جاءت رسالة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الموجهة ليلة البارحة إلى رؤساء الأحزاب السياسية قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، خطوة متفردة، ونغمة جديدة في سلّم التعاطي السياسي مع لعبة الديمقراطية والإنتخابات في بلادنا.
أخيرا، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من عمر التجربة الديمقراطية في موريتانيا، تأتي رسالة من رئيس الجمهورية، سويعات قبل انطلاق الحملة الانتخابية موجهة للنخبة السياسية في البلاد، لا لتكون مفردة من مفردات الحملة أو ومضة في سيالة أضوائها المشعة أو نبرة بين أصواتها العابرة، بل جاءت رسالة فخامة رئيس الجمهورية لتتعالى على اللحظة الآنية التي ميزت انطلاق العرس الإنتخابي بتعدديته وقزحيته وضجيجه وتناقضاته المختلفة، من أجل أخذ مسافة متساوية من الجميع صيانة الصالح العام لهذا الوطن وأهله وللتذكير بنهج ظلت منطلقات الإلتزام والتضحية كما الصبر والأناة إلى جانب الحكمة والتبصر، تشكل أسسه وقوامه بشكل لا يقبل المساومة في سوق المضاربة ولا الذوبان في مستنقع التمييع..
إنها رسالة تذكير وتثمين لما قام به فخامة رئيس الجمهورية حتى الآن من ممارسات فضلى وما اتخذه من قرارات و إجراءات مثلى خدمة لترسيخ الممارسة الديمقراطية، وتأصيل قواعد اللعبة السياسية في البلاد، والحرص على الدعوة دائما لتغليب الصالح العام خاصة في مواجهة الإستحقاقات.. فالوطن للجميع ويبقى فوق كل اعتبار..
والرسالة الرئاسية فضلا عن ذلك كله، وثيقة جامعة تستنهض الهمم و تمجد القيم. إنها طبعة حديثة من "قانون حامورابي" لإعادة تأسيس السياسة في المدينة، أو هي نسخة من "ملحمة الإلياذة والأوديسا" اليونانية، لكن لم يكتبها هوميروس، أو لنقل هي نسخة جديدة من "حلف الفضول" ، او هي "عقد اجتماعي" وسياسي لم يكتبه جان جاك روسو، تتضح فحواها من فقراتها وسطورها وما بين سطورها، مبرزة أهمية وجدية ما تحمله من إشارات قوية تفشي السلام الأهلي، وتبث روح الوئام الوطني، وترشّد دينامية الإختلاف، وتعيد توجيه ناقوس التنافس ، وتسمو به نحو آفاق أرحب وأقوم ، بعيدا عن سجالات سقيمة وعقيمة تم حسمها و تجاوزها، وجاء من بعدها طوفان الأريحية الرئاسية بما حمله من دعم معنوي ومادي للأحزاب كمؤسسات وللديمقراطية كممارسة مدنية ، ليدشن بذلك صفحة جديدة في قاموس ديمقراطيتنا، ويعيد التوازن المفقود لناموس ممارستنا السياسية في وقت هي أحوج ما تكون إليه..