تقرير اسنيم يؤكد مقولة موريتانيا هبة الحديد وضحيته في نفس الوقت
ظهر تقرير شركة اسنيم لسنة 2021 أسهل قراءة وفهما مع تأخير كبير في نشره، رغم ختمه بفقرة تتعلق بالسماح بذلك بتاريخ 26 إبريل 2022 ، وتأخير نشر اسنيم لتقريرها عادة دأبت الشركة على تكرارها منذ أكثر من عقد من زمان على حد وصف تقرير مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية في موريتانيا لسنة 2019، الذي ذكر أن تقارير شركة اسنيم الوطنية تنشر متأخرة، و بمحتوى أقل من نشرات شركة ميفرما الاستعمارية، وتعد جودة نظام الإفصاح وتوقيته وكذلك جودة بيانات ومعلومات الشركة بل وحتى سهولة قراءتها وفهمها لدى العامة أحد أهم مؤشرات الحوكمة التي تحتاج شركة اسنيم إلى بذل المزيد من أجل تعزيزها.
تقرير شركة اسنيم لسنة 2021 وما كشف عنه من أرقام تؤكد مقولتنا السابقة بأن موريتانيا هبة الحديد وضحيته في نفس الوقت، حيث أشار التقرير إلى تحسن كل الأرقام المتعلقة بمساهمة خام الحديد في الاقتصاد الموريتاني، إذ وصلت مساهمته في إيرادات الميزانية العامة إلى 17% ، و 15% في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، و58% من قيمة صادرات البلاد، ولكن هذا التحسن في الأداء يعزى إلى عامل واحد، و واحد فقط، ألا وهو تحسن الأسعار ، وهو ما ذكره التقرير بشكل صريح في فقرة ملخص النتائج المالية، حيث أشار إلى أن رقم أعمال الشركة للسنة المنصرمة بلغ 592.77 مليار أوقية قديمة، وعزى الزيادة الكبيرة بشكل خاص إلى ارتفاع سعر خام الحديد، الذي انتقل من متوسط 108.4 دولار للطن سنة 2020 إلى 159.4 دولارللطن سنة 2021 حسب تقريرالبنك المركزي الموريتاني لسنة المالية 2021 .
ولاستجلاء حقيقية أن موريتانيا ضحية من ضحيا الموارد الطبيعية والحديد بشكل خاص سنعود إلى سنوات انهيار أسعاره، سنة 2016 مثلا، ورغم أن الكمية المصدرة بلغت 13.3 مليون طن أكبر بكثير من 12.7 مليون طن خلال العام الماضي، إلا أن كل الأرقام المتعلة بمساهمة الحديد في الاقتصاد الوطني كانت سيئة، حيث وصلت مساهمته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي إلى 6.5 % ، و حوالي 30% من قيمة صادرات البلاد، وهناك أرقام أخرى توضح بجلاء متلازمة الهبة والضحية التي تبدوا متناقضة، نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر، الميزان التيجاري مع أكبر مستورد لخام الحديد الصين، الذي انتقل من عجز في الميزان التجاري بقيمة 125 مليون دولار
سنة 2016 إلى فائض في الميزان التجاري لصالح بلادنا سنة 2021 بحوالي 894 مليون دولار أمريكي، وكذلك إتاوة شركة اسنيم، التي انتقلت من 4.3 مليار أوقية قديمة سنة 2016 إلى 46.95 مليار أوقية قديمة سنة 2021، وذلك حسب بيانات المديرية العامة للضرائب، والعامل المتغير الذي يقف وراء كل هذه التذبذبات هو سعر المادة الخام، حيث انتقل متوسط سعر الطن المادة الخام من حوالي 58 دولارا للطن سنة 2016 إلى حوالي 159 دولارا للطن سنة 2021 . لكن حقيقية كوننا تحت رحمة تقلبات أسعار المادة الخام ليست هي العامل الحاسم في تحويلنا إلى ضحية من ضحيا الموارد بل إن الجميع يقع تحت رحمة سيف أسعار المادة الخام بما فيها الدول الكبيرة مثل روسيا، والسعودية والصين، وهي إشكالية هيكلية تعود إلى طبيعة النظام الاقتصادي والمالي الذي نشأ تحت قيادة أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، و في اعتقادنا هناك عوامل أخرى هي التي تعتبر من فعلنا و تعبر عن تحويل أنفسنا إلى ضحية من ضحيا الحديد وعلى رأسها سوء إدارة العائدات، و وزيادة الانفاق اعتمادا على هذه العائدات المتذبذبة والمؤقتة، وكذلك فتح شهية الاقتراض أثناء الطفرات.
ولعل إحدى النقاط المضيئة في هذا التقريرهي عدم زيادة اسنيم لديونها خلال الطفرة التي اشرفت على النهاية (2019 -2022 ) بل إن شركة اسنيم قامت بالسداد المبكر للديون المتعلقة بتمويل مشروع قلب2 بمبلغ إجمالي قدره 139 مليون دولار، وقد تراجعت ديونها إلى مستوى مريح، حيث ذكر تقريرالبنك المركزي الموريتاني للسنة المالية 2021 أنها تراجعت إلى 44.4 مليون دولار، مشكلة حوالي 1% فقط من إجمالي الدين الخارجي الموريتاني، وهذا عكس ما حدث خلال الطفرة الماضية (2009-2014 )، حيث ارتفعت ديون الشركة من 127 مليون دولار سنة 2008 إلى 693.3 مليون دولار سنة 2013 أي حوالي 20% من إجمالي الدين الخارجي حينها. ويعد تراجع ديون الشركة مؤشرا إيجابيا يعكس قدرة الشركة المالية، كما يمنحها دعما أكبر لتوسيع أنشطتها، وهذا فعلا ما حصل، حيث تمت الموافقة عل تمويل منجم العوجة بمبلغ يصل إلى 400 مليون دولار، كما بدأت الأعمال الموقعية، وشراء المعدات بالنسبة لمنجم أفديرك، وذلك حسب التقرير. ومع ذلك يبقى السؤال ملحا بخصوص مصير نصيب موريتانيا من حوالي 640 مليار أوقية قديمة إجمالي أرباح شركة اسنيم خلال السنوات الثلاثة الأخيرة .
ومن النقاط المهمة أيضا أن الأرقام الجيدة لسنة 2021 التي تعكس تعزيز مساهمة اسنيم في الاقتصاد الموريتاني تخفي وراءها ارتفاعا معتبرا في التكاليف نعتقد أنه نتاج ارتفاع تكلفة الطاقة، التي تشكل نسبة معتبرة من تكلفة الاستخراج الكلية، وكذلك نتيجة لتأثيرات التضخم العالمي، وتفاقم مشكلة سلاسل التوريد، وانعكاسات ذلك على أيضا على تكاليف الحمل، هذا بالإضافة إلى سوء صيانة المعدات، وتكاليف التجريد، ومشكال أخرى داخلية جمة. ارتفاع التكاليف في ظل استمرار تراجع الأسعارالتي وصلت اليوم إلى مستوى 82 دولارا للطن بالنسبة للخام القياسي وحسب مؤشر بلاتس يطرح أكثر من سؤال عن مدى جاهزية الشركة للأزمة القادمة التي تشير بعض التوقعات المتشائمة إلى حتمية وقوعها خلال العام المقبل سنة 2023 خاصة في ظل رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة 5 مرات فشلت حتى الآن في كبح جماح التضخم، وهو ما بات يعيد إلى الأذهان سيناريو دورة رفع أسعار الفائدة الأخيرة الممتدة بين 2015- 2018 ، حيث تراجعت أسعار خامات الحديد إلى ما دون 40 دولارا للطن .
وتبقى النقطة الأكثر إثارة في هذا التقرير مواصلة الصين للسنة 12 على التوالي استحواذها على حصة الأسد من صادرات بلادنا لهذه السلعة الأساسية و الاستراتيجية، وذلك رغم استحواذ ثلاثة زبناء من خارج الصين على نسبة 79% من إجمالي المبيعات حسب التقرير. الصين التي بدأت تستورد الخام الموريتاني سنة 2004 مع كمية متواضعة وصلت إلى حوالي 683 ألف طن أصبحت سنة 2009 أكبر مستورد لخام الحديد الموريتاني، وهو ما بات يطرح أكثر من سؤال حول ماهية العلاقة الغير مباشرة في الكثيرمن حيثياتها ، وكم حجم الخسائرالتي تتكبدها موريتانيا سنويا نتجية لذلك بل وحتى حجم الفرص المهدورة والتي لن تتكرر أبدا خاصة في ظل تهافت الشركات العالمية في هذا المجال على تقديم التنازلات للصين من أجل ضمان حصة لها أكبر في سوقها، الذي تزداد المنافسة عليه كلما تراجعت الأسعار.
وفي الأخير قد يكون من أهم الدروس والعبر المستوحاة من التقرير أن العامل الموريتاني رغم كل الظروف والتحديات استطاع خلق نشاط برقم أعمال يناهز1.6 مليار دولار مع أرباح تقترب من 900 مليون دولار وهذا الرقم يقترب من أعلى توقعات مداخيل حقل أحميم المشترك الذي تنفذه إحدى أفضل الشركات العالمية في هذا المجال والأهم من ذلك أن العامل الموريتاني الأبي الشريف قادر على إحداث نفس النتيجة في كل المجالات خاصة في مجالات التنمية المستدامة الزراعة والتنمية الحيوانية مثلا و ما ينقصنا فقط هوالتخطيط الجيد والإرادة السياسية الفلاذية المتساوية على جميع المستويات وفي الأخير يؤخذ على التقرير النقص الحاصل في عدم التركيز على مساهمة هذه الأرقام في تحسين بيئة العمل والرفع من ثقة العمال في الشركة والعكس.