في الذكرى الستينية للأستقلال الوطني،، فليحيا الوطن، ولتحيا المواطنة ، ولتنهض الحداثة المطلوبة لتغيير النظام السياسي ،،
احياء لهذه الذكرى العزيزة على كل ابناء الوطن في الداخل و الخارج، تعز علينا هذه الذكرى، ونحييها بالعرفان للقادة الذين اجتهدوا في ان يؤسسوا لهذا الحدث المفصلي في تاريخ بلادنا، وقد شكل قطيعة مع الحقبة الاستعمارية التي كانت بلادنا واحدة من المستعمرات الفرنسية،،
وبعد الاستقلال الوطني في28 من توفمبر 1960م تحددت الهوية السياسية، وصار لنا حضورا في المحافل الدولية ، والمنظمات الاقليمية،،
لقد حصلت بلادنا على استقلال وطني دون حركة تحرر وطني لها حضور يقاس بحركات التحرر الوطني في اقطار الوطن العربي الاخرى ، وفي الاقطار المجاورة كجمهوريتي مالي وغيتيا المستقلتين حينئذ، وهذا يشير الى تأخر الوعي السياسي، والتخلف الثقافي والاجتماعي في بلادنا ،، ولعل من وظائف الوعي الاعتراف بالحقائق التاريخية ، وهذه حقائق لايمكن تجاهلها، وقد انعكست على الاستقلال الذي كان دافع القوى الاستعمارية لتقديمه للقادة المؤسسين، كاستجابة مسبقة لمطالب منتظرة، قبل النظر اليه كهدية مفرغة من مضامينها التي يفرضها الاستقلال الوطني الذي تنتزعه حركة التحرر الوطني من المستعمر الامبريالي الفرنسي بالحرب الشعبية التي عرفت انطلاقة لها في مواجهات اولية مع جيش حركة النهضة،،وكان ذلك من العوامل الذاتية الفعالة التي سرعت بالاستقلال الوطني لبلادنا،،
لقد وضع القادة الوطنيون اسسا اولية لنظام سياسي، وعلى الرغم من اختلافنا في تقييم تلك الاسس، والنظر اليها في علاقة القادة، كممثلين لبلادنا في الجمعية الوطنية الفرنسية قبل الاستقلال، وقد استقبلوا مشروع الاستقلال الوطني تحت مبدإ " الحماية " العسكرية الفرنسية،، لكن ماهي المبادئ التي اسس عليها الاستعماري الفرنسي نظامنا السياسي وغيره من انظمة الحكم في المنطقة؟
سنجيب على هذا السؤال من الفكر السياسي المعاصر لتلك المرحلة، وذلك تجنبا لمحاكمة الاحداث التاريخية خارج الشروط الموضوعية التي ساعدت على قيامها،،
لقد ذكر/ جان بول سارتر/ وهو الفيلسوف والسياسي المعاصر للحرب العالمية الثانية، ولحركات التحرر في العالم الثالث، وكان نقده موضوعيا، وقد حذر من تلك الاسس التي أسست عليها النظم السياسية في المستعمرات،، وجاء توصيفه لها في تقديمه الموضوعي لكتاب "معذبو الارض" لصاحبه /فرانس فانون/، وهذه المبادئ كانت للتعويض عن مطالب الشعوب بتوجيهها نحو " الزعيم، عبادة الشخص، والثقافة الغربية، وكذلك عودة الماضي البعيد من الثقافة الافريقية،،" ( ص 5)، وهل نسي احد منا ما كان يشكل به وعي الناشئة ، والاجيال الموريتانية عن دور "قائد الأمة وابنها البار المختار ولد داداه، " ـ رحمه الله ـ ولازلنا نتذكر دور الاذاعة التي كانت برامجها مقتصرة في الاغلب على البرامج الترفيهية، والغناء والادب الشعبي،،
وعلى الرغم من تغيير الرؤساء فان قائد الامة وابنها البار اطلق على كل الرؤساء كالمصطفى ولد السالك ـ رحمه الله ـ وحتى على /معاوية ولد سيد احمد الطائع،وهو (...) المطبع مع الصهاينة، كما اطلقت الالقاب على الرؤساء التالين ، وكانهم مستنسخين، اذ كانت لهم ذات الصفات التعظيمة ، وان افقتقد معظمهم لابسط ملامح الشخصية الكاريزمية، والقيادة ، لكن الاعلام الحكومي ـ ولم يكن الا هو حتى الان وغيره تابع له ـ لم يغير دوره الوظيفي في الدعاية الهابطة، والاهتمام بالغناء والبرامج الترفيعية، وبالمواضيع التافهة،،
ان هذه المعطيات تشير الى ان النظام السياسي عبر عمره المديد، لم يستطع ان يجدد نفسه بما يتيح له فرصة تجاوز المبادئ الاولى التي وضعها القادة الاوائل لنظام سياسي تحت ظروف استثنائية ،،
وقد كانت فرنسا تقدم مشروع الحماية العسكرية تحت الحاجة، لكنها حاولت ـ عبثا ـ اخفاء التبعية بما يسمى الاستعمار الجديد الذي هو الظاهرة المستحدثة التي شكلت الانظمة السياسية ، ومن ضمنها نظامنا السياسي منذ تأسيسه الى يومنا هذا, ونخشى ان يبقى على عتبة التاسيس الى يوم الدين في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية،،
ان الاستعمار الجديد عرفه /سارتر/ في خمسينيات القرن الماضي في قوله: " لقد اصبحت اساليبنا رثة بالية: قد تستطيع ان تؤخر التحرر في بعض الاحيان، ولكن لن توقفه، ولانتخيل ان في وسعنا ان نعدل طرائقنا، ان الاستعمار الجديد، هذا الحكم الكسول الذي تحمله عواصم أوروبا، ليس الا هراء ، ان (( القوى الثالثة )) لا وجود لها ، او هي البورجوزاية العميلة التي جعلها الاستعمار في الحكم ، ان الاساليب المكيافيلية ليس لها كبير سلطان على هذا العالم الذي تيقظ تيقظا قويا وفضح أكاذيبنا واحدة بعد اخرى"(ص5)،،
فهل تغير الاستعمار الجديد الا الى الاسوإ بعد توظيفه للاحتجاجات الشعبية، وتدخله تحت فقاعة غسيل اخلاقه المتوحشة، وادعائه ((حماية )) المدنيين وتقديمه لقوات حلف "الناتو" كقوة اسناد ((للثوار))
لتأسيس أنظمة ديموقراطية،تسبح في بحور من الدماء، ومرتزقة الثوار المستجلبين بتمويل الملكيات، والاميريات، والسلطنات العربية المناهضة لكل مظاهر الحداثة في الحكم السياسي،، ؟
وهل تغير وعي الساسة في نظام الحكم في بلادنا بعد استدعاء قادتنا على عجل لمؤتمر / باريس/ وذلك لتقديم طلب الحماية العسكرية الفرنسية التي استقدمت لتختلس المعادن الثمينة في جمهوريتي النيجر ومالي وتصدرها ــ في ظلمة ليل عبر المطارات العسكرية والمدنية معا، وعلى غفلة من الزمن الرديء ــ الى فرنسا المهزومة في كل الحروب المعاصرة،، ولعل وظيفتها الاساسية هي حماية انظمة الحكم في دول الساحل من غضب شعوبها قبل استجلاب المتطرفين من بؤر الصراعات الاقليمية في وطننا العربي الكبير؟