنا التي لم نتخل عنها لحظة في مستقبل وطننا تجد ما يعضدها: لقد تم رفع العقبة الرئيسية أمام انضمام الجمهورية الاسلامية الموريتانية إلى الأمم المتحدة. وهكذا ستلتحق موريتانيا بالأمم الافريقية الشقيقة التي سبقتنا إلى هذه المنظمة والتي مكن تضامنها الفعال بشكل أساسي، بلادنا من تجاوز العقبات التي يضعها البعض في طريقها.
وأنا على يقين من أنني أعبر عن وجهة نظر جميع الشعب الموريتاني، حين أتوجه إلى هذه الأمم الشقيقة وخصوصا تلك التي تشكل معنا الاتحاد الافريقي والمالغاشي، رسالة شكر حارة. ونعرف أيضا بأن البلدان الأخرى التي تشكل مجموعة منروفيا قد ساندتنا هي الأخرى لرفع الحاجز الذي وضع أمامنا في مجلس الأمن، لذلك نتقدم إليهم بتشكراتنا.
ولا يمكنني في هذا الاطار أن أنسى التذكير بأنه قبل سنة تقريبا، قامت جمهوريتا تونس وفرنسا بشكل عفوي برعاية ترشحنا للأمم المتحدة ولم تألوا أي جهد منذ ذلك الوقت في دعمه. إن أمتنا تعبر لهم عن كامل امتنانها.
بعد 11 شهرا من المواجهة بذل خلالها من يرفضون الاعتراف بوجود جمهوريتنا حرة ومستقلة، ها هي موريتانيا –التي حاول خصومها التقليل من شأنها وإذلالها بأي ثمن- تقتحم المشهد العالمي وتثبت لمناوئيها أن قضيتها كانت عادلة".
بالإضافة لهذا الخطاب العام، وجه الأستاذ المختار ولد داداه رسائل شكر خاصة إلى رؤساء الدول الذين مكنت جهودهم من انتزاع قرار مجلس الأمن وخصوصا رئيس الجمهورية الفرنسية.
وسط هذه الظروف تلقت نواكشوط صبيحة السبت –من دون مفاجأة- نتائج تصويت الجمعية العامة خلال دورتها يوم 27 اكتوبر والذي أصبحت بموجبه موريتانيا عضوا في الأمم المتحدة حيث صوتت لصالح انضمامها 68 دولة مقابل 13 دولة ضدها و 20 دولة امتنعت عن التصويت. وبالطبع فإن الأوساط الحكومية سرعان ما تدوالت الدول التي صوتت معها وتلك التي اعترضت. كل الدول العربية باستثناء تونس صوتت ضد ويتعلق الأمر ب: العراق، الأردن، لبنان، ليبيا، المغرب، العربية السعودية، السودان، الجمهورية العربية المتحدة، اليمن إضافة إلى كوبا وبعض الدول الافريقية من مجموعة الدار البيضاء: غينيا، مالي.
امتنع عن التصويت كل من: الاتحاد السوفييتي، دول أوربا الشرقية، غانا، الكونغو، يوغوسلافيا، اغواتيمالا وبعض الدول الآسيوية غير المنتمية: أفغانستان، كامبودج، الهند، أندنوسيا، نيبال، الباكستان.
لم تكن هذه النتائج مفاجئة لأن الحكومة كانت تتوقع أن تصوت الدول العربية الصديقة للمغرب ضدها وأن تمتنع دول أوربا الشرقية عن التصويت. وإذا كانت المعارضة التي أظهرتها كوبا لم تثر كبير اهتمام في نواكشوط، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للهجوم اللاذع الذي شنه مندوب مالي خلال النقاشات.
كانت مالي قد اعترفت بصفة ضمنية خلال شهر مايو بحقوق موريتانيا في الحوض وكان الرئيس المختار قد بدأ منذ سبتمبر في تبادل رسائل مع الرئيس موديبو كيتا بشأن الاعداد لتمثيل دبلوماسي متبادل، إذ أنه يسود الاعتقاد في نواكشوط بأن العلاقات بين البلدين مقبلة على مرحلة من عدم الخلاف إن لم تكن من الصداقة. بالطبع لم تكن الحكومة الموريتانية تتوقع دعما من دولة مالي –نظرا لعلاقاتها مع المغرب- بل أن تمتنع عن التصويت كما فعلت خلال شهر ابريل، غير أنها لم تتصور أن مالي ترى من الضروري تأكيد موقفها الدولي بتصويت سلبي وخصوصا أن يشرح مندوبها في الأمم المتحدة دوافع بلاده بعبارات فظة كتلك التي استخدم.
لقد تم النظر في نواكشوط إلى الموقف المالي على أنه إهانة، لذلك سارع الأستاذ المختار ولد داداه يوم 28 اكتوبر بتوجيه رسالة احتجاج إلى باماكو وأعلن من خلال الاذاعة أن "الاجتماع الذي كان من المقرر عقده يوم 13 نوفمبر في لعيون بين وزيري داخليتي البلدين لدراسة القضايا العالقة، قد تم تأجيله إلى وقت لاحق".
وتسبب التصويت السوري كذلك في بعض المفاجأة. وفي انسجام مع باقي دول الاتحاد الافريقي المالغاشي، قررت الجمهورية الاسلامية الموريتانية منذ 25 أكتوبر الاعتراف بالجمهورية السورية كدولة مستقلة ذات سيادة. وضمن هذا الاطار كانت إذاعة موريتانيا قد أعلنت أن "حكومة نواكشوط تتمنى من جانبها أن يشكل هذا الاعتراف مناسبة لإقامة علاقات مثمرة بين البلدين، يطبعها التفاهم والتعاون المتبادل والصداقة". إذا وبالرغم من موقف الدول العربية المعادي لموريتانيا، فإنها لا تضيع فرصة لإظهار تعاطفها معهم.