أحيانا أتخيل بكثير من الأسى كيف سيتاول المؤرخون الموريتانيون بعد نصف قرن تقريبا ظاهرة بيع أحزابنا السياسية في انتخابات 2023 ترشحاتها البرلمانية لمن يدفع أكثر .
لست هنا أستاذا للتربية المدنية لأحدث التلاميذ عن البرلمان ولا محاضرا في القانون الدستوري لأتعمق للطلاب في خصوصيات تجربتنا البرلمانية ولكني كأي مواطن بسيط سأشارككم بعض الأسئلة البسيطة التي دارت في ذهني حين هبت رياح النخاسة البرلمانية !
هل يمكن لشخص دفع الملايين من أجل حماية مصالحه أن يصطدم بالحكومة وسياساتها من أجل المواطن العادي؟
هل يمكن لشخص دفع الملايين من أجل مقعد ابرسيتجي أن يكون صاحب قضية؟
هل يمكن لمن شغلته أمواله و تجارته أن يكون ملما بأبجديات المعانات الوطنية؟
ما الذي يمنع تاجرا مفسدا أو موظفا فاسدا سابقا أن يشتري مقعدا في برلمان " كم خلص " لحماية مصالحه أو لغسل ماضيه الوسخ؟
ما الذي يمنع أباطرة السوق السوداء من شراء مقاعد برلمانية وجوازات سفر ديبلوماسية من أجل تسهيل مهامهم؟
يمكن للجميع ممارسة السياسة والترشح لأي منصب إذا توفرت فيهم الشروط ولكن لا يمكن احتكار التمثيل الشعبي وفقا للرصيد في البنك و لا يمكن لرؤساء الأحزاب أن يتاجروا بترشيحات أحزابهم فالأمر يرقى لخيانة أمة بأكملها .
أتمنى أن تصل هذه الأسطر إلى مكتب معالي وزير الداخلية وإلى مكاتب حكماء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات فيتم تجريم بيع الترشحات ومراقبة حسابات رؤساء الأحزاب البنكية وأن يتم اتخاذ اجراءات لوقف هذه الفضيحة .
لكم أن تتخيلوا أيها السادة كيف سنواجه بنوابنا الذين اشتروا مقاعدهم وفقا لحساباتهم الضيقة - التي لا علاقة لها بالتمثيل الوطني- نظرائهم من برلمانات الدول الأخرى التي تضم مناضلين محترمين وأكادميين مرموقين ومحامين بارزين وأطباء وشباب طامحين ، الأمر سيكون أشبه بمشاركاتنا السابقة في المحافل الرياضية العالمية ، ومن هذه المقارنة الطفولية أستطيع المجازفة مؤكدا أنه لا يمكن لأمة أن تصرف الميزانيات و تبني المباني وتقيم الحملات لكي تفضح نفسها بين الأمم .
دعونا من المقارنة بالخارج ولنعد لواقعنا ، ولنتصور كيف سيناقش برلمانيو " كم خلص " الميزانيات ومشاريع البنى التحتية و كيف سيقدمون استراتيجيات مستنيرة في مجال الصحة والتعليم وكم سيقدمون من مشاريع القوانين التي تطمئن المستثمر الأجنبي وكيف سيدافعون عن توازن منظومتنا البيئية وثرواتنا الوطنية .
كل ذلك مجرد تمنيات ولكني أستطيع أن أتوقع مرتاحا ميلاد لجان برلمانية للصداقة مع دول غنية وبالاضافة إلى بعض المداخلات الموغلة في المحلية مثل طلب أحد النواب بئرا في الصحراء أو علفا لبقرة في الأعماق .
كنت قد قرأت مؤخرا رواية يابانية جميلة اسمها " بيت الجميلات النائمات" تحكي عن رجال مسنين يدفعون مبالغ كبيرة من أجل مشاهدة فتيات صغيرات جميلات وهن نائمات دون أن يستطعوا لمسهن وذلك في بيت سري .
وأنا أكتب هذا المقال تلاعبت قليلا بأحداث الرواية وفكرت أن أكتب عن رواية عن مسنين يدفعون مبالغ باهظة ليراهم شعب بأكمله وهم نائمون دون أن يحصل أي تماس .
بابه أربيه