كان يوم 9 أبريل 2003 يوما مفصليا في تاريخ بغداد والعراق بل الأمة كلها لكن بغداد سقطت قبل ذلك مرات عديدة. بغداد متعودة على الغزاة المعتدين عبر التاريخ لكنها تنتفض بعد كل عدوان لتبني حضارة تمتلك مقوماتها البشرية والتاريخية والتراثية والبيئية ..
تكشفت الحقائق التي كان يعرفها الغزاة المعتدون قبل غزوهم وما إظهارهم "لندمهم" بعد وقوع الكارثة إلا صورة من صور دموع التماسيح.
في هذه الفقرات نحاول الوقوف عند بعض المحطات التي مهدت لسقوط بغداد ثم نتحدث عن الذين أسقطوها بدءا بالذين تولوا كبر إحدى أكبر وأخطر الجرائم المنظمة للإبادة البشرية في العصر الحديث
ثم نستعرض اعترافاتهم المتأخرة وندمهم الكاذب، مع تذكير سريع بحيثات سقوط بغداد على يد هولاكو في القرن السابع الهجري /الثالث عشر ميلادي.
هولاكو يقتحم بغداد
سُقُوطُ بَغْدَادَ أو حِصارُ بَغْدَادَ أو الغَزْوُ المَغُولِيُّ لِبَغْدَادَ أو الاجتِيَاحُ المَغُولِيُّ لِبَغْدَادَ هو الاصطلاح الذي يُشير إلى دخول المغول بقيادة هولاكو خان حاكم إلخانيَّة فارس مدينة بغداد حاضرة الدولة العبَّاسيَّة وعاصمة الخلافة الإسلاميَّة يوم 9 صفر 656 هـ المُوافق 10 فبراير 1258م، بتكليفٍ من الخاقان الأكبر منكو خان الذي طلب من أخيه هولاكو استكمال "فُتُوحات" المغول في جنوب غرب آسيا التي كان قد بدأها جدهما جنكيز خان، وهو ما قام به هولاكو حيث تمكن جيشه من اقتحام بغداد بعد أن حاصرها لمدة 12 يومًا، فدمَّرها وأباد مُعظم سُكَّانها.
ابن كثير يصف المشهد
التخَلِّي عن واجب النصرة يوجب التفرُّق وتسلُّط الأعداء
استهلتْ هذه السنة -سنة ست وخمسين وستمائة- وجنود التتار قد نازلتْ بغداد، صُحبةَ الأميرَيْن اللذين على مُقدِّمة عساكر سلطان التتار هولاكو خان، وجاءتْ إليهم أمْداد صاحب الموْصل، يساعدونهم على البغاددة ومِيرَته وهداياه وتُحَفه، وكلُّ ذلك خوفًا على نفسِه من التتار، ومُصانَعة لهم قبَّحَهُم الله تعالى.
كم قتل هولاكو من أهل بغداد؟
هذا ما يذكره ابن كثير في البداية والنهاية:
وقد اختلف الناسُ في كمية مَن قُتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة، فقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل: بلغت القتْلى ألفي ألف نفس، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يومًا، وكان قتلُ الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر، وعفَى قبْرُه.
قتل أفضل عباد الله ورعًا وزهدًا وعبادة وتقوى
وقُتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، وكان عدو الوزير، وقُتل أولاده الثلاثة: عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الكريم، وأكابر الدولة واحدًا بعد واحد، منهم الدُّوَيْدار الصغير مجاهد الدين أيبك، وشهاب الدين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد.
بغداد تنتفض وتبني
لكن بغداد عادتْ تنفض عنها غبار الموت، وازدهرت من جديد بعلمائها وفقهائها ومفكّريها، بل وأصبحت منارة علم تستهوي إليها أفئدة العلماء، ومنارة أدب تستقطب الشعراء والأدباء، كما كانت.
أهل مصر واهل الشام ينتقمون لبغداد
وقيض الله لأهل الإسلام من بلاد الشام ومصر من يأخذ بالثأر وينصر دين الله، ويهزم التتار شر هزيمة في التاريخ -معركة عين جالوت (1) .
هذه فقرات مما كتبه الإمام ابن كثير عن سقوط بغداد : كيفية دخولها وعدد من قتل فيها ثم هزيمة الغزاة في المعركة الفاصلة : عين جالوت.
التاريخ يعيد نفسه
بوش او هولاكو الثاني يسقط بغداد
كما ذكرنا آنفا سقطت بغداد يوم التاسع من أبريل 2003 ودخلت الدبابات الأمريكية عاصمة الرشيد - مدينة السلام.
لكن بغداد سقطت قبل ذلك اكثرمن مرة..
سقطت بغداد بعد كارثة غزو الكويت يوم 2 أغسطس 1990 والتواريخ التي تلته.
وسقطت بغداد يوم 15 يناير 1991 الذي حددته الأمم المتحدة موعدا لانسحاب العراق من الكويت.
وسقطت بغداد بسبب العقوبات الشديدة والمغلظة والحصار الخانق المحكم الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق بعد غزو الكويت.
وسقطت بغداد عندما اخذ رمسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق قرارا بغزو العراق بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
فقد ذكرت شبكة تلفزيون "سي بي أس" (CBS) الإخبارية الأميركية يوم 4 سبتمبر 2002؛ أنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتخذه وزير الدفاع الأميركي آنذاك دونالد رمسفيلد بعد ساعة من وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 .
وسقطت بغداد عندما كذب كولن بأول امام مجلس الأمن يوم 5 فبراير 2002 زاعما وجود أدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.
هذه التواريخ كانت محطات تمهيدية لسقوط بغداد يوم التاسع من أبريل 2003 فكان ما كان من تدمير وإبادة للبشر والحجر وهتك الأعراض وتفكيك للدولة وحتى النخيل لم يسلم ولم تسلم الآثار.
من أسقط بغداد؟
كثر هم الذين أسقطوا بغداد فمهنم الظلمة المتوحشون يتقدمهم بعض فراعنة العصر: بوش وديك تشيني ورامسفيلد وكولن باول وكونليزا رايس وتابعهم رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير.
وتبعتهم مجموعات من ميتي الضمائر والأشقياء والمنافقين والخونة وباعة الأوطان.
ويمكن تقسيم الذين اسقطوا بغداد إلى عدة فئات:
فئة الفراعنة الذين تولوا كبر الجريمة الكبرى
موقف الولايات المتحدة
ألقى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول كلمة مطولة يوم 5
فبراير 2002 أمام مجلس الأمن الدولي، حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، متحدثا عن أدلة بحوزة الولايات المتحدة، وذلك لتبرير الغزو.
وزعم باول أنه يملك تسجيلات لمحادثات هاتفية بين مسؤولين عراقيين قال إنها تدل على قيام العراق بتضليل وخداع مفتشي الأمم المتحدة، كما عرض صورا التقطتها الأقمار الصناعية قال إنها تدل على أن العراقيين كانوا يمتلكون معلومات عن بعض زيارات المفتشين وأنهم قاموا بإجراء تغييرات أو تحركات استباقا لزيارة المفتشين لتلك المواقع.
وزعم باول أن الأدلة التي قدمها لا يمكن دحضها.. وانها تشير إلى أن العراق واصل خروقاته المادية لقرار مجلس الأمن 1441 (2002)، وزعم بأن العراق له علاقة مع "القاعدة" وأنه يستضيف بعض منتسبيها.
مساهمة بلير في الكذب والتضليل
عرض توني بلير يوم 24 سبتمبر 2002 حجته لتسويغ الحرب في الملف الحكومي الذي جاء في أكثر من 50 صفحة، وتضمن الملف مزاعم بأن صدام كان يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية قابلة للنشر في غضون 45 دقيقة. ولم تتمكن الوثيقة من إقناع 53 من نواب حزبه ممن صوتوا ضد الحكومة على رغم ادعاء رئيس الوزراء أمام مجلس العموم: "هدفنا هو نزع السلاح. لا أحد يريد نزاعاً عسكريا".
فئة أذيال الفراعنة من الكومبارس ومنهم الأستراليون والاوكرانيون واليابانيون وغيرهم .
موقف استراليا
لم تكتف أستراليا بالمشاركة في العدوان بل أصر رئيس وزرائها جون هاورد على "قانونية" الحرب إذ رفض في تصريح له بتاريخ 16 سبتمبر 2004م تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفى عنان التي قال فيها إن الحرب فى العراق غير شرعية.
وادعى رئيس وزراء استراليا ان قرارات مجلس الأمن الدولى "تبرر" هذه الحرب
وقال هاورد: ان هذه الحرب "صائبة تماما من وجهة النظر القانونية" .
فئة الجوار
وهم بعض أهل الجوار الذين قبلوا المشاركة في العدوان كرها أو طوعا او غلب على أمرهم بغض النظر عن تفاصيل كل حالة.
موقف حسني مبارك
يقول المراسل الأمريكي الاستقصائي بوب ودورد في كتابه "خطة الهجوم" : إن مصر كانت من أكثر الدول حماسا لغزو العراق وأن مبارك أرسل نجله إلى بوش لإقناعه بأن العراق ما زال يمتلك أسلحة بيلوجية.
وتم الترويج لكتاب "خطة الهجوم" على أنه «سرد من وراء الكواليس لكيف ولماذا قرر الرئيس جورج دبليو بوش شن الحرب على العراق».
وقال البرادعي في مقابلة مع قناة العربي إن مبارك قال له إن العراق عنده أسلحة بيلوجية في المدافن.
هذه فئة الجوار وإخوة الدين والدم الذين كان يفترض فيهم أن ينصروا أهل العراق كان بعضهم عونا للغزاة وبقي بعضهم متفرجا..
فئة الجامعة العربية
لم يكن للجامعة العربية من مهمة سوي تحذير الرئيس صدام حسين على لسان أمينها العام عمر موسى الذي بدل ان يستقيل احتجاجا على العدوان على دولة عضو في الجامعة العربية كان يسوق مهمة الأمم المتحدة كما ولو كان عضوا في فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة.
وهذه خلاصة ما قامت به الجامعة العربية لمواجهة الغزو الأمريكي كما قدمها أمينها العام السابق عمر موسى في مقابلة حديثة مع قناة روسيا اليوم بمناسبة الذكرى العشرين للاحتلال الأمريكي للعراق:
- لا يمكن للجامعة العربية أن توقف اي إجراء تريدها دولة عظمى
- الجامعة العربية اعترضت على ما حدث وصرح أمينها العام بأن "هذا" سيفتح أبواب جهنم وترد التصريح في أركان الكرة الأرضية الأربع.
- يقول عمر موسى : سألت الرئيس صدام حسين لماذا لا تقبل المراقبين؟
- سهلت لوزير خارجية العراق مقابلة كوفي عنان.
- أصغت خطابا وافق عليه كوفي عنان وأرسل للعراق.
- أرجعنا المراقبين مرة أخرى للعراق.
- كررت التصريحات بالانزعاج مما قد يحصل
- سألت الرئيس صدام حسين : هل لديك أسلحة نووية أو نشاط نووي وكررت عليه نفس السؤال فقال: لا، قلت له : لماذا ترفض المراقبين؟
- قلت له (الرئيس صدام) : هذه دولة عظمى لن تستطيع الوقوف أمامها ولا مقاومتها.
- بحثنا في المخارج: استئناف التفاوض مع المراقبين.
هذا ما قامت به الجامعة العربية لمواجهة احتلال بلد عضو فيها، فما هو الفرق بين مهمتها ومهمة المفتشين الذين يسميهم عمر موسى بلغة دبلوماسية : المراقبين.
كان كوفي عنان أكثر شجاعة من عمر موسى في قول الحقيقة بل إنه تحدث عن فرضية الاستقالة وذلك ما لم يتطرق له عمر موسى.
فئة الأمم المتحدة ومفتشيها
الفئة الأخرى هي الأمم المتحدة التي وإن كانت لم تصدر قرارا يسوغ الحرب لكنها لم تبذل أي جهد يذكر لمنع الغزو.
جاء في صحيفة الاندبندت البريطانية :
من نوفمبر 2002 إلى فبراير 2003: على مدى الأشهر القليلة التالية، واجه مفتشو الأسلحة تردداً من العراق – لكنهم فشلوا في العثور على أي أثر.
و في 28 يناير 2003، جاء في تقريرنا من نيويورك ما يلي: "قدم هانز بليكس، كبير مفتشي الأسلحة، تقريراً قاسياً لكن غير حاسم في شأن نزع سلاح العراق أمام مجلس الأمن الدولي. يزخر التقرير بالتحذيرات التي تشير إلى انتهاكات خطيرة لكنه خالٍ من الأدلة الملموسة لإثبات الذنب، فترك العالم القلق غير متأكد من الطريق التي يجب أن يتبعها – نحو الحرب أو السلام.
فئة لبرادعي
هناك فئة خاصة تستحق التوقف عندها ألا وهي "فئة البرادعي" الذي رضي لنفسه ان يكون أداة من أدوات العدوان وفق ما بين العراقيون.
ذكر وزير الخارجية العراقي الأسبق، ناجي صبري الحديثي، في حوار مع "الجزيرة"، أن المدير العام للوكالة الذرية سابقًا محمد البرادعي، نفذ أجندة أمريكية قادت إلى غزو العراق وكان ينفذ منهجا أمريكيا "بحذافيره"، وكان يؤخر صدور قرار من الوكالة لتبرئة ساحة العراق من أي نشاط في مجال الطاقة النووية، رغم أنه كان يعرف تمامًا أنه ليس في العراق شيء من هذه الأسلحة، فقد كانت هذه أجندة أمريكية، والبرادعي خدم المشروع الأمريكي خدمة كاملة".
ويكشف فاضل الجنابي، رئيس منظمة الطاقة الذرية في العراق قبل الاحتلال عن مماطلة محمد البرادعي رئيس منظمة الطاقة الدولية وهانز بليكس رئيس فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وخضوعهما لتعليمات وكالة الاستخبارات الأميركية ويحملهما جزءا من المسؤولية الاخلاقية عن غزو وتدمير العراق.
ويقول الجنابي : كان البرادعي يضع دائما خيوطا سائبة تعطي للآخر فرصة التصرف بشكل آخر خاصة الأمريكان.
وخلص الجنابي إلى أن البرادعي وبليكس كانا يعملان في النهاية بالنتيجة من أجل إشعال الحرب.
وقال سالم الجميلي - مدير شعبة أميركا في المخابرات العراقية سابقا... في سلسلة "قصارى القول التوثيقية" عبر شبكة "روسيا اليوم": إن العراق كان يتفاوض مع البرادعي عن طريق خالد جمال عبد الناصر ووسيط آخر لتسليم مليوني يرو ليكتب التقرير الحقيقي بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل ليجنب العراق الحرب لكن الصفقة لم تتم لأن الوسيط الآخر طلب تسليم المبلغ في حديقة السفارة المصرية في سويسرا بدون ورقة وبدون توقيع.
وهكذا فوت البرادعي العربي المسلم على نفسه فرصة تسجيل موقف مشرف من خلال قول الحقيقة والسعي الجاد لمنع الحرب وإذا تعذر ذلك كان بإمكانه أن يستقيل وهو الذي يعرف أكثر من غيره ان أمريكا كامن معتدية ومعها بريطانيا خدمة لأمن إسرائيل، وبدل ذلك أصبح جزءا من عصابة المعتدين حرصا منه على تمديد مأموريته في إدارة منظمة الطاقة الذرية فأي سفه هذا : المشاركة في تدمير العراق وذبح أبنائه سعيا وراء مصلحة دنيوية زائلة.
والفئة الأخرى هي فئة أعوان الغزاة الخونة الذين جاءوا خلسة تحت أفواه بنادق وصواريخ المعتدين.
مواقف
فشل بعض الجوار في الاختبار بغض النظر عن تفاصيل كل حالة لكن بعض الجيران سجلوا موقفا أفضل من غيرهم.
الموقف السعودي
بعد غزو أمريكا للعراق عام 2003م أعلن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية السابق أن السعودية لن تقصف العراق ولن تسمح باستخدام قواعدها للهجوم على العراق.
وكشف سالم الجميلي، مدير شعبة امريكا في المخابرات العراقية في عهد صدام حسين، لقناة روسيا اليوم RT بأن الأمريكان قالوا له بإن السعودية رفضت التدخل الأميركي في العراق ولم تسمح لانطلاق أي هجوم من أراضيها وأنهم هددوها بأنها ستدفع الثمن.
الموقف التركي
رفضت تركيا إعطاء طريق بري بالمجان للحشود العسكرية قبل التفاهم على مسألة الأكراد وهذا أدى الى إرباك الخطة الأميركية من أساسها.
وبغض النظر عن الهدف من الموقف التركي فإنه لم يكن في صالح الغزاة.
اعترافات متأخرة ودون فائدة
اعترافات كولن باول
كولن بأول الذي مثل تلك المسرحية الكاذبة أمام مجلس الأمن وادعى فيها أن عند الولايات المتحدة أدلة على وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، عبر بعد عامين عن ندمه على ذلك الخطاب وعلى مساهمته في الغزو، مؤكدا أن الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الأمن، سيظل "نقطة سوداء" في ملفه. وقال: "إنه فعلا نقطة سوداء لأنني كنت أنا الذي قدمته باسم الولايات المتحدة إلى العالم، وسيظل ذلك جزءا من حصيلتي".
وأقر بأن الأمر "مؤلم"، وأضاف: "لقد كان هناك أناس في الاستخبارات حينها يعرفون أن بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنهم لم يقولوا شيئاً، لقد دمرني ذلك".
بلير يعترف مع استكبار
عبر توني بلير عن" ندمه" و" اعتذاره" بعد أن كان أشد المتحمسين للعدوان وزعم وقتها أن العراق يمكنه أن يجهز أسلحة بيلوجية خلا 45 دقيقة
وعبر في تصريح له يوم 6 يوليو 2016 عن "أسفه وحزنه" وقدم "اعتذاراته"، بعد نشر تقرير ينتقد بقسوة قراره إدخال بريطانيا في الحرب على العراق عام 2003. وقال بلير، خلال مؤتمر صحافي في لندن: "كان ذلك القرار الذي اتخذته هو الأكثر صعوبة، مدعيا أنه قام بذلك بحسن نية.
الإصرار على الكذب
وقال بلير للصحفيين في مناسبة أخرى : "اتضح أن تقييمات المخابرات وقت الذهاب للحرب كانت خاطئة. اتضح بعد ذلك أن العواقب أكثر عدائية وامتدادا ودموية مما نتخيل". بيد أنه اعتبر أن الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003 كان قرارا صائبا، مؤكداً أن العالم بات "أكثر أمانا".
الأمين العام للأمم المتحدة
ذكر كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة فى مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى أن القرار الاميركى باجتياح العراق فى 2003م كان غير شرعي، وان غزو العراق غير متطابق مع ميثاق الأمم المتحدة من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر الميثاق.
عن بلير
واكد كوفي عنان أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كان الشخص الوحيد الذي بإمكانه تغيير رأي الرئيس الامريكي جورج بوش بشأن غزو العراق عام 2003.
وقال كوفي عنان في مقابلة مع صحيفة "التايمز" بمناسبة صدور كتابه "تدخلات: حياة في الحرب والسلم": ان بلير كان بإمكانه تغيير موقف بوش "خصوصا بسبب العلاقة الخاصة بينهما إضافة إلى أن بريطانيا كانت القوة العظمى الوحيدة التي انضمت إليه ".
وأضاف عنان انه كثيرا ما تساءل ما الذي كان سيحصل لو أن " بلير قال لجورج: هنا يفترق دربنا. تدبر أمرك بنفسك". وأشار إلى اعتقاده بأن "ذلك كان يمكن أن يوقف الحرب، ويعطي للأمريكيين فترة توقف.. كان من الممكن أن يعطيهم فرصة توقف للتفكير خلالها.. وكل ذلك سيثير أمامهم التساؤل: هل سنذهب في هذا الأمر منفردين؟" .
وقال عنان إنه لا استقالته هو من منصب الأمين العام للأمم المتحدة أو استقالة كولن باول من وزارة الخارجية الأمريكية كانتا من الممكن أن تثنيا بوش عن الحرب، ولكن بلير يمكنه فعل ذلك.
وبناء على تصريحات كوفي عنان فإن توني بلير كان أكبر جرما من بوش لأنه هو الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه أن يؤثر عليه ولكنه شجعه على الحرب والعدوان وهو يعرف أن الأمر بني على كذب وتضليل خاصة أن كثيرا من نواب حزبه عارضوه كما استقال وزير خارجيه روبن كوك احتجاجا على الحرب.
شيلكوت ينتقد بلير
وجه رئيس لجنة التحقيق البريطانية حول حرب العراق جون شيلكوت انتقادات قاسية لتوني بلير معتبرا أن اجتياح العراق عام 2003 حدث قبل استنفاد كل الحلول السلمية، وأن خطط لندن لفترة ما بعد الحرب لم تكن ملائمة.
ولعل أوضح حكم في حق بلير هو حكم صحيفة "الاندبندنت" التي وصفت نتائج حماسه للحرب ب: "الرقص فوق قبورهم".
وتقول صحيفة الاندبندت في تقييمها للحرب:
في شأن الـ2.6 مليون كلمة الواردة في تقرير تشيلكوت، كانت مقالتنا الرئيسية موجزة: "باختصار، كان قتل الأبرياء العراقيين الذي تواطأت فيه بريطانيا أكبر خطأ في التاريخ العالمي الحديث، ولا يمكن أن يُغفَر أبداً".
الخاتمة
أصر الغزاة على العدوان فدمروا العراق وفككوا دولته وزرعوا الفتنة في مجتمعه. ولكن السؤال المطروح هو ما فائدة اعتراف قادة العدوان بالخطأ وتعبيرهم عن الندم بعد تدمير بلد بأكمله، هل استقال مسؤول كبير أو صغير احتجاجا على العدوان؟
وهل قدم احد المجرمين للعدالة؟
وهل طالب الذين شعروا ب"صحوة ضمير " بتعويض العراقيين عن تدمير بلدهم وعما عانوه من مآسي وآلام لما تتوقف بعد؟
وبعد ذلك، حتى لو فرضنا جدلا ان العراق يمتلك أسلحة تدمير شامل فمن خول أمريكا وبريطانيا والكومبارس حق تدميره بحثا عن الأسلحة؟
وإذا كان يحق للدول شن حرب على أي بلد يمتلك أسلحة دمار شامل فلماذا لا يعلنون حربا على أنفسهم لتدمير ما عندهم من ترسانات نووية وغير نووية ومن أسلحة فتاكة؟
لماذا لم يعلنوا الحرب على إسرائيل وهي تمتلك مئات الرؤوس النووية؟
سقطت بغداد في القرن الحادي والعشرين كما سقطت في القرن الثالث عشر وهناك تشابه عجيب بين الحالتين من حيث وحشية الغزاة وعدد الشهداء وتعاون الخونة مع الغزاة وقتل الخليفة وقتل الرئيس.
ولعل الفرق الجوهري بين العدوانين هو أن أهل مصر واهل الشام انتقموا لأهل العراق في المعركة المجيدة : عين جالوت، تلك المعركة التي لم تظهر بعد، بعد سقوط بغداد 2009.
الهادي بن محمد المختار النحوي
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء
رب اغفر لي ولوالدي ولوالديهم ولجميع المسلمين
والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
_______
(1) يراجع مقال مرشد الحيالي : سقوط بغداد بأيدي التتار من كتاب البداية والنهاية
.jpeg)
.jpeg)