تكررت فى موريتانيا فى السنوات الاخيرة وبوتيرة متصاعدة ظاهرة نفوق الأسماك وبشكل اكبر في سنوات 2005، 2008، 2010 و2017، وفى الأسبوع الماضي تم تسجيل نفوق 200 طن من الأسماك من فصيلة البوري قبالة الساحل الموريتاني، وهو ما ينذر بوجود خلل فى نظام البيئة البحرية قد يهدد الثروة السمكية والاحياء البحرية. وتوجد أسباب مختلفة قد تكون وراء الموت الجماعي للأسماك من بينها الصيد المرتجع من السفن، وظاهرة الاختناق الناجمة عن انخفاض الأوكسجين المرتبط بارتفاع درجات الحرارة وضعف الرياح، بالإضافة للتلوث، وأعمال التنقيب عن النفط فى المياه الموريتانية.
ولتسليط الضوء اكثر على الأسباب المُحتملة وراء نفوق هذه الكمية الكبيرة من الأسماك دفعة واحدة والتاثيرات السلبية لتكرار هذه الظاهرة، اتصلت اقلام بعالم البيولوجيا البحرية والأستاذ بجامعة ألاسكا الامريكية، البروفسور ريتشارد ستاينر، والذي له أبحاث منشورة حول المخاطر التى تواجه الثروة والاحياء البحرية فى موريتانيا، وتحدث معنا حول الأسباب المُحتملة لحادثة النفوق الاخيرة، وما يقترح على الحكومة القيام به لحماية الثروة السمكية التي هي مورد ومحرك أساس للاقتصاد الموريتاني.
وردا على سؤال اقلام حول الأسباب المُحتملة لموت هذه الكمية الكبيرة من الأسماك فى موريتانيا، قال عالم الأحياء البحرية الامريكي، ستاينر، انه فى غياب بيانات واضحة تمكن من فهم أفضل لملابسات الحادثة التي حصلت فى المياه الموريتانية سيكون من الصعب التكهن بشأن سبب نفوق هذه الكمية الكبيرة من سمك البوري (وهي اسماك جميلة ذات جسم انسيابي من عائلة Mugilidae) . ومع ذلك ، يمكن أن يكون نفوق البغال السمكية على نطاق واسع بسبب ازدهار العوالق النباتية السامة (الدينوفلاجيلات - "المد الأحمر" - مثل كارينيا بريفيس). ويمكن أن يحدث هذا التكاثر عندما ترتفع درجة حرارة الماء ومستويات المغذيات حيث يودي تكاثر الطحالب (المد الأحمر) الى القضاء السريع على الأكسجين المذاب في الماء، مما يؤدي إلى قتل الأسماك.
واضاف سباينسر أن كيمياء المياه فى المنطقة التى وقعت فيها حادثة نفوق الاسماكً فى موريتانيا قبل ايّام تبدو ملائمة لحدوث مثل هذا التكاثر للطحال السامة. كما يمكن لعوالق المد الأحمر (Karenia brevis) إدخال مادة سامة تسمى "brevetoxine" في الأسماك، والتي تقتلها. مشيرا الى ان سمك البوري بشكل عام شديد التحمل ويتحمل درجات الحرارة المرتفعة ، والملوحة المتغيرة ودرجة الحموضة ، ولكن له أيضًا لتحمله حدوده. وبالتالي، إذا حدث المد الأحمر ، فإنه يقضي على اسماك البوري من خلال انخفاض محتوى الأكسجين المذاب (وبالتالي عن طريق الاختناق) وإدخال السموم (على سبيل المثال brevetoxine) في أنسجته.
وتابع البروفسور وعالم البيولوجيا البحرية الامريكي، فى حديثه مع صحيفة اقلام، قائلا "قد تكون هناك تفسيرات أخرى محتملة ، وأنا واثق من أن جميع الأسباب المحتملة سيتم التحقيق فيها بدقة بواسطة المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد. وايضا إذا كانت هناك حفارات نفطية قريبة من الشاطئ تقوم بتفريغ كمية كبيرة من سوائل الحفر أو المياه المنتجة ، فقد يساهم ذلك أيضًا فى نفوق الأسماك، وفِي هذه الحالة يجب أخذ عينات من الأنسجة لكشف التسمم بالزيت والمعادن الثقيلة. أو ، إذا كانت المسوحات السيزمية المنفذة من قبل شركات النفط جارية في المنطقة في ذلك الوقت ، فسيتعين فحص جثث سمك البوري الميتة بحثًا عن علامات للصدمة الصوتية".
وبخصوص سؤال اقلام عن السبل الانجع لمنع تكرار حوادث نفوق الاسماك بكميات كبيرة، قال البروفسور ريتشار ستاينر انه يجب على الحكومة الموريتانية أن تجعل مسالة حماية الأحياء البحرية أولوية مطلقة، اذ تعتبر صناعة صيد الأسماك في موريتانيا حيوية للاقتصاد والثقافة المحلية، والطريقة الوحيدة للحفاظ على الموارد البحرية هي من خلال الإدارة الحكومية القوية بضمان الحماية. ويجب أن يشمل ذلك تمويلًا قويًا للبحوث البحرية الخاص بالمياه الموريتانية وتطبيق نتائج البحوث لحماية النظم البيئية البحرية. كما يجب إنشاء ومراقبة المناطق البحرية المحمية. اضافة الى ان المجتمع المدني المحلي يحتاج إلى مقعد على الطاولة للمساعدة في اتخاذ كل هذه القرارات. كما يمثل النفط البحري خطرًا كبيرا للغاية ويجب إدارته بحذر شديد ، إن لم يكن محظورًا على الإطلاق.
وختم الخبير البيولوجي المهتم بالثروة البحرية فى موريتانيا حديثه معنا بالقول "أشجع بشدة حكومة موريتانيا على توسيع برنامج الرصد البيئي الأساسي في البحر وتحسين إدارة مصايد الأسماك البحرية الأجنبية واستكشاف وإنتاج النفط والغاز".