
يكثر الحديث في أوساط النخب عن الهوية، في مقابل الدولة احيانا، وفي مقابل الوطنية احيانا أخرى، وهذه المفاهيم الثلاثة، في غاية الأهمية لاي شعب في أي مكان، وفي اية فترة معينة من التاريخ.
فماهي الهوية؟ وماهي الدولة؟ وكيف تتكون الهوية الوطنية؟
تأسست الدولة في عصرنا الحديث كإطار سياسي وقانوني، لابد منه لأي شعب، كي يتمكن من الاعتراف به في الساحة الدولية، عن طريق الأمم المتحدة، التي تسلم للدول شهادة الميلاد، لقد انتظرت موريتانيا شهادة ميلادها سنة كاملة، حتى تُقبل مع منعوليا، لتولدا في نفس اليوم 25/10/ 1961.
يشترط في الدول: الأرض والشعب والسلطة، وهذه الشروط إجرائية، قريبة من شروط سن الرشد في القوانين الشخصية، فلا يشترط مثلا العقل او حسن التدبير، فالدول التي تحدث فيها انقلابات كثيرة، وتمتاز بالفوضى وسوء التدبير والفساد المتواصل والمؤصل تظل أعضاء في الأمم المتحدة.
أما الهوية فتعرف بالنسبة للعلوم السياسية، بأنها: (مجموعة الخصائص والمميزات، لأمة او جماعة معينة مثل: الثقافة، اللغة، الدين، التاريخ، القيم، المعتقدات. وقد تتطور الى الانتماء الى مجموعة سياسية او اجتماعية معينة، وفي هذه الحالة تتداخل الهوية مع الولاء والانتماء، وتصبح عاملا مؤثرا في مواقف أصحابها من القضايا السياسية، حيث يبنون مواقفهم على أساس هوياتهم الدينية او الإثنية.)
و من هنا فمن الغالب، ان تتعدد الهويات داخل الدولة الواحدة، خاصة في الدول ذات المساحة الجغرافية الواسعة، حيث تشكل الجماعات التي تعيش في الحدود جزء من هويات منتشرة في الدول الأخرى، ويعتبر هذا عامل قوة للبلد في مجال تنوعه الثقافي وحسن العلاقات مع تلك الدول، كما تساعد البلد في تشكيل هوية وطنية قوية تأخذ من كل إيجابيات الهويات الأخرى.
ومن الجدير بالذكر، أن الهوية تلعب دورا كبيرا في ترسيخ الوطنية لدى المواطنين، كالشعور بالانتماء للوطن، والولاء التام له، والاعتزاز به، والعمل من أجل المصلحة العامة، والدفاع عن الوطن على كل الصعد.
ولكن ماذا نعني بالوطنية؟
الوطنية رابط اجتماعي وسياسي قوي، يربط أبناء الدولة الواحدة، يقوم على الولاء التام للدولة، واحترام نظمها القانونية، ونظامها السياسي القائم، و حماية القيم التي تمثلها الدولة مثل الحرية والعدالة و المساواة، والعمل من اجل مصلحة الوطن وجعلها فوق كل اعتبار، والدفاع عن الوطن وحمايته على كل الصعد، يجب ان يتعزز بالوطنية رابط التضامن بين الشعب و تتحقق روح العمل الجماعي، والمسؤولية الجماعية، فالوطنية لا تعني فئة دون أخرى، إنها مسؤولية جميع افراد المجتمع بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية و السياسية.
تتشكل الهوية الوطنية- التي هي ضمان بقاء الوطن- على مر السنوات من انصهار جميع هويات مختلف مكوناته، عن طريق القانون الطبيعي المعروف (البقاء للأصلح).
هذه الهوية الجديدة التي تتشكل من الاندماج، والتي يجد فيها كل مواطن ذاته، ويفخر بها،هي التي يجب على النخبة العمل على تسريع نضوجها، من خلال اعتبارها هدفا، يسعى الجميع إليه.