الجدل متواصل منذ يوم أمس، على مواقع التواصل الاجتماعي لدينا، بشأن استقبال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في لندن.
والحقيقة أن الأمر، هو جزء من "باب" كبير يتعلق بالترتيبات الابروتوكولية المعهودة في الزيارات الرسمية للدول الأجنبية والمشاركة في المؤتمرات الدولية.
وهذا الموضوع، دون شك، داخل في دائرة اختصاص رجال التشريفات، ومنظمي الأحداث الكبرى.
وهو اختصاص قائم بذاته، وبإمكانهم وحدهم، قطع الشك باليقين، في تأويل ما حدث وتفسيره وحتى تبريره ربما، انطلاق من الترتيبات المعروفة في هذا المقام.
ولو أني لست من المختصين، ولا أنتمي لحقل الدبلوماسية، وددت أن أورد جملة ملاحظات، علها تساهم في إثراء النقاش بهدوء، بهذا الشأن، حتى نفهم قليلا ما حدث.
أولا: من المهم، التنبيه، إلى أن بروتوكولات تنظيم المؤتمرات، تخصع لمعايير محددة، فمن يستقبلون رؤساء الوفود، عادة يتم تحديدهم بدقة تامة، ويستقبلون كل رؤساء الوفود، بذات الترتيبات "المرامسية"، ولا دخل لذلك في وزن البلد، ولا مكانته، ولا قوته الاقتصادية أو السياسية ولا العسكرية.
فالدول من وجهة النظر البروتوكولية، كأسنان المشط، لا فضل لأحداها على الأخرى.
ثانيا: هناك اختلافات كبيرة في التفاصيل البروتوكولية، بين كل بلدان العالم، تبعا للمدرسة البروتوكولية التي ينتمي إليها كل بلد، وكذلك العوامل التاريخية والحضارية التي أثرت في تشكل المنظومة البروتوكولية لكل بلد.
فلا ننسى أن البروتوكول، في المحصلة، هو من عناصر هوية البلد، وهو أول ما يستقبل به ضيوفه، وآخر ما يشيعهم به وهم يغادرون.
وهذا عنصر حاسم، يمنحه أهمية كبيرة، تزداد مع طغيان العناصر البصرية، في عصرنا الحاضر، على حساب كل العناصر الأخرى.
ثالثا: المؤتمرات غير الزيارات، ولو اجتمعا في بعض العناصر، فلكل منهما مفردات البروتوكول المناسبة والخاصة به.
ولا يمكن هنا، أن نتجاوز دون التذكير بالتعقيدات الكبيرة التي ترافق تنظيم أي مؤتمر، نظرا لتعدد دول المدعوين، واختلافاتهم الثقافية والسياسية، وبالتالي تعدد التحديات التي يطرحها ذلك.
أما الزيارات، فهي "طقس" ثنائي، أسهل ترتيبا، واقل تعقيدا، مهما كان اختلاف البلدين، وتباعدهما الحضاري والسياسي والثقافي، وقوة أو ضعف علاقاتهما، وتنوع روابطهما أو انعدامها.
ولن أخوض هنا في تصنيفات الزيارت الرسمية، فكل منها تقتضي تعبئة مختلفة، وبالتالي ترتيبات مختلفة، وحتى توقع نتائج مختلفة.
وكل ذلك، يعني إطارا تنظيميا خاصا، تبعا لنوع الزيارة.
رابعا: لعل منطلق الضجة من الأساس، أن هناك في الإعلام الرسمي، حديثا شبه تلقائي عن "وفد رفيع المستوى" دائما في الانتظار لاستقبال رئيس الجمهورية، أينما حل وارتحل!
وهذا لا علاقة له غالبا، بأي ترتيبات محددة، خاصة حين يتعلق الأمر بالمؤتمرات الكبرى، وحتى بالنسبة لبعض الزيارات الأقل رسمية، أو ذات الطابع العملي"منزوع الطابع الاحتفالي".
وعلي لا أجانب الحقيقة كثيرا، إذا قلت إن وسائل الإعلام العمومية أو الرسمية، بتعبير آخر في البلدان المشابهة لنا، ترسل كلاما كثيرا من هذا القبيل، لاتلقي له بالا، وعن حسن نية غالبا، وربما "السر تجيبو الغفلة" كما نقول في التعبير الدارج!
خامسا: ليس هذا كلاما، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، بل هي رؤية مبسطة لما جرى، يتحرى صاحبها فقط التعقل في الحكم، وعدم التسرع.
ودعوني أقول إني لا أجزم، بأن الرئيس استقبل بحفاوة، ولا أنفي أن يكون عومل معاملة خاصة، تفوق الجرعة المحددة سلفا وفق البروتوكول، في بلد يعض بالنواجذ على التقاليد، وفي الصميم منها هذا البروتوكول العريق الضارب بجذوره في تاريخ الامبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس.
فليس هذا موضوعي..
فقط وددت أن نحتكم لقليل من المنطق، ونثير نقاشا هادئا حول الموضوع، علنا نجد من يفهم أكثر منا، فينيرنا ويوجهنا مشكورا، ويرفع مستوى النقاش عن حضيض الشعبوية، والتنابز والتراشق بالكلام الجارح.
ليس هذا موجها ضد من ينتقدون من وجدوا في بلاد الإنجليز ، "وفدا رفيع المستوى في استقبال فخامته"، ولا من وجدوا في ذات الاستقبال، إهانة خص بها فخامته، دون غيره!
رجاء، افتونا، ياأهل البروتوكول..