لقد أوضحتُ في عدة مقالات سابقة، وبعضها تم نشره من قبل مغادرة الرئيس السابق للسلطة، بأن الرئيس السابق سيخرج من السلطة وهو لم يعد يمتلك أية ورقة ضغط، وبأن الورقة الوحيدة التي ستبقى لديه هي العلاقة القوية التي تربطه بصديقه الرئيس الجديد، ولذا فمن مصلحته الخاصة أن يعمل على تعزيز تلك العلاقة وعلى تقويتها، ولكن الذي حصل بعد ذلك كان أقرب إلى هدم الثقة وإضعاف تلك العلاقة بدلا من تعزيزها وتقويتها.
كما أوضحتُ أيضا في تلك المقالات بأن من مصلحة الرئيس السابق أن يبتعد تماما عن الأضواء والصحافة، أو على الأقل، خلال العام الأول من مغادرته للسلطة، فأي إطلالة أو أي ظهور إعلامي في هذه الفترة لن يكون في صالحه، وسيجلب له من الأضرار الشيء الكثير. ولعلكم تذكرون حجم الأضرار السياسية التي تكبدها الرئيس السابق بسبب اجتماعه بلجنة تسيير الحزب الحاكم، وحجم الأضرار الإعلامية التي تكبدها بسبب مؤتمره الصحفي الذي عقده في منزله بعد اجتماعه بلجنة تسيير الحزب.
لقد ارتكب الرئيس السابق أخطاء كثيرة في حق نفسه، كما ارتكب مناصروه الذين يعدون بأصابع اليد أخطاء لا تقل خطورة، وذلك عندما دفعوا به إلى مواجهة غير متكافئة.
نعم إن من المناصرة ما قتل، فمن كان يقول للرئيس السابق بأنه هو مؤسس الحزب الحاكم، وأنه وهو مرجعيته، إنما كان يدفعه بذلك القول إلى معركة خاسرة. ومن كان يقول له بأن الرئيس الحالي هو ظله في الرئاسة، وأن عليه أن يتصرف على ذلك الأساس، إنما كان يريد أن يكشف عنه غطاء الحماية، وأن يجعله في مرمى نيران الأصدقاء من قبل الخصوم.
هذه حقيقة واضحة، ويبدو أن من يكتب البيانات التي توقع باسم بدر ولد عبد العزيز نجل الرئيس السابق أدرك هذه الحقيقة، فأغلب تلك البيانات طالبت بوقف التظاهر وبعدم الإساءة للرئيس الحالي، بل أكثر من ذلك فقد اعتبرت أن بعض المناصرين ما هم إلا مجموعة من المندسين تعمل لصالح أعداء الرئيس السابق، وتسعى إلى إلحاق الضرر به.
اليوم يكرر أنصار الرئيس السابق نفس الأخطاء، وذلك عندما حاولوا أن يقنعوا الرأي العام بأن النظام القائم يخاف من مؤتمر الرئيس السابق، ويخاف مما سيكشف في هذا المؤتمر، ولذلك فقد عمد النظام الحاكم على إلقاء القبض على الرئيس السابق كلما اقترب موعد المؤتمر.
فماذا سيقول هؤلاء عندما يسمح للرئيس السابق أن يعقد مؤتمره الصحفي؟
وماذا سيقول الرئيس السابق في مؤتمره الصحفي الذي تم الترويج له كثيرا من طرف أنصاره الذين يعدون بأصابع اليد؟ وهل ستكون هناك مفاجآت في هذا المؤتمر كما يقول أنصار الرئيس السابق؟
الراجح عندي أن المؤتمر سيأتي بنتائج عكسية، وسيتسبب في مزيد من الخسائر، فالرئيس السابق لن يكون بمقدوره أن يجيب إجابة مقنعة على السؤال الأهم الذي يطرحه الآن الموريتانيون، وهو السؤال الذي يقول : كيف استطاع الرئيس السابق أن يجمع ثروته الطائلة، وهو الذي كان لا يملك وحتى وقت قريب إلا حفارة واحدة تقوم ببعض الأعمال الخيرية؟ فكيف جمع هذه الثروة الهائلة في فترة كان يحرم عليه فيها مزاولة أي نشاط تجاري؟ فحتى راتبه الذي كان يتقاضاه في فترة رئاسته لم يسحب من البنك، وبالتالي فلم يستخدم في ممارسة أي نوع من أنواع تجارة.
لن يقدم الرئيس السابق في مؤتمره الصحفي جوابا متماسكا على هذا السؤال الملح، ولن يقدم مفاجآت تدين بشكل موثق خصومه، وسيكون تركيزه على كلام مكرر لا يقدم ولا يؤخر، وبذلك فإن المؤتمر الصحفي للرئيس السابق سيؤدي في المحصلة النهائية إلى خسارة سياسية وإعلامية جديدة تنضاف إلى الخسائر المتعددة التي تكبدها الرئيس السابق منذ خروجه من السلطة.
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين ولد الفاضل