تنهمك العديد من النساء في موريتانيا في البحث عن المستحضرات الخاصّة بتفتيح البشرة وتغيير طبيعتها، ويُنفقن في سبيل ذلك أموالهنَّ رغبةً في مسايرة نظرة جمالية رائجة تجعل البشرة الفاتحة معياراً للجمال. ظاهرة تسبب بحسب الأطباء العديد من الأمراض الخطيرة، ما جعل البعض يدقون ناقوس الخطر، ويحذرون من تفشي هذه الظاهرة التي تجد أسبابها في بعض الأفكار الرائجة في المجتمع.
الخلل يكمن في تفضيل "البياض"
تعتقد الناشطة النسوية السالكة أحميده التي تحدثت لرصيف22، أن سبب إقبال النساء الموريتانيات على مواد تبييض البشرة، يعود أولا إلى "العنصرية تجاه أصحاب البشرة السمراء، واعتبار أن البشرة الفاتحة هي المعيار الأعلى للجمال. يضم تراثنا للأسف الكثير من الأمثلة المتعلقة بذلك، منها مثلا أن 'البياض نصف الجمال'، وبالتالي أصبحت صاحبة اللون غير الفاتح، تتعرض إلى الكثير من التنمّر، وتعتبر أن بشرتها السمراء مجرد طبقة 'متسخة' يجب أن تتخلص منها، حتى تساير وتخضع للمعايير الجمالية التي وضعها المجتمع".
ترى المتحدثة أن هذا النوع من الممارسات في المجتمع "خلق مواطنات مشوهات، ثقتهن في أنفسهن مهزوزة، كما أنه بسبب هذه المواد يتعرضن للكثير من الأمراض قد تكون نهايتها الموت، هذا بالإضافة إلى أن هذه المواد تستنزف، جيوب الكثيرات، فحتى الفقيرات تشترينها رغم الضعف والفقر، لذلك قد تكون على حساب الاحتياجات الاساسية للأسرة".
مخاطر وأمراض جمة
تسبب المستحضرات التجميلية المنتشرة في موريتانيا، أمراضاً عديدة وفقاً للأطباء المختصين. وقال الدكتور عبد الله الداه الشريف، أخصائي الأمراض الجلدية، في حديثه لرصيف22 إن "الأمراض التي تسببها هذه المواد، منها مخلّفات أو مضاعفات موضعيّة ومضاعفات عامة، مخلفات محلية لأنهم أغلبها يضم الكورتكويد الذي مضعف المناعة ويسبب الالتهابات البكتيرية والفطرية والفيروسية، وتقرحات الجلد، وترهل الجلد بشكل شديد بلا دواء، بسبب رقة الجلد، وأيضا بروز العروق تحت الجلد ويكثف من الشعر".
يضيف الأخصائي أن هذه المواد تؤدي أيضاً إلى التصبُّغات وهو ما يعرف علميا بـ ochronose exogène الذي أثبتت الدراسات إمكانية تحوله مع الزمن إلى سرطان الجلد. وتسبّب المواد المصنوعة من مشتقات الفيتامين (أ) حروقاً للوجه والجلد، قد تؤدي إلى تشوهات دائمة للمستخدمة وتشوهات للجنين بالنسبة للمرأة الحامل، ثم الالتهابات بكل أنواعها منها البكتيرية، والتي قد تكون عميقة حتى تصل لما تحت الجلد والعظم مما قد يؤدي إلى بتر العضو".
وأضاف المتحدث، أن هناك مستحضرات تستخدمها النساء، تسبّب "الالتهابات الفيروسية وارتفاع ضغط العينين والذي يسبّب العمى، وأمراضاً أخرى عامة، مثل الضغط والسكري واضطرابات في الهرمونات تمنع حمل المرأة، والتشوهات الخلقية في الأجنة والإجهاض".
ويرى الدكتور الشريف، أن أخطر المستحضرات التي تستمع النساء في موريتانيا، هي: "الكورتكوييد، اكلوبيتازول و البيتاميتازون، وهي تسوّق داخل قوارير، وهناك مستحضرات تأتي من باكستان، بالإضافة إلى علامة تجارية معروفة محلياً، رغم أنها ممنوعة في الكثير من الدول. وهي مواد لا يجب بيعها في السوق دون وصفة طبية، مثل درموفال و أكلوفوت و موفوت و 7/7 (sept sur sept) و secret du mariage و گلولايت و سيفيك، والهيدروكينون التي يباع على شكل كريمة للبشرة، ومشتقات فيتامين A، مقشر تستخدمه النساء لغرض التبييض ويسبب حروقا للجلد".
غياب الرقابة معضلة
قصة انتشار المستحضرات التجميليّة الموجّهة إلى النساء، لا تختلف في موريتانيا بحسب المراقبين، عن بقية السلع التي تباع في البلاد، التي تشهد ضعفاً للرقابة على ما يعرض في الأسواق من طعام وأدوية.
وترى بنت أحميده أن هناك "غياباً تاماً للرقابة لأن هذه المواد موجودة في الأسواق بكثرة وتدخل الأراضي الموريتانية بدون قيد أو شرط، كما أن بعضها مكتوب عليه أنه يتضمّن مواد كيميائية خطيرة جداً، قد تسبب السرطانات ومع ذلك يسمح بدخولها بسهولة".
تعتقد المتحدثة أنه من أجل الحد من هذه الظاهرة "يجب أن تتغير معايير الجمال وأن تكون هناك ثقافة بديلة عن الثقافة العنصرية المسيطرة، وأن يعي الجميع أن الجمال ليس له معيار واحد، وأن تتم التوعية بخصوص العواقب الوخيمة لتغيير اللون، من أمراض وتشوهات الأمراض".
وقال الدكتور عبد الله الداه الشريف، إن "هناك غياباً تاماً للرقابة، وللحد من هذه الظاهرة يتم عن طريق تدخل السلطات ومصادرة جميع الأدوية من السوق وسنّ قوانين رادعة. وبالنسبة للخطوات التي أنجزت فقد قامت الوزارة بحملات توعية وقامت جماعة من الأطباء الأخصائيين بتصوير فيديوهات يشرحون فيها خطورة هذا الواقع، لكن هذا ليس كافياً".