تحل اليوم ذكرى مرور خمسين سنة، على اندلاع الكفاح المسلح في الصحراء الغربية ضد المستعمر الاسباني الذي جثم على ارض الصحراء الغربية قرابة قرن من الزمن.
لقد كانت الصحراء الغربية آخر مستعمرة افريقية آنذاك، وحين انتفض الشعب الصحراوي في الزملة بمدينة لعيون في 17/6/1970واجه قمعا وحشيا من اسبانيا لفرانكوية، وكان ذلك الحراك السياسي داخل الصحراء الغربية هو الذي ستولد من رحمه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10/5/1973.
شهدت بداية السبعينات أحداثا مهمة في الدول المجاورة للصحراء الغربية، ففي المغرب نجى الملك الحسن الثاني بأعجوبة من محاولتين متتاليتين لتصفيته، مع تنامي قوة اليسار، والانتفاضات ضد الغلاء وتغول سلطة المخزن.
اما في موريتانيا فكان الصراع في أوجه بين النظام وحزب الكادحين حديث النشأة والذي يعمل في السرية، حيث كانت السجون تعج بالمعتقلين السياسيين من هذا الحزب، كما كان البلدان قد اتفقا سرا على تقاسم الصحراء الغربية، في لقاء جمع الرئيس المختار ولد داداه والملك الحسن الثاني رحمهما الله تعالى، على هامش مؤتمر قمة منظمة الوحدة الافريقية، المنعقد في الرباط في يونيو 1972.
يعبر الشهيد الولي مصطفى السيد رحمه الله تعالى بمرارة عن مواقف المغرب وموريتانيا من الكفاح الصحراوي ضد الاسبان وذلك في مقابلة مع الكاتبة الفرنسية المتخصصة في الانتروبولوجيا،صوفي كاراتيني ديسمبر 1974في نواكشوط فيقول : "فقد فرضتا( يعني المغرب وموريتانيا) تعتيما اعلاميا يحول بين قيادة الجبهة وتنبيه الرأي العام الدولي حول الجرائم التي ترتكبها اسبانيا في الاقليم، فالمغرب يريد ان يحتل ارضنا، ويرفض الحديث عنها، فالصحافة المغربية مكممة، الرئيس الموريتاني الذي استسلم جزئيا لضغوط المغرب، لم يكن حريصا ايضا على دعمنا، لقد تسامح مع الوجود السري الى حد ما للمقاتلين الصحراويين على اراضيه، لكنه لم يرغب في دعم مطالبهم بالاستقلال."
و اما الجزائر فكانت تُعرف حينها بقبلة الثوار، و هي الجار الوحيد للصحراء الغربية الذي ليست له مطالب سياسية فيها ويدعم بقوة حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله، ولكنها كما أورد احمد طالب الابراهيمي في مذكراته، بقيت لفترة مترددة في الاعتراف بالجبهة خوفا من تأزيم الوضع المغاربي.
ونتيجة لهذا الوضع الإقليمي فإن اشد ما يثير نظر الباحث حول قضية الصحراء الغربية هو تحدي النخبة الصحراوية التي كانت النواة الأولى لجبهة البوليساريو لكل الصعوبات وانطلاقها في مشروعها الوطني بدون أي دعم خارجي، تلك النخبة بقيادة رجل فذ وعبقري من طراز نادر ، يقول الرئيس المختار ولد داداه في مذكراته متحدثا عن آخر لقاء جمعه بالشهيد الولي مصطفى السيد رحمه الله تعالى، في مايو 1975 :" و خرجت من هذا اللقاء بانطباع جيد عن الولي، فسلوكه سليم وشخصيته قوية، على ما يبدو، وتكوينه السياسي لامطعن فيه".
وقد كانت سرعة تطور الجبهة الشعبية، والتفاف الجماهير الصحراوية حولها وانخراطها في مشروعها الوطني، حيث اثبتت ذلك لجنة تقصي الحقائق الأممية التي زارت المنطقة في شهري مايو/يونيو 1975، هي الأخرى ملفتة للنظر.
لقد انطلقت قاطرة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10/5/1973في مدينة زويرات الموريتانية، حيث أصدرت البيان التأسيسي لها من هناك، ونفذت بعد عشرة أيام من تأسيسها اول عملية عسكرية ضد الاستعمار الاسباني في 20/5/1973والمعروفة بعملية الخنكه، التي كانت بمثابة اعلان اندلاع الكفاح المسلح من اجل تحرير الصحراء الغربية، يقول فقيد الشعبين الموريتاني والصحراوي، المرحوم احمد بابا مسكه تغمده الله بواسع رحمته، في كتابه" جبهة بوليساريو روح شعب" عن عملية الخنكه: " في 20 مايو تمت مهاجمة حامية الخنكه والسيطرة عليها، وبتلك العملية الرائعة بدأت جبهة بوليساريو صفحة مجيدة من تاريخ غني بالأمجاد."
واليوم وبعد مرور نصف قرن، مازالت النكبة الصحراوية تشكل ابرز ملامح الوجه المغاربي الحائر، ومازال الصحراويون يدفعون ثمن الحرية والرفض بمزيد من الصبر والمعاناة ولكن أيضا بعزة وكرامة.