يدرك الموريتانيون المطلعون مستوى استشراء الفساد في البلد حيث غدا الحصول على أي حق مكفول في زمن معقول يتطلب بذل رشوة أو الاستعانة بوسيط.. حتى ذوو التقوى أصبحوا يستندون إلى فتيا بجواز الرشوة عندما يتعذر على المرء أن يحصل على حقه دونها.. ولذلك السبب لم يعد الكثيرون يطرقون أبواب المصالح العمومية إلا بعد تأمين وساطة أو تسخير رشوة وعندما يجربون دون سند فقد يطول انتظارهم ويفشلون..
وإذا كان المقيمون يتقبلون الواقع ويسايرونه فإن ذلك لا ينطبق على الأجانب ولا على المواطنين الذين عاشوا في الدول المنظمة والذين يتطلعون إلى أن يكون بلدهم على غرارها.. وبينما يفيد البعض من هذه البلية ويستخدممونها للتحايل على أموال الناس، بلعب دور الرائش، يقع الوطنيون النزهاء في حيرة عندما يتعهدون لطرف أجنبي، تقتضي الأمانة مصارحته بواقع مرير ومخجل بينما تتطلب المروءة نصرة الإخوة أو سترهم على الأقل (اللهم استرنا بسترك الجميل).. ولكن التكتم متعذر في بلد يحتاج لاستثمارات أجنبية.. وفي النهاية لا بد أن تظهر الحقيقة وتمد عنقها (ومهما تكن عند امرء من خليقة ... ولو خالها تخفى، على الناس، تعلم).
لقد بلغت نسبة الفساد في بلدنا أرقاما قياسية تتطلب تدخلا فعالا وعاجلا من السلطات العليا التي يتعين عليها أن تستخدم سوط المحاسبة وتتخلى عن حسن السيرة والسلوك.
"هذا قضاء من الرحمن نقبله.. لكن أما آن أن تستيقظ الهمم؟".
المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن