بعد أن ضاقت الأرض بالمظالم والفواحش والدوس على مكارم الأخلاق، أرسل الله جنديا خفيا ليعيد الأمور إلى نصابها جبرا، بعدما رفضت البشرية العودة اختيارا.
إن مما يثلج الصدر أن تنقشع هذه الغمة عن عالم آخر غير الذي كنا نعرف، فالمراجعات الذاتية بدأت، والإحساس بالذنب أخذ طريقه للاستيقاظ، والشعوب غير المسلمة ستصحوا بعد "كورونا" على نمط تفكير جديد ينزع المادة من صدارة الأولويات، ويفسح المجال أمام عودة الأخلاق التي عانت موتا سريريا طيلة العقود الماضية.
غير أن أكثر ما يقلق في هذه الأزمة، هو عدم استيعاب غالبية المسلمين لدرس الابتلاء الذي نعيشه اليوم، وذلك حينما نرى الإفراط في الأخذ بالأسباب، مقابل التفريط في التوكل والإعتماد على الله.
لقد ذعرت البشرية جمعاء، وفرت فرار الوحوش من الأسود، وهي تركض في كل اتجاه خوفا من عدو لا يرى بالعين المجردة.. ففر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه... لكن المسلمين لم يسلكوا طريق الفرار الذي رسمه الله لهم، وهو الطريق الموصل إليه، والذي دلهم عليه بقوله "ففروا إلى الله"، وهذا الفرار لا يعني ترك الأسباب، لكنه يلغي الاعتماد عليها.
لقد فضل السواد الأعظم من المسلمين، حاكمين ومحكومين، الفرار من الفيروس المخيف عبر الطريق الخطأ، فقرروا إغلاق بيوت التي تؤمن الوصول إليه ولقاءه والحديث معه وشكره والثناء عليه وتوحيده وإفراده بالعباده ودعاءه بالتوفيق والهداية، وتعهده بإجابة الدعاء.
فهل نسي المسلمون، أو تناسوا، أن صلاة الجماعة لا تسقط عن الجماعة؟، ولنا في صلاة الخوف عبرة.
إن سقوط صلاة الجماعة لا يكون إلا عن الأفراد، كل حسب حالته الخاصة.. ومع ذلك أصبح النفر اليوم يتخلفون عنها بحجة الخوف من العدوى، في الحين الذي يتسامرون فيه داخل المنزل ويتبادلون كؤوس الشاي!!!.
لن أتحدث عن بقية مظاهر الابتعاد عن الدين التي باتت سائدة في المجتمعات المسلمة بسبب الخوف الزائد من المجهول، كتعطيل صلة الرحم وزيارة المريض والتواصل مع الجار ومساعدة اليتيم والمسكين... فمن عطل صلاة الجماعة فهو لما سواها أكثر تعطيلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.