أكثر ما لفت انتباهي في أول خرجة إعلامية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، هو الحرص أولا على الاختلاف عن سلفه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وظهر ذلك جليا في عدم بث اللقاء مباشرا عبر وسائل الإعلام العمومية ولا الخصوصية وكذا الطريقة التي تم بها إخراج اللقاء، الذي بدأ بحفل عشاء بحضور كبير، أشفع بمؤتمر صحافي، بدأ بتوطئة سريعة من الرئيس، واختصر على مجموعة مختارة ومحدودة من الصحفيين الحاضرين.
النقطة الثانية التي لفتت انتباهي، هي الحضور اللافت للقلم في يد السيد الرئيس، ربما كان ذلك استحضارا من سيادته لرمزية القلم، بالنسبة لمنتسبي مهنة الصحافة، لكنه بدا نوعا من منديل الفنانة الكبيرة أم كلثوم، الذي رافقها في بداياتها الفنية في مواجهة الجمهور والناس، تودعه هواجسها ومخاوفها، ويعينها على الثبات وامتصاص الارتباك والتردد.
فهل كان حضور القلم الليلة مجرد صدفة، أم كان "منديلا" من طراز آخر، خاصة أن الرئيس قلبه باهتمام كبير بين يديه طويلا، طيلة اللقاء، حتى لكأنه في بعض المرات، يستلهم من رؤيته أفكارا تعينه في الإجابة، ورغم ذلك لم يستعمله كثيرا في تدوين ملاحظات، كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات.
الملاحظة الشكلية الثالثة هي أن السيد الرئيس، بدا غير مرتاح في جلسته، حييا في بعض اللحظات، غاضا البصر حتى عن غير المحارم، مترددا في الإفصاح عن بعض النقاط، حتى لا أقول متلعثما بشأنها.
أما من حيث المضمون، فقد خلت إجابات الرئيس من الأرقام تماما، إذا استثنينا رقما أو اثنين ليست لهما أهمية بالغة، فيما يتعلق بخطط وتمويلات البرامج الاقتصادية والاجتماعية في البلد.
كما كانت إجاباته مختصرة جدا، وغير مفصلة، بل كانت عامة في أغلب الحالات، فضفاضة، تخلو من أي معطيات رقمية، ودون أي إحالات مطلقا.
وكانت ردوده في بعض المرات ترديدا لاسطوانة سمعناها من قبل، لا تخرج عن تأكيد أهمية القضايا المطروحة والوعي بذلك، والسعي لتحقيق ما يمكن في هذا المجال بأسرع وقت ممكن.
ولعلي لا أجانب الحقيقة كثيرا، إذا قلت إن حديث الرئيس، حول بعض القضايا، افتقد الحصافة، وانجر لمستوى من التبسيط، لا يليق بمن يتولى منصب الرئاسة، وهذا الأمر ينطبق على تناوله للوضع في الساحل، وبدرجة أقل لحديثه عن نقاش دار بينه مع وزير الخارجية بشأن إعادة تحديد أو توضيح موقف موريتانيا من قضية الصحراء.
وعلى العموم، لم يكن تناول الرئيس لملفات السياسة الخارجية، أكثر تحديدا ولا تفصيلا من الملفات الداخلية، فقد رافقها التردد والارتباك وعدم الوضوح، مع غياب كامل للدقة في التعبير، وهي مسألة حساسة وشائكة، حين يتعلق الأمر بالقضايا الدبلوماسية.
من بين كل ذلك لم يبق في رأسي بنهاية اللقاء، سوى ذلك القلم الذي حظي بالبقاء لساعتين بين يدي الرئيس، وهي حظوة حرم منها صحفيون كثيرون، آلمهم استبعادهم من هذا اللقاء، وتجاهل أدوار بعضهم في تمكين المهنة على مر عقود، ونكران دعم آخرين منذ أشهر للرئيس والدفاع عن برنامجه السياسي.
كم أنت محظوظ أيها القلم.