بعد عرض فيلم "المستتر" على نتفليكس... ما هو واقع السينما الموريتانية؟

عرضت منصة "نتفلكس" العالمية، الفيلم الموريتاني القصير "المستتر"، لمخرجه الشاب محمد ولد أشكونة، الذي يُعدّ أول مخرج موريتاني تتعاون معه منصة نتفلكس. كان أول عرض للفيلم القصير في البيت الأبيض، على هامش القمة الأمريكية الإفريقية التي استضافتها واشنطن، في الـ13 من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أمام عدد من القادة والمسؤولين من القارة السمراء، ضمن ملتقى أشرفت عليه نائبة الرئيس الأمريكية كامالا هاريس.

يُذكر أنه خلال عام 2021، نظّمت نتفلكس، واليونسكو، مسابقةً عن "إعادة تصوّر الحكايات الشعبية الإفريقية"، بهدف اكتشاف أصوات إفريقية جديدة، وإبراز أعمال مخرجي الأفلام الناشئين في إفريقيا جنوب الصحراء، وتقدّم للمسابقة الذي بلغ عدد المتقدمين إليها ألفي شخص، المخرج محمد ولد أشكونه، إذ شارك بقصة قصيرة عن الأساطير الشعبية "الجن" في موريتانيا، وتأهّل إلى القائمة التي تضم 21 شخصاً، قبل أن يتأهل إلى القائمة القصيرة التي تضم 6 مخرجين شباب من القارة السمراء، وحصل كل فائز على 25 ألف دولار، بالإضافة إلى ميزانية إنتاج تبلغ قيمتها 75 ألف دولار أمريكي. وبعد عرض الفيلم على المنصة، انطلق الجدل حوله وحول مضمونه وصناعته، ليتطور الأمر إلى فتح باب النقاش حول السينما الموريتانية وواقعها اليوم.

 

هل هناك سينما موريتانية؟

 

مع كل إصدار سينمائي موريتاني، سواء كان روائياً طويلاً أو قصيراً، تُستعاد حكايات السينما المحلية والتساؤل حول وجودها من عدمه، إذ يرى البعض أن السينما الموريتانية مجرد حالة عابرة لا أُسسَ لها، وهي مجرد تجارب شخصية لمخرجين مغتربين بغالبيتهم. وفي حديث إلى رصيف22، قال الأستاذ الجامعي المتخصص في الأنثروبولوجيا الثقافية الدكتور الحاج ولد إبراهيم: "بمعنى الصناعة والتراكم التاريخي، لا يمكن الحديث عن سينما موريتانية"، مشيراً إلى أنه "توجد تجارب سينمائية مغتربة تُعدّ على رؤوس الأصابع، من قبيل المخرج الراحل محمد هندو، والمخرج عبد الرحمن سيساقو (سيساكو). فهذان الاسمان يشكّلان علامتين فارقتين في تاريخ السينما الإفريقية، وسينما الجنوب بشكل أوسع، لكن تأثيرهما على الثقافة المحلية سينمائياً، يبقى محدوداً، نتيجة عوامل عدة أبرزها العامل اللغوي بحكم أن أفلامهما ناطقة بالفرنسية في الغالب، بالإضافة إلى كون هذه التجارب، قد وُلدت ونمت في الاغتراب ولم يُتَح لها الاستقرار في البلد".

وعبد الرحمن سيساقو، الذي يتحدث عنه الحاج إبراهيم، مخرج موريتاني من مواليد مدينة كيفة الموريتانية، سنة 1961، وقد درس السينما في الاتحاد السوفياتي، ليبزغ نجمه منذ تخرجه، ويصبح من أهم الشخصيات التي حفرت اسم موريتانيا على الخريطة العالميّة، وكانت أولى خطواته في عالم السينما، هي فيلم تخرّجه "اللعبة" (1989)، في مهرجان كان السينمائي، ومن أشهر أفلامه "في انتظار السعادة" (2002)، الذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان فيسباكو البوركينابي، وحصد جائزة مهرجان وغادودغو، أحد أهمّ المهرجانات السينمائيّة في القارة الإفريقية. والفيلم عبارة عن سردٍ لسيرة مُخرجه الذاتيّة. أمّا تتويجه الأكبر، فكان عبر فيلم "تمبكتو"، الذي حصد سنة 2015، جائزة سيزار لأفضل فيلم، وحصل مخرجُه على جائزة سيزار لأفضل مخرج، ثم وصل إلى القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم أجنبيّ. ويتحدّث عن فترة سيطرة الجماعات المتطرّفة على مدينة تمبكتو العريقة، وحياة سكّانها في ظلّ حكمهم.

أما المخرج محمد هندو (المعروف باسم ميد هندو)، فهو مخرج موريتاني هاجر في شبابه من بلاده نحو فرنسا، بشكل غير نظاميّ، ودرس السينما هناك، وختم مشواره بالعمل مدبلجاً باللغة الفرنسيّة لأدوار الممثّل الأمريكي إدي ميرفي.

ومن أبرز أفلامه "جولة في المنابع" (1967)، الذي يعالج إشكاليّة العودة إلى الوطن بعد سنوات الجفاء والهجرة، بالإضافة إلى فيلم "أيّتها الشمس" (1969)، الذي يتناول قضية العبودية وارتباطها بالاستعمار.

 

معوقات بنيوية أمام صناعة السينما

 

بالرغم من التتويج الذي حققته أحياناً سينما المهجر الموريتانية، ما تزال سينما الداخل تبحث عن وجودها، وتعترضها عراقيل ومعوقات كثيرة، منها ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي، وحسب الدكتور الحاج إبراهيم: "المعوقات التي تواجه السينما الموريتانية، هي نفسها المعوقات التي تواجه وجود صناعة ثقافية محترفة في البلد، لكن تجاوزاً لهذا العامل الموضوعي يمكن أيضاً الحديث عن عامل يمكن تسميته بالمقاومة الثقافية عند البيظان بالتحديد، تجاه السينما وثقافة الصورة، إذ ظلتا بشكل عام أمراً غريباً على البدو البيظان، برغم أنها شهدت فترة ازدهار كبير في العقد الأول بعد الاستقلال، لكن ذلك لم يعمّر طويلاً بسبب 'ترييف' المدينة، والمد الأصولي لما يُسمّى الصحوة الإسلامية".

تجدر الإشارة إلى أن أول دُور للعرض في موريتانيا، ظهرت على يد الفرنسيّ "غوميز" في الستينيات من القرن الماضي. وحين حصلت موريتانيا على استقلالها عن فرنسا، كان للجيل الذي خلف المستعمر في الحكم اهتمام بدعم السينما، وبدأ ظهور دُور عرضٍ موريتانيّةٍ يمتلكها موريتانيون في السبعينيات.

 

حينها، بدأ المواطن الموريتاني يصنع علاقته مع الصورة السينمائيّة. فقد كانت تلك الدور تستورد الأفلام العربيّة والأجنبيّة، وتقدّمها إلى المتفرِّج الموريتانيّ. فكانت النتيجة أن وصلتْ دُور العرض الموريتانية في السبعينيّات إلى أربعة عشر داراً.

لكن تلك القصة بدأت إرهاصات نهايتها مع المتغيرات التي حدثت في موريتانيا، مثل الجفاف الذي ضرب البلاد في سبعينيّات القرن المنصرم، وتسبّبه في هجرة ريفية نحو العاصمة بحثاً عن ملاذ أفضل، يضاف إلى ذلك دخول الدولة في حرب الصحراء، فضلاً عن سلسلة من الانقلابات العسكريّة التي بدأت سنة 1978، حين أطيح بنظام المختار ولد داداه، ووضع الجيش يده على الحكم والدولة، ولم تكن السينما ولا الثقافة من أولويات الحكام الجدد، وبسبب غياب الدعم الرسمي للسينما، وقيام ملّاك الدور باستيراد بعض الأفلام الرخيصة من بعض الدول المجاورة حتى يعوّضوا التكاليف الماليّة. عندها حدث هجران المواطنين للسينما، ووصمها بالابتذال.

مع كل ظهور وحديث خارجي عن السينما الموريتانية، يتجدد الأمل في أن تُبعث الروح فيها، وتتحقق أكثر، وهذا الحال عاد مع الحديث عن فيلم "المستتر". يقول الحاج إبراهيم: "يشكّل عرض فيلم 'المستتر' على منصة نتفلكس، فرصةً دعائيةً مهمةً للتجارب السينمائية الناشئة، خصوصاً مخرج الفيلم والفريق الموريتاني الذي عمل معه، لتطوير أعمالهم وتشبيكها فنياً وتقنياً، مع التجارب العالمية في إنتاج الأعمال السينمائية وإخراجها، بالإضافة إلى كون الفيلم يعزز تواجد الأسماء والقصص، ومع ذلك السرديّات الموريتانية، ولو بشكل خجول حتى الآن على خريطة سينما العالم، بعد نجاح تجربة فيلم 'الموريتاني' الذي يحكي قصة السجين الموريتاني محمد ولد صلاحي".

رصيف 22

سبت, 08/04/2023 - 00:56