تعتبر المساجد والزوايا تراثا إنسانيا له المكانة البالغة في نفوس المؤمنين، فهو ليس مكانا مقدسا وحسب، بل هو روح المسلم وهويته التي لا تشوبها شائبة، ومن هنا حرصوا على خدمته، وحفظه من كل ما يدنسه، بل أكثر من ذلك أصبح مصدر إشعاع فكري وعلمي وتربوي، ففيه يتلى القرآن الكريم، ويقرأ الحديث النبوي الشريف، وتنشد المدائح النبوية، وتعقد حلق الذكر، وتفصل الخصومات بين المتخاصمين، ومن هنا فلا غرابة في أن نجد من الشعراء والأدباء من يخص المسجد أو الزاوية بجانب من شعره، حيث التركيز على أهم الوظائف التي يقوم بها المسجد، أو تقوم بها الزاوية، وقد ازدهر هذا اللون من الأدب في المدن التاريخية التي اشتهرت بها مساجد وزوايا لها تاريخها المميز، وهم هنا ينظرون إلى ازدهار أدب الزوايا في المدن التاريخية المغربية مثل الزاوية الدلائية، والزاوية التيجانية وغيرها.
وقد وقفت على نص لمحمد المختار بن محمد يحيى بن محمد المختار يخاطب فيه مسجد ولاتة الذي سقط في الخامس والعشرين من رمضان سقوطا عظيما لم يعهد مثله من التهدم، حيث قال متحسرا متألما لما حدث له:
عجبت لمسجد المولى لماذا جميعا هدمت منه الجهات؟
وكان أبا المساجد والصحــــــــارى مساجدها له طرًّا بُنـــــــــــــــــاة
بمرصوص البناء بناه بـــــــــان له جُدُرٌ عراض راسيـــــــــــات
وأحجار وطين مثل جيـــــــــــــــــر كذا خُشُبٌ عظام راسخات
تهدم كله لم يبق منــــــــــــــــــــــــــــــــه ولو بيتٌ تقام به الصــــــــــلاة
فقال الآن مات جميع أهــــــلي وإذا ماتوا يحق لي الممـــــات
فقد عمرت في الدنيا طــــويلا تداولني القرون الصالحــــــــــات
ولا لوم علي إذا تنــــــــــــــــــــــــاهى زماني وانقضت مني الحياة
فلا حي على الدنيا ببـــــــــــــــاق وليس لدولة فيها ثبــــــــــــــــــــــات
ومن لم يعتبر فيها بمــــــــاض تبصره الأمور الحادثـــــــــــــــات
تنسَّرت البغاث وكان خيـــــــرا لحر من سلامته الوفــــــــــــــــــاة
وصلِّ على النبي مقتفيــــــه صلاة لا تعاد لهـــــــــــا صلاة
أما الزوايا فقد وقفت على نص طريف لشاعرنا الكبير أحمد بن البشير المعروف بابن حم يمدح فيه زاوية الشيخ حماه الله حيث يقول:
دار الفيوض ودار الخير أجمعه سقاك واكف الرضوان منهـــــــــــــــــزمه
ولا عدتك صلاة الله كامــــــــــــــــــــــــلة يسوقها من رضى التسليم منسجمه
لله ما هجت من وجد لذي ولــــــه نسيان ينهل من شوق بكم عنمـــــــــــــه
ومنها أيضا قصيدة الفتى الأديب اللوذعي محمدو بن محمد بن سيدي عبد الله العلوي، حين أشرف على فاس يخاطب الشيخ التجاني، حيث قال في مقدمتها:
أبدى الزمانُ من البشاشَة والصَّفَــــــا سرا وأثْبَتَ منْهُما ما قدنـــــــفا
وقد أشار إلى الروضة التي ضمتها زاويته في أبياته التالية:
يَا رَوْضَةً شَمَخَتْ بِطَودٍ شَامِــــــــــخٍ أنُفًا وَأَكْسَبَها عُلاَهُ تَأَنُّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفَا
إنِّي أَراكِ كَتَمْتِ سِرًّا لَوْ بَـــــــــــــــــــدَى للكَوْنِ أَبدَى حِيرَةً وتَوَقُّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفَا
وأَرَى الثَّرَى وَارَى بِصَحْنِكِ مَاجِدًا نُصِبَتْ لأَخْمُصِهِ الثُّرَيَّامَوْقِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفَا
إن أدب المساجد والزوايا له خصوصياته المتميزة، والتي تتعلق بصدق العاطفة، واختيار المعجم الأدبي المناسب للمكان المقدس، فهذا اللون من الأدب يستحق الدراسة والتمحيص، فبلاد شنقيط تحتفظ بتراث ثر في هذا الموضوع، حيث المساجد التاريخية، والزوايا المنتشرة في المدن التاريخية، وهو جزء من تاريخ هذه البلاد له أعلامه المتميزون، ومن ينفض عنه التراب فإنما يساهم بشكل أو بآخر في دراسة تاريخ المنطقة ولم شتاته، وما تفرق منه في مكتبات البلاد، وصدور العلماء، ومن هنا أدعو الباحثين إلى جمعه ودراسته وتحقيقه وحفظه.