أثرت جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وأصابته بشلل شبه كامل ولولا تدخل الجهات الرسمية، ومنها البنوك المركزية، لكانت التداعيات أكبر وأخطر.
فبحسب مقال منشور على موقع صندوق النقد الدولي الإلكتروني، قال جيفري أوكاموتو النائب الأول لمدير عام الصندوق إنه منذ مارس 2020، أنفقت الحكومات 16 تريليون دولار لتقديم الدعم المالي أثناء الجائحة، وزادت البنوك المركزية على مستوى العالم ميزانياتها العمومية بقيمة مجمعة قدرها 7.5 تريليون دولار.
وأوضح جيفري أن البنوك المركزية قدمت كماً من السيولة في العام الماضي يتجاوز ما قدمته في العشر سنوات الماضية مجتمعة وأضاف جيفري أن العالم خسر ناتجا بقيمة 15 تريليون دولار نتيجة لجائحة كوفيد-19". (1)
وقد أظهرت الجائحة أهمية أدوات التمويل الإسلامي وقدرتها على معالجة ما خلفته الجائحة من شلل اقتصادي زاد فقر الفقراء كما زاد من عددهم ولذلك اهتمت الهيئات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها بأدوات التمويل الإسلامي وسعت للتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسات مالية إسلامية أخرى للاستفادة من أدوات التمويل الإسلامي في تحسين أحوال الفقراء ودعم المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة وتحريك عجلة الاقتصاد عموما ومن تلك الأدوات الوقف والزكاة والقرض الحسن والتمويل الأصغر.
وفي استجابة مباشرة للجائحة خصص البنك الإسلامي للتنمية 2.3 مليار دولار لدعم جهود الدول الأعضاء في مواجهة الجائحة وآثارها.
وكانت الأمم المتحدة أطلقت في النصف الأول من 2021 بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، مبادرة حوار لدعم جهود تمويل التعافي بشكل أفضل في ظل الأزمة العالمية الصحية والاقتصادية التي أوقعت الملايين في براثن الفقر المدقع.
وفي كلمة افتتاحية خلال حفل الإطلاق الذي أقيم عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد، أكدت السيدة أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أن “التضامن مع المحتاجين يعني استكشاف سبل استخدام التمويل الاجتماعي الإسلامي لتعزيز الاستجابة للجائحة من خلال مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة /كوفيد 19/ (ACT-Accelerator) ومرفق “كوفاكس” (COVAX facility)، ومبادرات ووسائل أخرى لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات والتشخيصات والعلاجات”.
وشدد رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، على أهمية الحوار الدولي حول دور التمويل الاجتماعي الإسلامي، قائلا في هذا الصدد “فيما يعمل العالم للتعايش مع الهشاشة الواضحة في أنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية، فإن آليات التمويل الإسلامي الاجتماعي تتيح فرصة لتحقيق المرونة التي نحتاج إليها”.
وعبر رئيس مجموعة البنك عن ثقته بأن آليات الزكاة والصدقة والوقف والتمويل الإسلامي الأصغر ستقدم منهجية تنموية ذات طبيعة قاعدية تتسم بالشمول والمرونة، معربا عن تطلعه للعمل مع شركائه في الأمم المتحدة لتعميم هذه الأدوات لتلبية الاحتياجات الملحة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما أكدت الدكتورة رولا دشتي، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أن التمويل الاجتماعي الإسلامي الذي يقوم على مبادئ الإنصاف والعدالة من شأنه أن يدعم السعي للتغلب على القيود المالية ونقص التمويل وانعدام المساواة في التمويل، وأن يفتح آفاقا جديدة لتحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز الرفاهية الاجتماعية وتحقيق الإدماج المالي والازدهار المشترك، مضيفة أنه باستخدام أدوات الثورة الصناعية الرابعة، بما في ذلك سلاسل الكتل (blockchain) وتكنولوجيا الخدمات المالية (fintech) والذكاء الاصطناعي، يمكننا إدارة الزكاة والأوقاف والتمويل الأصغر الإسلامي على نحو أفضل. ودعت المسؤولة الأممية إلى الاستفادة من الحوار الدولي للبحث في إمكانية إنشاء صندوق إقليمي للزكاة والوقف والصدقة لدعم تدخلات الإغاثة الفورية وجهود القضاء على الفقر على المدى الطويل، وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر. (2)
تأثير الجائحة على أداء البنوك الإسلامية
تأثر القطاع المصرفي الإسلامي مثله مثل القطاع المصرفي التقليدي بتداعيات الجائحة وتم إعداد عدة دراسات لتقييم حجم تأثير الجائحة على أداء البنوك الإسلامية من أبرزها دراسة أعدها مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يتخذ من كوالالمبور مقرا له (3).
وتناولت الدراسة بشكل مفصل 6 مؤشرات أساسية لتقييم مدى تأثر البنوك بما فيها البنوك الإسلامية، وهي مؤشرات حددتها بازل وهي تتناغم مع قواعد سلامة النظام المالي كما حددها صندوق النقد الدولي وهذه المؤشرات هي:
- كفاية رأس المال Capital Adequacy
- جودة الأصول Assets quality
- الأرباح profitability/earnings
- القدرة على تعبئة الموارد / الرفع المالي Leverage
- السيولةLiquidity
- الحساسية تجاه المخاطر
كفاية رأس المال
هي قدرة المؤسسة المالية على امتصاص الصدمات أو الخسائر غير المتوقعة، وهي من أهم الأدوات التي تستخدم للتعرف على ملاءة المصرف وقدرته على تحمل الخسائر المحتملة أو الإعسار، فكلما انخفض احتمال إعسار المصرف ارتفعت تبعا لذلك درجة ملاءته المالية، والعكس صحيح، وتقتضي قواعد بازل بأن لا تقل نسبة رأس المال عن 8% مقارنة بحجم الأصول الخطرة المرجحة بأوزان المخاطر.
وبالنسبة لتأثير الجائحة لوحظ أن نسبة كفاية رأس المال ارتفعت في البنوك الإسلامية في باكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا، بينما تراجعت النسبة في البنوك الإسلامية في أفغانستان وماليزيا ونيجيريا وفلسطين مع نهاية الربع الثاني، 2020.
وذهبت تقارير أخرى إلى أن المصارف الإسلامية بدت في وضع أفضل حيث بلغ معدل كفاية رأسمالها مجتمعة نسبة 18.2% العام الماضي (2019) وهي نسبة أعلى بكثير من متطلبات بازل 3. (4)
جودة الأصول
وهي تتعلق بقدرة المؤسسة أو القطاع المصرفي الإسلامي في بلد ما على الاستمرار في عملياته ومساهماته في برامج التنمية الاقتصادية من خلال قوة أصوله، ويتجسد هذا المؤشر في نسبة الأصول غير العاملة أو غير المنتجة ((non performing assets مقارنة بإجمالي الأصول، كذلك التمويلات المتعثرة مقابل رأس المال.
والأصول الرديئة تتعلق بتأخر في سداد القرض أو عدم القدرة على السداد أما التمويلات المتعثرة فتتعلق بعجز المدين عن السداد مع عدم تقديم أي جدول للسداد.
وهناك ثلاث مؤشرات لتقييم جودة الأصول:
- إجمالي التمويلات المتعثرة
- صافي التمويلات المتعثرة
- مخصصات إجمالي التمويلات المتعثرة
تحسنت جودة أصول القطاع المصرفي الماليزي وخاصة القطاع المصرفي الإسلامي الذي سجل تراجعا في مستوى إجمالي أصول التمويل المتعثرة وكذلك في صافي أصول التمويل المتعثرة خلال الربعين الأول والثاني من عام 2020 وزاد تحسن جودة أصول البنوك الإسلامية في ماليزيا خلال الربع الثالث من العام 2020 بسبب زيادة المخصصات لمواجهة الخسائر المستقبلية التي قد تحدث بسبب الجائحة.
هذا في حين تدهورت جودة أصول البنوك الإسلامية في نيجيريا مع نهاية الربع الثاني من العام 2020، لكن هذه البنوك سجلت تحسنا في جودة الأصول في الربع الثالث 2020 بعد تراجع إجمالي الأصول المتعثرة وكذلك صافي أصول التمويل المتعثرة.
أما القطاع المصرفي الإسلامي الباكستاني فقد سجل تحسنا في جودة الأصول مع تراجع إجمالي أصول التمويل المتعثرة وكذلك صافي أصول التمويل المتعثرة خلال الربع الثاني 2020 وإن كانت هذه الجودة سجلت تراجعا طفيفا خلال الربع الثالث 2020.
وفي فلسطين سجلت البنوك الإسلامية كذلك تحسنا في جودة الأصول بسبب تراجع إجمالي وصافي الأصول المتعثرة خلال الربع الثاني 2020.
الأرباح
وهي مؤشر مهم بالنسبة للمساهمين وأصحاب الحسابات الاستثمارية لأنه يعزز حقوق الملكية.
وهناك أربع مؤشرات لتقييم تأثر الجائحة على ربحية القطاع المصرفي:
- العائد على الأصول ROA
- العائد على رأس المال ROE
- صافي الربح NP Margin
- التكاليف مقارنة بالدخل CTI
ففي حين يؤشر العائد على الأصول والعائد على رأس المال إلى الأرباح المحققة من كل وحدة من الأصول ورأس المال فإن هامش الربح والعائد مقابل التكاليف يؤشران إلى العائد من التمويل وحجم فاعلية العمليات.
تراجع العائد على الأصول والعائد على رأس المال بنسبة كبيرة في البنوك الإسلامية في أفغانسان مع نهاية الربع الثاني من العام 2020، أما في ماليزيا فقد سجل القطاع المصرفي الإسلامي تراجعا في العائد على الأصول والعائد على رأس المال وصافي الأرباح وفي المقابل ارتفعت نسبة العائد مقابل التكاليف خلال الربعين الأول والثاني من 2020 ويعود هذا التراجع في الربحية إلى أسباب منها البطء في تنفيذ عمليات التمويل. أما البنوك الإسلامية في نيجيريا فقد زاد عائدها على الأصول وعلى رأس المال وصافي الأرباح بشكل ملحوظ خلال الربعين الأول والثاني 2020، وفي المقابل تراجع العائد مقابل التكاليف.
وفي السعودية سجلت البنوك الإسلامية زيادة في العائد على الأصول والعائد على رأس المال وفي صافي الأرباح مع تراجع في مؤشر التكاليف مقابل الدخل.
الملاءة المالية Leverage
يتعلق هذا المؤشر بقدرة البنوك الإسلامية على تعبئة الموارد مثل زيادة حجم ودائع الحسابات الاستثمارية
وقد سجلت ماليزيا وباكستان زيادة في هذا المؤشر، عكس نيجيريا، خلال الربعين الأول والثاني 2020.
السيولة
يتعلق هذا المؤشر بقدرة القطاع المصرفي الإسلامي على تأدية التزاماته المالية على المدى القصير.
فمع نهاية الربع الثالث من 2020 كانت البنوك الإسلامية في ماليزيا تتمتع بسيولة عالية وإن كانت نسبة الأصول السائلة تراجعت قليلا مع نهاية الربع الثالث 2020، أما في نيجيريا فقد تراجعت الأصول السائلة مقابل المطلوبات قصيرة الأجل.
وذكرت دراسة أخرى أن نتائج الأزمة المالية الناتجة عن جائحة كوفيد 19 أثرت سلبا على مؤشرات البنوك الإسلامية في بعض أسواق دول مجلس التعاون (السعودية والبحرين) بسبب عمليات إجراءات الإغلاق وإغلاق الحدود وتوقيف رحلات الطيران وارتفاع تكلفة الأنشطة المالية، ولهذا السبب تراجعت مؤشرات البنوك الإسلامية في بعض البورصات خلال العام 2020، ولكن هذه المؤشرات ارتفعت خلال الربعين الأول والثاني من العام 2021 في السوق السعودي والبحريني بعد تخفيف القيود ورفع الإغلاق أما في أسواق الخليج الأخرى ( سلطنة عمان ، قطر ، الكويت والإمارات العربية المتحدة) فلم تسجل تأثرا يذكر بل إنها سجلت ارتفاعا في المؤشرات. (5)
كما أظهر بحث آخر أن جائحة كورونا أثرت بشكل أكبر على البنوك الإسلامية مقارنة بالبنوك التقليدية عكس الحال بالنسبة لتأثير الأزمة المالية العالمية 2008- 2009 وهذا يؤكد أن هذه الأزمة كانت أكثر حدة من الأزمة المالية العالمية سنة 2008- 2009 حيث أن الجائحة أثرت حتى على الأنشطة الاستثمارية في البنوك الإسلامية التي تعتمد على أدوات المشاركات. ومع ذلك فلم يظهر تأثير يذكر للجائحة على استقرار البنوك الإسلامية في دول الخليج وماليزيا وباكستان لغاية شهر يونيو 2020. (6)
وفي المغرب أفضى انتشار فيروس كورونا إلى تعثر خدمات المصارف الإسلامية، بسبب ركود العقارات في ظل تدابير الحجر المنزلي والطوارئ الصحية، ويبدو أن المصارف الإسلامية التي تسمى بالتشاركية في المغرب تنجز أغلب معاملاتها منذ إنشائها عبر توفير التمويلات لفائدة الراغبين في اقتناء المساكن، غير أن توقف سوق العقارات في الفترة الأخيرة يعيق تدخلها عبر التمويلات التي تتيحها. (7)
الخلاصـــــــــــة
تمثل جائحة كوفيد بآثارها السلبية الواسعة على الاقتصاد العالمي وتأثيرها المباشر على حياة الفقراء فرصة للقائمين على مؤسسات التمويل الإسلامي والمهتمين به لتعزيز حضور الصناعة المالية الإسلامية عالميا لما تمتلكه من أدوات مؤهلة لمواجهة الأزمة والتخفيف من آثارها خاصة بعد اهتمام المنظمات الدولية بأدوات التمويل الإسلامي وبدء تنسيقها مع المؤسسات المالية الإسلامية لتعبئة موارد الأوقاف والزكاة والسعي لإدارتها بشكل أفضل لخدمة المحتاجين ودعم البرامج التنموية التي تستهدف الفقراء والطبقات الهشة المحرومة بما في ذلك دعم أنشطة وبرامج المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، كما أن التركيز على التكنلوجيا المالية والمصرفية الرقمية سيعوض البنوك الإسلامية عن تأثير الإغلاق على أنشطتها وخدماتها المصرفية ومشاريعها وبرامجها الاستثمارية.
إن هذه الجائحة تمهد الطريق أمام التمويل الإسلامي الاجتماعي لمحاربة الفقر على مستوى العالم بأدوات تفتقدها الأنظمة الاقتصادية التقليدية وتصب في خدمة أهداف التنمية المستدامة (SDGs).
وبالنسبة لتأثير الجائحة على أداء المصارف الإسلامية فقد اختلفت نتائج الأبحاث والدراسات التي وقفت عليها فبعضها استخلص أن الجائحة أثرت سلبا على أداء البنوك الإسلامية بينما استنتج بعضها أن التأثير على البنوك الإسلامية كان أقل مقارنة بالبنوك التقليدية على من زوايا معينة. وربما يعود التباين في نتائج الدراسات إلى المعطيات والبيانات المتاحة وكذلك إلى الفترة الزمنية التي تمت دراستها.
عموما لا يمكن تجاهل تأثير الجائحة على البنوك الإسلامية ولكن هذا التأثير ليس سببه بالضرورة المنهج الفكري للبنوك إسلامية وإنما لأن الجائحة أثرت على القطاع المصرفي عموما كغيره من القطاعات، غير أن هذ التأثير قد يختلف من مؤسسة إلى أخرى ومن بلد لآخر كما قد يختلف أيضا بحسب المؤشرات.
ومع ذلك فيصعب تحديد حجم التأثير على البنوك الإسلامية أو غيرها بشكل أدق قبل انتهاء الجائحة تماما والتغلب على أثارها أو تخفيفها على الأقل.
والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع.
الهادي بن محمد المختار النحوي
المراجـــــــــــــــــــع
CNBC- 1-
البنوك الاسلامية من دعائم التعافي من “كورونا: موقع الغد 29-5-2021 -2
3 - Assessing the stability of Islamic banking industry amid the COVID-19 pandemic, December 2020
4- تأثير تفشي جائحة فَيْرُوس كُورونا المُستجد على صناعة التمويل الإسلامي
أحمد مهدي بلوافي أستاذ الاقتصاد والتمويل الإسلامي- قسم التمويل الإسلامي – معهد الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز، مجلة بيت المشورة العدد 13 أغسطس 2020 قطر
5-IMPACT OF THE COVID-19 PANDEMIC ON ISLAMIC BANK INDICES OF THE GCC COUNTRIES Dr. Shakeel Ul Rehman Assistant Professor Department of Management Studies School of Business Studies Islamic University of Science & Technology, Awantipora-192122, J&K, India
6-Impact of COVID-19 on the Performance and Stability of Conventional and Islamic Banks in the GCC Region, Malaysia, and Pakistan Qazi Yasir Arafat1* , Abdul Rashid2 and Qazi Waseem Jan3 1 Shariah and Law Department, International Islamic University Islamabad, Pakistan
بوابة Findev -7