استثناء الأقارب والأصهار من واجب التبليغ عن المطلوبين للعدالة

سعيا لتعميم الثقافة القانونية سأعمل على نشر حلقات أنشر فيها بعض مقتضيات القانون (1) وتقريبا للأذهان أربط المقتضيات المذكورة بقضية عملية تتضمن تنزيل أحكام القانون على الواقع (2).
وتفاعلا مع المناخ العام أخصص هذه الحلقة لإعفاء القانون لأقارب وأصهار المطلوبين وعدم محاسبتهم على إيوائهم أو عدم التبليغ عنهم. 

1. مقتضيات القانون

نظرا لحرص المشرع على مراعاة الأواصر التي تربط أفراد المجتمع فيما بينهم وحرصا على استمرار تماسك البناء الاجتماعي، فقد أعفى الأشخاص من العقاب بسبب إيواء أقاربهم المتنازعين مع القانون ولم يرتب القانون على عدم تبليغهم عنهم أية عقوبة.

تنص المادة 55 من قانون العقوبات الموريتاني على ما يلي:
{

يعاقب كمشاركين الأشخاص الذين يقدمون بصفة عادية السكن والملجأ أو محل الاجتماعات للأشرار مع العلم بسلوكهم الإجرامي وممارستهم اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو السلام العام أو الأشخاص أو الممتلكات.
وفيما عدا الحالات المنصوص عليها أعلاه فإنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائتي ألف أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أخفى عن عمد شخصا يعلم أنه ارتكب جناية أو أن العدالة تبحث عنه بهذا الصدد أو أنقذ أو حاول أن ينقذ الجاني من الإيقاف أو البحوث أو ساعده على الإختفاء أو الهرب كل ذلك دون إخلال بما قد يستحق من عقوبات أشد عند الاقتضاء.
ويستثنى من أحكام الفقرة السابقة أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة بدخول الغاية}.    
وتنص المادة 56 من نفس القانون على ما يلي:
{يعاقب كل من علم بارتكاب جريمة أو بمحاولتها ولم يخبر فورا السلطات أو القضائية ما دام بالإمكان تفاديها أو الحد من آثارها أو إذا كان من الممكن الظن أو أن الجناة أو أحدهم سيرتكبون جرائم جديدة وكان التبليغ يمنع وقوعها.
ويستثنى من أحكام هذه المادة أقارب الفاعلين أو المشاركين في الجناية أو المحاولة وأصهارهم إلى الدرجة الرابعة بدخول الغاية وذلك فيما عدا الجرائم المرتكبة ضد القصر الذين لم يبلغوا خمس عشرة سنة}.

2. قضية عملية

في الفصل الأول من سنة 2008 فر أحد السلفيين (الخديم ولد السمان) من سجنه بالعاصمة انواكشوط وحصلت السلطات الأمنية على معلومات تفيد أن أسرة قاطنة في انواذيبو أقامت، يوم 27 مارس 2008، مأدبة بمنزلها احتفاء بزواج ابنتها من السلفي الهارب.
كنت شخصيا أقضي عطلة نهاية الأسبوع في نواحي بولنوار وعندما عدت للمدينة لاحظت عند مدخلها إجراءات أمنية مشددة وتبين أن السلطات تجد في البحث عن شيء ما.. في غداة ذلك اليوم (الاثنين الموافق 31 مارس 2008) اتصل بي شخص أعرفه منذ صغري، وأخبرني أنه تم استقدامه من بلدة شوم (على بعد 460 كيلومتر من انواذيبو) وطلب مني أن أدافع عنه وعن أفراد أسرته بينما كانت زوجته وابنته رهن التوقيف ووضع هو وابنه وابنته الأخرى تحت الرقابة المشددة.. أبلغت وكيل الجمهورية بمكتوب، ساعدني في استحضار بعض هذه الوقائع، وسعيت لوضع حد للحراسة النظرية التي جاوزت الآجال القانونية المقررة. وبعد إحالة محضر البحث التمهيدي إلى النيابة العامة حضرت استجواب أفراد الأسرة من طرف وكيل الجمهورية.. وبعد أسئلة القاضي الواقف كنت، كلما جاء دوري لسؤال أحد موكلي، أطرح عليه سؤالا وحيدا يختتم به الاستجواب: هل تعلم (أو تعلمين) أن القانون الموريتاني يعفي أقارب وأصهار المتهم حتى الدرجة الرابعة من التبليغ عنه؟
وأذكر أن جل أفراد الأسرة أجابوا بأنهم لم يكونوا يعلمون بذلك الحق.
إثر الاستجواب اتهم وكيل الجمهورية زوجة المتهم وأباها وأمها وأحالهم إلى التحقيق مع طلبات إيداع رفضها قاضي التحقيق الذي أمر بوضع المتهمين الثلاثة تحت الرقابة القضائية.. وفي يوم 29 مايو 2008 أصدر قاضي التحقيق أمرا بأن لا وجه لمتابعة أفراد العائلة فاستأنفت النيابة العامة الأمر وعندما بتت غرفة الاتهام بمحكمة استئناف انواذيبو، في طعن النيابة العامة، بتاريخ 16 يونيو 2006، قررت رفضه وتأكيد أمر قاضي التحقيق بأن لا وجه للمتابعة.

أحد, 12/03/2023 - 15:28