رغم تحصين قرار المجلس الدستوري رقم: 010/ 2018 / م. د ،للقانون النظامي رقم: 2018-07 ، بتاريخ :12 فبراير 2018، المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج، تبقى الحاجة ماسة لملاءمة ذلك القانون مع مقتضيات الدستور قبل إجراء الانتخابات النيابية المستقبلية .
المفارقة بخصوص هذ النص تحديدا أن تشكيلة المجلس الدستوري حينها قد توصلت بمشروع القانون الذي تضمنه على أساس مزدوج جمع بين : -الإحالة الإلزامية لكونه قانونا نظاميا (المادة 86/جديدة /دستور 20 يوليو، المعدل).
-واختيارية على أساس تقديم عريضة طعن ضده موقعة من طرف ثلاث و ثلاثين نائبا ، رفضت شكلا ؛لعدم تحقق حصول النصاب فى الموقعين حيث يحتاج تحققه توقيع ثلث أعضاء الجمعية الوطنية (49 نائبا).
ورغم غرابة استخدام الإحالتين معا باعتبار انتفاء الحاجة للاختيارية منهما حال وجود تلك الملزمة بعرض النص على المجلس ، يبقى مذهب المجلس فى تلمس ما أسس عليه بشأن دستورية النص الأكثر غرابة بالمطلق:
1- حين يتلمس القرار التأسيس لدستورية مشروع القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج على: "تكامل النص بالقدر الذي يلبى متطلبات عملية انتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج "، فإنه يدفع بالرقابة الممارسة من المجلس إلى مجال الملاءمة لا الدستورية، وهو ما لا يتسق مع ما ذهب إليه المجلس في قراره رقم 002 / ق.م 17 و22 يونيو 1992 وما استقر عليه عمل نظيره الفرنسي من أن الحكم "بالقانون وليس طبقا للملاءمة "،
2- وحين أسس القرار أهلية نواب الجمعية الوطنية لانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج على أن: "المادة الأولى من الدستور المعدل 2017 أحالت إلى الجمعية الوطنية جميع اختصاص مجلس الشيوخ بما في ذلك انتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين بالخارج..." فإنه:
يؤسس على غير أساس؛ فالمادة الأولى من الدستور قبل وبعد تعديل 2017 تنص حرفيا على: "موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ. ديمقراطية واجتماعية.
تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية.
يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي."
ليس في المادة ما يحيل لنقل صلاحيات أو غيرها، وليس المجلس الدستوري بالذي يختلط عليه الدستور ومشروع القانون الدستوري حتى ولو وصلت مقروئية النص الدستوري بعد ما لحق به للصفر لدى الكافة، فلا يمكن أن يكون ذلك بالنسبة للمجلس الدستوري،
3- ينجم عن الخطإ السابق وقوع المجلس في فهم خاطئ هو الآخر؛ ذلك أن المادة الأولى من القانون الدستوري 2017/ 022؛ قصدت تحديدا بالجمعية الوطنية التي "تخول " لها الصلاحيات التي كانت تمارسها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، "الغرفة السفلى"؛ لسبب بسيط وواضح: أن صلاحيات "برلمان الجمعية الوطنية " تتحدد بحسب مقتضيات مواد الدستور لا ما جاء في القانون الدستوري من مقتضيات انتقالية سقطت مع دخول التعديل حيز التنفيذ، وإلا لكانت سقطت معها.
وعلى ذلك لم يرث برلمان الغرفة الواحدة أي صلاحيات، لا من مجلس الشيوخ ولا -حتى- الجمعية الوطنية للبرلمان السابق، وكل صلاحياته أصيلة " أوتيها على علم ..."
4-فوق ذلك خلط قرار المجلس بين الصلاحيات والتشكيلة، فالطعن يتعلق بآلية وأسلوب انتخاب ممثلي الموريتانيين المقيمين بالخارج، وتحديدا بضرورة توحيد نظام اقتراع نواب الجمعية الوطنية. وقرار المجلس وعى ذلك واستحضره:
- حين استشهد بالمادة 3 من الدستور للتذكير بأن:" الاقتراع يكون مباشرا أو غير مباشر حسب الشروط المنصوص عليها بالقانون "
- وكذلك بالاحتجاج: " بما استقر عليه الفقه الدستوري منذ 1992 بانتخاب ممثلي الموريتانيين المقيمين بالخارج باقتراع غير مباشر، حيث كانوا ينتخبون من قبل أعضاء مجلس الشيوخ المنحل ".
الاقتراع يكون فعلا إما مباشرا أو غير مباشر والفقه الدستوري يمكن القبول تجاوزا أنه كان استقر على اعتماد الاقتراع غير المباشر لانتخاب ممثلي الموريتانيين المقيمين في الخارج من الشيوخ من نظرائهم المنتخبين محليا لكن في الواقع:
- لا يتعلق الأمر بفقه دستوري وما ينبغي لمثل ذلك الفقه أن يوجد أصلا في وجود النص الصريح، حيث الدستور نص حين الحديث عن انتخاب نواب الجمعية الوطنية في الفقرة الأولى من المادة 47 -قبل التعديل -على: " ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس (5) سنوات بالاقتراع المباشر "
ونص في الفقرة الثانية من نفس المادة بخصوص الشيوخ على:" ينتخب الشيوخ لمدة ست (6) سنوات بالاقتراع غير المباشر ..."
فالنص لا الفقه من حدد نوع الاقتراع المعتمد لانتخاب النواب "المباشر " والمعتمد للشيوخ "غير المباشر"،
وحتى مع التسليم جدلا بتجاوز الأساس النصي لاعتماد نوع الاقتراع، والتعويل في ذلك على الفقه الدستوري، فإن ذلك الفقه يتصور أن يكون اتبنى على الوقوف عند نص المادة 3 من الدستور التي جعلت الاقتراع إما مباشرا أو غير مباشر حين استخدمت "أو" ولم تستخذ "و"؛ ولأنه حين يكون من بين أعضاء هيئة واحدة من يأتي عن طريق الاقتراع المباشر ومن يأتي من خلال غير المباشر، فلعل أن يكون ذلك سببا في نقاش -مبرر-حول التفاوت في التمثيلة.
على ذلك يتصور أن مذهب الفقه الدستوري أخذ في الاعتبار المفاضلة بين أن ينتخب ممثلو المقيمين في الخارج على مستوى مجلس الشيوخ في ظل غياب الهيئة الطبيعية لانتخاب الشيوخ "المستشارين البلدين "على مستوى الدوائر التي يمثلونها:
- إما عن طريق اقتراع مباشر من المقيمين في الخارج، فتختلف نوعية الاقتراع لنفس أعضاء الغرفة الواحدة.
- أو يعمد لاقتراع غير مباشر من الشيوخ الذين وصلوا أصلا عن طريق اقتراع غير مباشر فيحفظ لغرفة الشيوخ أسلوب اختيار أعضائها، فكان ذلك مبرر مذهب الفقه الدستوري الذى استقر عليه وجنبه الاعتراض الذى تعرض له اقتراح تطبيق ذات الخيار في حالة النواب الماثلة.
مذهب الفقه الدستوري - تسليما - يصلح أن يعتد به على عكس مذهب قرار المجلس الدستوري ، فإذا كان الشيوخ الذين يمثلون الموريتانيين ينتخبون من طرف الشيوخ كما انتخبوا هم عن طريق الاقتراع غير المباشر ، فإنه وبذات المنطق ، ولأن النواب انتخبوا عن طريق اقتراع مباشر ، ومع امكانية انتخاب نظرائهم من من يمثلون الموريتانيين المقيمين في الخارج لوجود الهيئة الناخبة بذات الأسلوب ، يكون الاقتراع المباشر هو الخيار الطبيعي ،و لأنه فوق ذلك يجنب المزاوجة بين الاقتراع المباشر وغير المباشر أخذا في الاعتبار الفرق بين "أو" و "و" كما وردت في صيغة المادة 3 من الدستور . ويحول بذلك دون وجود أعضاء داخل ذات الهيئة بشرعيات (متفاوتة).
قرار المجلس الدستوري رقم 010/ 2018 / م. د بخصوص دستورية مشروع القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج على ما يبدو تأسس على نص دستوري لم يوجد وفقه دستوري لا مبرر للركون إليه، ومع ذلك يظل قرارا متمتعا بقوة الشيء المقضي به ،غير قابل لأي طعن فيه وملزما للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية ، كما به قضت المادة 87 من الدستور، و عليه لا يبقى من سبيل لتلافى عدم دستورية ذلك القانون،المحصن بقرار المجلس الدستوري رقم 010/ 2018 / م. د ، سوى طريق التعديل من الجمعية الوطنية قبل التوجه لإجراء الانتخابات التشريعة المقبلة.
ذ / يعقوب ولد السيف