سيستطيع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني دفع المجال العمومي خطوة مهمة إلى الأمام، إذا ما تمكن من إقامة تمييز واضح وصارم بين المناصب السياسية والأخرى الفنية في منظومة السلطة والإدارة ونظام الحكم. فقد عانت البلاد من تسييس المناصب الفنية وإضفاء الطابع السياسي على مختلف الأجهزة والمؤسسات العمومية، حتى بات الولاء للرئيس والانتماء لحزبه شرطا لتولي أي منصب عمومي، بما في ذلك المنصب الفنية والإدارية، مما جعل الولاء السياسي مقدما على الكفاءة المهنية والأهلية الأخلاقية، ومما حرم الهيئات العمومية من مراكمة معايير وقواعد وتقاليد ذاتية في الترقية والتعيين والنقل والتكليف، ليصبح كل ذلك مكافآت سياسية يمنحها الرئيس للقبائل، ومن ثم تحولت قطاعات بكاملها إلى إقطاعيات ممنوحة للبعض وفقدت صفتها كمرفق عمومي.. لتمثل جزءًا من منظومة الفساد المترسخ وشاهدا على رسوخه واستحكامه. والمفارقة أن ذلك يحدث في ظل نظام اختار لواجهته شعارات التعددية الحزبية ومبدأ فصل السلطات والانتخابات "الحرة".
وهكذا يصبح نزع السياسة عن المناصب الفنية وعن الأجهزة العمومية ككل، وإنهاء تسييسها بتاتا، الخطوة الأولى والضرورية في أي إصلاح قادم ذي مصداقية.