أية  حكومة نريد من أجل عهد جديد؟

تساؤلات تمهيدية ..

 

 أهي حكومة مشاريع كبرى أم فقط حكومة تصريف أعمال؟

 

أهي حكومة كفاءات تقنية ودراية عالية  وجرأة  راقية  في مسار  الفعل العمومي بعزيمة قوية ورقابة ومتابعة للعمل من أول يوم تبادل المهام ؟ أم  حكومة رتابة وخمول وعدم اهتمام تماماً وفق ثقافة ازدرائية ولا مبالاتية من نوع ( "ذ ماهو مهم) وذ كامل عادي وذ گاع ماهو اكبر من گدو؟) وهكذا دواليك دون اكتراث ولا مبالاه بالعمل الجاد ولا علو همة للوطن ؟ بين هذه التساؤلات وتلك ، ثمة الحقيقة المؤسسية-الأم لانطلاق المأمورية في كنف الشرعية والمشروعية وهذه الحقيقة هي نتاج إرادة الشعب الموريتاني الأبي الحر التي عبر عنها بانتخابه محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً لمأمورية ثانية ، رئيسا ً لكل الموريتانيين والموريتانيات ، رئيسا منتخبا ً على أساس برنامج واقعي و طموح امتاز -في جانب حيوي منه -بالتعهد الواضح الصريح بأن تكون المأمورية الجديدة مأمورية حكم بالشباب وللشباب والخير كله في الشباب كما قال الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. في هذا السياق بات جليًا على منصات النقاش في الفضاءات العمومية ، أن ثمة قدر كبير من التعاطي الإيجابي مع هذا التوجه رغم أنه بالموازاة مع ما يحمله من بوادر إمكانات بزوغ فجر جديد لأمل وطني مشروع وآفاق تنموية واعدة إلا أن عديد المراقبين يلاحظون تزايد حجم وكثافة التساؤلات المشروعة عن كنه و وبصمة المأمورية الجديدة على الصعيد الهيكلي والإداري .. فهل ستحمل التشكيلة الحكومية الجديدة بصمات هيكلية لتوجه سيادي قوي يضمن لبلادنا أمنها السيادي و الاقتصادي ويعزز تحالفاتها اجيوستراتجية ويقوي عنايتها بموريتانيّي العالم أي الجاليات ودورها في التنمية المحلية وفي ربط جسور تعاون بناء مع بلدان إقامتهم ؟

 

وهل من شأن المأمورية الجديدة أن تكون كما أكد فخامة رئيس الجمهورية في برنامجه الطموح مأمورية شباب بحق أم فقط مجرد مأمورية تطعيم بالشباب كما كان عليه الحال من قبل وبالتالي لا يكون الوصف مطابقا للموصوف في ذمة البرنامج المتعهد به أمام الموريتانيين.؟

 

نرجو وترجو عموم القوى الموريتانية الطامحة لرؤية التغيير أن لا يحول أيّ حائل بين ما وعد به رئيس الجمهورية وما سيكون على أرض الواقع. صحيح أن مسار ترجمة النوايا إلى وقائع ليس مسارا سهلا حيث يتعرض عادة لعديد الإكرهات وأحيانا تتحكم فيه عديد التفاعلات البيروقراطية التي من الصعب كبح جماحها عن إعاقة كل المشاريع الطموحة على مسار الأمل المنشود لكن لا شيء مستحيل حين تتوفر إرادة الفعل بجد وإصرار وصدق عزيمة. وصحيح أيضا أنه لن يكون بالإمكان التغلب على المعيقات البيروقراطية المتجذرة في جسم الإدارة إلا بدافعتين ضروريتين لتحريك عجلة الإصلاح بشكل لا لُبس فيه ولا مواربة : أولى تينك الدافعتين هي الإرادة السياسية القوية وقد تم التعبير عنها في البرنامج الرئاسي عبر طموحات صادقة لموريتانيا ومسارها التنموي الواعد بإذن الله أما الدافعة الثانية وهي أصدق إنباء ً من الأولى فتكمن في الضرب بيد من حديد على الفساد ومن ثمة المعاقبة الصارمة الرادعة لكل صنوف الاحتيالات والتحايلات على المال العام ..

 

وما من شك في أنه يمكن تحقيق هذا الهدف بتفعيل الأجهزة الرقابية أكثر وابتكار آليات إنذار مبكر يتاح لعموم المواطنين من خلالها أو على الأقل يُتاح من خلالها لمراصد المجتمع المدني ، المساهمة الفعالة في الحرب على الفساد بل والمثوبة على الإسهام في ذلك عبر توشيحات موسمية وتشجيعات معنوية هادفة كما أنه يجدر العمل على إقامة حملات قوية في الإعلام العمومي ضد الرشوة وضد التحايل على الصفقات العمومية. في المقابل لعله يجدر التذكير بحقيقة جوهرية أخرى وهي أن طموح الشعب الموريتاني لا يقتصر على مجرد المطالبة بمأمورية شباب إذْ ليس الشباب غاية في حد ذاته إنما هو وسيلة بحكم حيويته وديناميكيته وقدرته العضوية على تحقيق أهداف أسمى ومصالح عليا للأرض والوطن لذا بصراحة إنما يتوق الشعب الموريتاني لحكومة أوراش كبرى ، حكومة عمل وحُسن أداء ، حكومة وضوح رؤية و إدارة بالأهداف وفق بوصلة المصالح العليا مع كامل السلطة والإرادة ووافر الريادة والقدرة على مواكبة جهود محاربة الفساد بمشاريع كبيرة تزيد وتيرة النماء ضمن رؤية استراتيجية متكاملة لبلد مازال بعيدا عن نظرائه على سلم النمو وبالتالي يحتاج سياسات تنموية قوية ، عمادها توسيع حجم التغطية بالخدمات ووتحسين شبكات البنى التحتية واللوجستيكية وإطلاق مشاريع إنتاجية عملاقة تكون بمثابة الليكومومتيف أو العربة المحورية لتحريك قطار التنمية المحلية بوتيرة سرعة مُشرّفة تناسب حجم التحديات وتضمن كسب الرهانات والتطلعات الكبيرة المعلقة على عاتق المأمورية الجديدة من كل ما عساه ينفع الناس ويمكث في الأرض. على الصعيد الهيكلي وكما يقول الإداريون ثمة علاقة وطيدة بين الوجهة الاستراتيجية و البنية أو التشكيلة الهيكلية المختارة لترجمتها إدارياً لذا صراحة من الضروري في التشكيلية الحكومية المرتقبة إعادة النظر في الهيكلة الوزارية والعمل على جعلها مستقرة طيلة المأمورية من ذلك أنه فضلاً عن إمكانية دمج بعض الوزارات لتحقيق وفرات ميزانوية مهمة وفضلا أيضا عن واجب الثبات على مسميات الوزارات السيادية المعروفة إلا أنه ربما يجدر هنا اقتراح تجديد في بعض المسميات لإعطاء إشارة أو وجهة استراتيجية ودفعة رمزية قوية من خلال المسمى ..من ذلك ضرورة ظهور مفهوم السيادة الغذائية في إحدى الحقائب الوزارية ..و من ذلك أيضا ضرورة الجمع بين وزارتي الاقتصاد والمالية في وزارة كبيرة وفقط تخصيص كتابة دولة للخزينة والحسابات العمومية ‏Secrétariat d’état pour les comptes publics كما نقترح إعادة تسمية وزارة التهذيب تحت مسمى : وزارة دولة للتربية الوطنية / éducation nationale وطبعا ستغطي هذه الحقيبة الوزارية الكبرى كل مجالات عمل وزارة التهذيب الوطني المعهودة ٢- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ( ولها أن تغطي كل مجالات وشؤون الجامعات والمعاهد العليا ومع إضافة البحث العلمي نعطي إشارة توجه استراتيجي لدعم الابتكار والابداع وتهيئة المناخ لذلك ) كما نرجو ظهور وزارة تحت مسمى السيادة الغذائية والتنمية الريفية والإنتاج الحيواني ( يكون لها أن تجمع بين وزارتي الزراعة والبيطرة وعموم ما يصب في مسار تحقيق الاكتفاء الغذائي ) إذ لا معنى ولا مسوغ كاف لفصل خلايا إدارية يجمعها نفس القطاع في جوهره. بذات التوجه نتوق لرؤية وزارة مكلفة بالعمل على الاستباق في مجال السيادة الرقمية والابتكار التكنولوجي وفي الختام نريد تجديد التأكيد على أنه في التشكيلة الحكومية الجديدة وانسجاما مع اهتمام فخامة رئيس الجمهورية الأصيل بموريتانيّي العالم ودورهم الحيوي ليس فقط بتحويل الرساميل للأهل والخلاّن وإنما بنقل الخبرات والتجارب من كل مكان لذا يستحقون أن تقام لهم وزارة متكاملة معنية بمصالح عموم شبكات الجاليات ودورها التنموي في ربط موريتانيي المهجر بالوطن وتراثه وتفعيل إسهاماتهم في كسب رهان التنمية لموريتانيا الحاضر والمستقبل.

جمعة, 19/07/2024 - 13:11