إعلان الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم" عن رقم قياسي لمبيعات خام الحديد في 2022 نحو 13.34 مليون طن، إعلان هام جدا خاصة في ظل تراجع متوسط سعر طن خام الحديد بشكل كبير عما كان عليه في العام الماضي 2021 حوالي 160 دولارا للطن، وكذلك في ظل التراجع لديون الشركة إلى حوالي1% فقط من إجمالي الدين الخارجي الموريتاني، هذا بالإضافة إلى فتحها لأسواق جديدة بتصديرها إلى الجزائر، مع بدء الاستعدادات للإنتاج من منجم أفديرك، كلها مؤشرات إيجابية على تحسن وضع الشركة، مما يمنحها دعما أكبر لتوسيع أنشطتها مستقبلا، وموقعا أفضل تجاريا أمام المنافسين.
لكن الجانب الآخر من حقيقة أن هذا الرقم القياسي في المبيعات ليس سوى عودة إلى مستويات تم تسجيلها سابقا بشكل مؤقت، وهو يخفي ورائه فشلا ذريعا على الاقل للسنة الثالثة على التوالي في تحقيق هدف الإنتاج السنوي المتمثل في الوصول إلى 13.5 مليون طن، بل إن الشركة منذ سنوات عديدة عاجزة عن تحقيق تقدم يذكر في زيادة الإنتاج رغم الإنفاق لمئات ملايين الدولارات، وتبنيها لاستراتيجيتين كانت أحداهما تستهدف تجاوز حاجز ال25 مليون طن سنويا اعتبارا من سنة 2019، وهو مالم يتحقق، أما الاستراتيجية الأحدث فكانت تستهدف زيادة الإنتاج إلى 18 مليون طن بحلول 2024 و 24 مليون طن في أفق 2026، وهو أيضا هدف صعب المنال في ظل المعطيات الحالية للشركة، وهذا ما يطرح تساؤلات حول مدى تماشي الزيادة المتواضعة في حجم المبيعات مع الفشل في زيادة الإنتاج، وحجم ماتم ضخه من أموال ضخمة على مشاريع الشركة خلال السنوات الماضية.
ويبقى السؤال الأهم بخصوص التحفيزات المادية و المعنوية التي تمنحها الشركة مقابل التضحيات الجسام التي قدمها العمال الشرفاء في ظروف صعبة، حيث المعدات المتهالكة، ومشاكل الصيانة، وضعف الخدمات الصحية، ووسائل السلامة، و غياب وسائل الراحة بل وحتى مشاكل في وسائل وظروف النقل إلى أماكن الإنتاج، وغير ذلك من المشاكل التي باتت تعكر جو الثقة بين الشركة والعمال، أما الجانب الأخطر من الحقيقة فهو التضحيات الجسام والتحديات التي سطرها الشعب الموريتاني الأبي منذ بداية تصدير خامات الحديد 1963، وحتى يومنا هذا نتيجة للتعامل الخطأ مع العائدات المتذبذبة والمؤقتة، وسوء إدارتها، مما حول البلد إلى ضحية من ضحايا الثروات الطبيعية.