غزت خلال السنوات الأخيرة محال تحويل الأموال الإلكترونية شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط، وشيئاً فشئياً انحسر إقبال المواطنين على المؤسسات التقليدية التي كانت تضطلع بمهمة إرسال واستقبال النقود التي شاع استخدامها بين الموريتانيين خلال العقد الأخير من الزمن.
زحف التكنولوجيا
وأدى شيوع استخدام التطبيقات الألكترونية في المجال المالي إلى ثورة عبر المعاملات الاقتصادية في موريتانيا إذ استحدثت الحكومة الموريتانية السنة الماضية أجندة وطنية للتحول الرقمي تضمن لها تشييد مركز بيانات عالي المستوى والأداء، وإطلاق حزمة مشاريع رقمية مهمة تلائم الاندماج الذي تسعى إليه البلاد فى إطار التحول الرقمي قبل حلول العام 2025.
وبلغت كلفة هذه المشاريع أكثر من 8 ملايين دولار أميركي مقدمة من البنك الأوروبي.
واستطاعت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة تطوير بنيتها التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال بناء 1700 كيلومتر من شبكة الألياف الضوئية، مما رفع طول هذه الشبكة إلى 4 آلاف من أصل 2300 كيلومتر عام 2019، بحسب ما أعلنته الوزارة الأولى الموريتانية (رئاسة الوزراء) نهاية عام 2021.
وفي السياق رأى الباحث الاقتصادي الموريتاني أمم أنفع أن "تطبيقات تحويل الأموال جاءت في إطار تحول رقمي يشهده الاقتصاد الموريتاني من جهة، وكرد فعل من البنوك التقليدية من جهة أخرى على المنافسة التي شكلت لها أخيراً من قبل شركات تحويل الأموال التقليدية، والتي باتت تعاني هي الأخرى حالياً في ظل الحصة المعتبرة التي أصبحت تستحوذ عليها هذه التطبيقات الإلكترونية من سوق تحويل الأموال وبخاصة في الوسط الحضري".
موضة البنوك
أتاحت البنوك الموريتانية التي استحدثت تطبيقات الكترونية لتحويل الأموال إمكان فتح وتسيير حساب مصرفي عبر الهاتف المحمول، إذ يتيح أيضاً للزبون الوصول إلى ميزات أخرى مثل تحويل الأموال والدفع التجاري ودفع فواتير الكهرباء والماء أو الإنترنت وإعادة شحن رصيد الهاتف على الفور.
واعتبر الصحافي المهتم بالرقمنة محمد الأمين المامي أن "انتشار التطبيقات الذكية لتحويل الأموال والدفع الإلكتروني خطوة مهمة في سعي موريتانيا نحو التحول الرقمي".
في المقابل، انتقد الناشط في جمعيات حماية المستهلك سليمان عالي "أداء هذه المؤسسات الذي يفتقد إلى الشفافية، إذ تتكرر شكاوى المواطنين من ضياع أموالهم بفعل ثغرات في التطبيق لا تضمن جودة الخدمة".
وتنشط حالياً في السوق الموريتانية ثلاثة تطبيقات تابعة لبنوك أولية وطنية تتفاوت حصصها من الزبائن، إذ أعلن أول تطبيق للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول يدخل السوق الوطنية وصوله إلى ربع مليون مشترك، وفتح 300 نقطة معتمدة على عموم الأراضي الموريتانية.
الأمية تكبح الانتشار
وعلى رغم تنامي استخدام هذه التطبيقات في الفئات العمرية الشابة، إلا أن نسبة انتشار الأمية في موريتانيا يحرم أكثر من 30 في المئة من عموم الشعب من استخدام هذه التطبيقات، وبحسب الفاضل الداهي، وهو مسير وكالة تحويل أموال تقليدية، فإن "الأمية وغياب التعلم سيؤمنان استمرار عمل هذه الوكالات التقليدية، لأن معظم روادنا هم من الفئات التي لا تقرأ ولا تكتب، وبالتالي لا تستعمل التقنيات الجديدة".
أما الباحث الاقتصادي أمم نافع فقال إن "الموريتانيين بطبعهم يميلون إلى إجراء معاملاتهم اليومية نقداً والاحتفاظ بالأموال في المنازل، كما أن فئتي كبار السن وغير المتعلمين تجدان صعوبة في فهم تلك التطبيقات".
تحديات ماثلة
وتتنوع التحديات التي تواجهها هذه التطبيقات التي أقبل عليها الموريتانيون خلال الفترة الأخيرة بين التقني والذاتي، فمعظم المستخدمين يحول بينهم وبينها مسلكيات مجتمعية عددها الباحث الاقتصادي نافع قائلاً إن "تزعزع ثقة الزبائن بالتطبيقات التي يعتبرونها معرضة لاختراقات إلكترونية في أي وقت، كما أن ضعف البنية التحتية التقنية وتدني نسب تغطية شبكات الاتصال ذات الجودة العالية أثرا في هذه التطبيقات".
ولا توجد بنوك إلكترونية مرخصة في موريتانيا وكل التطبيقات القائمة حالياً تمثل بنوكاً تقليدية معروفة.
وينتقد بعض المستخدمين أسعار خدمات هذه الشركات، ويرى مراقبون أن على أصحاب التطبيقات "خفض الرسوم المقتطعة والتخفيف من الإجراءات البيروقراطية، وهي ميزة ظلت تتمتع بها طوال الفترة الماضية مع حضور جغرافي أوسع مقارنة مع البنوك التقليدية التي تمثلها تلك التطبيقات الإلكترونية".
وشدد الصحافي محمد الأمين على "قضية الأمن الرقمي لضمان سرية معلومات المستخدمين وتأمين معلوماتهم المدنية"، ونصح أصحاب هذه التطبيقات "بتوخي الحيطة والحذر والتشديد على الأمن السيبراني في ظل تنامي أعداد المشتركين".
واعتبر الصحافي الأمين المامي أن "هذه التطبيقات لا يزال ينقصها التأمين المعلوماتي على بيانات المشتركين الرقمية".
الخاسر الأكبر
ويتخوف كثيرون من عمال المحال التقليدية لتحويل الأموال في موريتانيا من أفول نجم مهنتهم التي تهددها ثورة العصر المتمثلة في انتشار التطبيقات، ويتحسر أحمد محمود وهو أحد عمال هذه المؤسسات على واقع عمله اليوم، ويقول "لقد تراجع رقم أعمالي كثيراً بفعل انتشار محال تحويل الأموال الجديدة، وأملي في أن يفهم ملاك مؤسستنا هذا التحول وينشئوا تطبيقات خاصة بهم".
ويتفق الصحافي المامي مع هذا الطرح، إذ يعتبر أن تطوير المؤسسات التقليدية لخدماتها سيجعلها في منأى عن الصدمات التي قد تعصف باستمرار نشاطها".
الأنديبندنت عربي