ترتفع أصوات متعددة من هنا وهناك، تطالب بتغيير طريقة تسيير ملف فيروس كورونا في البلد.
والواقع أن هناك عدة نقاط، يجب التنبيه إليها في هذا الشأن، حتى لا يكون هذا كلاما ملقى على عواهنه.
أولا: الملف برمته معقد للغاية، وتتشابك فيه عدة قضايا تسييرية ذات طابع إداري، وأخرى تقنية مرتبطة بالحقل الصحي، إلى جانب اعتبارات إنسانية، وطبعا أبعاد سياسية.
ثانيا: لا يملك وزير الصحة لوحده، أيا كان اسم صاحب المنصب، كامل السلطة في التعامل مع ملف كورونا، رغم أن الملف له طابع صحي واضح، نظرا بالطبع لتشابك الأبعاد التي أشرنا إليها سلفا، وكذلك حجم التحدي، الذي فرضه فجأة، هذا الوباء على البشرية، دون استثناء، وعلى بلد بمستوى موريتانيا.
ثالثا: وزير الصحة الدكتور نذير ولد حامد، كما هو حال عدد من أعضاء أعضاء الفريق الحكومي، كان خارج دائرة التقاليد المحلية الخاصة بالتسيير الإداري، بالنظر إلى كونه عمل لسنوات بالأمم المتحدة، وانقطع عن مسارات التسيير "الخاصة جدا" في البلد.
ولا يمكن أن نغفل في هذه النقطة، وجود دوائر فعل وقرار ولوبيات ضغط، غير ظاهرة، أوغير مرئية، في أغلب مرافق الدولة ومؤسساتها، بمافيها وزارة الصحة، تمسك كل شيء وتوجهه، وفق بوصلة مصالحها وأهدافها الخاصة.
رابعا: الوزير كما هو حال زملاء له في الحكومة، تقني جيد، ابن المهنة ويعرف القطاع جيدا، وله تجربة وطنية ودولية مشهودة، وله سمعة جيدة، فيما يتعلق بالاستقامة ونظافة الكف والجدية والالتزام والانضباط والتفاني في العمل.. ولكن كل ذلك لا يكفي لجعله وحده قادرا على مواجهة الوباء منفردا.
لن تعوض كل تلك الخصال على أهميتها، جهازا إداريا فاعلا وقويا، ونظاما صحيا محكم البناء، ولن توفر مستلزمات طبية تعجز عتاة القوى العظمى هذه الأيام، عن الحصول على ما يكفي منها!!
ولن تحل هذه الخصال والصفات، وهذه هي الأهم، محل عقلية اجتماعية منفلتة، لا يقبل معها المواطن الانضباط لأي ترتيب، أحرى أن يساهم في إنجاحه.
خامسا: ما ذا يملك وزير أو رئيس، ورث ضبابية تامة في آليات التعامل مع الرأي العام، وغيابا لأي ضوابط بهذا الخصوص؟!
لا منابر لمخاطبة الناس بالسرعة والمهنية المطلوبة والمطمئنة، وليس هناك رسميون مكلفون بوضوح بتقديم المعلومة وإبلاغ الرسالة، ويملكون الآليات المناسبة لذلك..
لذا عمت الفوضى المشهد، منذ بداية انتشار فيروس كورونا،
فتارة يظهر الوزير شخصيا بالزي المحلي من ركن من غرفة نومه، عبر وسائط التواصل الاجتماعي في ساعة متأخرة من الليل، وتارة يطالعنا بيان كتب على عجل على ورق طائر، باسم الوزير أو الوزارة، وتارات يغيب كل ذلك وتنطلق نار الشائعات والتخمينات.. وتضيع المعلومة الدقيقة، ويعم الهلع والخوف كل البيوت!!
سامحوني جميعا، أعزائي، فقد شغلت وقتكم عن الأهم، ونحن في ظرف خاص، كما هو حال البشرية كلها.
وليسامحني الوزير خاصة وطاقمه، والجهاز الطبي بكل عناصره، فهم يخضون، معركة شرسة وغير متكافئة، وعلى جبهات مختلفة، من أجلنا جميعا..
سامحوني، لكن فقط لم يسعني السكوت!!
لا بد من جهد لترتيب البيت قليلا والتأهب للمواجهة بشمل أفضل..