من خصائص شخصية الرئيس الراحل المختار ولد داداه، رحمه الله تعالى، أريحية نفسه الكريمة وطلاقة وجهه المشرق وبشاشة محياه ذي الابتسامة الدائمة.. مع رزانة ووقار وهيبة لا تفارقه. وما من شك في أن هذا الجانب من شخصية الرئيس الراحل يمثل أحدَ أسرار نجاحه في لمِّ شمل ما يَصعُب لمُّ شمله أصلا، وفي تخطي لحظات حاسمة وعصيبة كان العبور منها بـ«مشروع الدولة» يتطلّب وجودَ شخصية هادئة وقادرة على توليد شعور عام بالطمأنينة لدى مجتمع بدوي طالما غلب على نفسيات أفراده وجماعاته التوترُ والتشاحن والتنافر والتناثر.
وقد سجلتْ لنا الرواياتُ استعانةَ المختار بالنكتة والابتسامة في مواجهة الانسدادات المأزقية التي واجهت مشروعَه هو ورفاقه، كما حدثتنا عن حالات غَلَبَه فيها الضحك (موطص)، دون أن يفقد وقاره أو هيبته كقائد وزعيم. ومن ذلك ما روته رائدةُ الإعلاميات الموريتانيات الناهَا بنت سيِّدي، في مقابلة صحفية أجريتُها معها قبل اثنين وعشرين عاماً من الآن، حيث تقول:
سافرتُ كمراسلة للإذاعة الوطنية ضمن الوفد الرئاسي في عدة زيارات خارجية خلال السبعينيات والثمانينيات، ولم أر شخصاً مثل المختار ولد داداه في الاهتمام بمرافقيه وتفقد أحوالهم ومحاولة تخفيف متاعب السفر عنهم، بالمحادثة والملاطفة واستظهار القصص وتوظيف النكت والطرائف والأحاجي. كان يروي النكتةَ وكان يحب سماعها من غيره، متفاعلا معها تأدباً بالراوي وتقديراً له. ولعلي رأيتُ المختار وقد غلبه الضحك (كبظو موطص) مرةً واحدة على الأقل، وذلك حين كنا في زيارة لمصر. فقد أخذونا في رحلة إلى الأهرامات، وكان على رئيس البرلمان عبد العزيز صال، وهو الشخصية الثانية في الوفد، أن يصعد مباشرةً بعد رئيس الجمهورية، عبر سُلّم ضيق، لكن عبد العزيز كان ممتلئاً وضخم الجثة، فانزلق من خشبة السلّم ليقع في هوة عميقة نحو الأسفل، فذُعر وأخذ يصرخ ويدفع برجليه إلى الأعلى، لكن بطنَه كانت تمنعه من النهوض بسرعة، وفي الأثناء همَّ الرئيس بإنقاذه ماداً إليه يده من أعلى، قبل أن يتدخل حراسُ الأمن المصري لإخراجه من الهوة. في ذلك اليوم رأيتُ الرئيس المختار يحاول أن يكتم ضحكاته، وبعد ما عدنا من مصر كان يداعب صال ويسأله ضاحكاً: قل لنا ماذا جرى في الأهرامات؟
أما المرة الثانية التي ضحك فيها المختار بشدة فترويها لنا إعلامية أخرى هي مريم بنت السباعي:
ذات صباح قطع رجُلٌ طريقَ الرئيس المختار حين كان متوجهاً إلى الرئاسة، وخاطبه قائلا: السيد الرئيس حانيني أشوي انقولك ذا. توقف الرئيس، ثم خاطبه الرجلُ مرةً أخرى: انا اسمي «ينجى» وجاي من تكانت، وكتبت لك براوه درت اعليها تيمبر اشريتُ بخمس أوقيات اندورْ نلقاكم، ولا اتيسر لي ملقاكم، واظريوك اندور تَرْجعْلي خمسايْتي اللي اشريت بيها تيمبر. ضحك المختار، وقال له: عل اعليّ ذا اللي قلت، فأعاد الرجل كلامه.. فضحك المختار من جديد. قال الرجل: اطوالت، انت لاهي اتم تظحك الين اينت؟ كول لاصحابك ايردولي خمسايتي ونتوادعو. فقال له الرئيس المختار: أيو انت اش كنت ادور؟ فقال: كنت اندور العمل، فقال المختار: الصبح ايلين تمسح وجهك من اصلاة الفجر، كيم واعد الوزير الديين ولد محمد أحمد، واندور انعود فت اتكلمت امعاه اف موضوعك.
وفي الصباح الباكر دق ينجى باب منزل وزير الداخلية بعنف، فاستقبله الديين بأريحيته المعهودة أيضاً، وقال له: شنهو العمل اللي يصلح لك؟ فقال: اندور انعود ابلانتوه في الرئاسة. ردَّ الديين: لاهي نكتب ابراوه للرئاسة حالا، وكيسهم انت الصبح مع اصباح.
تحول ينجى إلى عامل في الرئاسة، وفي مرات عديدة كان يدخل مكتب الرئيس فجأة ويجلس ويبدأ يتحدث ويلقي نِكاتَه التي كانت تضحك الرئيس المختار بشدة.. وكان ينجى يعلِّق على ضحك الرئيس قائلا: يكلع بوه الراجل يظحك امالو؟