علي هامش الورشة التي اختتمت الخميس الماضي الموافق 5 يناير ،التي نظمتها معادن موريتانيا مع المعنيين بالتعدين الأهلي وشبه الصناعي للذهب ،يحق لنا أن نتصفح البيان الختامي كمنظمة غير حكومية دارسة للمجال بعناية ودقة عن تجاهل تلك الورشة للتأثيرات البيئية للتعدين الأهلي وسبل تطويقها , قبل أن تحدث كارثة حقيقية ،ولتسليط الضوء على هذا الموضوع لابد أن نُذكر أن الوزير الأول ذكر في خطاب له أمام البرلمان الموريتاني أن انتاج البلد من الذهب يقدر بحوالي 34,4 طنا لعام 2022 منها 20 طنا من التعدين الأهلي -التقليدي وشبه الصناعي- وحسب أرقام أخري ارتفع الى حدود 40 طنا , لا شك أن مثل هذه الإنتاج يُشكل رافعة اقتصادية مهمة للاقتصاد الوطني خاصة في السنوات التي شهدت فيها أسعار الذهب ارتفاعا لم يسجل من قبل بفضل حالة للا استقرار حيث يلجأ المستثمرون إلى شراء الذهب المستثمرون كوسيلة للتحوط من التضخم أو لتمرير ثروتهم من جيل إلى آخر
في موريتانيا ومع ظهور الذهب التقليدي توافد الأجانب للإستثمار فيه ،وحسب دراساتنا الدورية فإنه في مقاطعة الشامي يُوجد 28 مصنعا متخصصا في المعالجة والإنتاج ،هنا لابد أن نتناول كيفية معالجة التربة التي يُستخرج منها الذهب لفهم الآثار البيئية على المديات القريبة والمتوسطة وحتي البعيدة
حيث يُستخدم الزئبق الذي سبق أن أشرنا إلى تأثيراته السلبية على الفرد و البيئة فهو عنصر كيميائي يتميز بقدرته على الإرتباط بالذهب و يستخرج العاملون الذهب من خلال مزج الزئبق المعدني السائل مع الرمل أو الطين الذي يحوي الذهب بنسبة قليلة، فيرتبط الذهب مع الزئبق المعدني من خلال عملية كيميائية بحتة، فيتم التخلص من الزئبق عن طريق الغسل ما يؤدي إلى تلوث البيئة المحيطة
يعد الزئبق السائل المستخدم في استخلاص الذهب من أخطر الملوثات الموجودة في التعدين التقليدي حيث يتبخر الزئبق إلى داخل الغلاف الجوي ويتم استنشاقه عن طريق الرئتين وهو سهل الامتصاص والانتشار في جميع أجزاء الجسم، وأكدت الأبحاث أنه يؤثر على الجلد.ولا توجد أرقام دقيقة عن حجم استخدامه الحقيقي ولا عن الكميات التي تدخل منه في البلد ،الشيء الذي يُساعدنا على تصور حول كيفية الحد منه على المدي القريب أو المتوسط.
صحيح أن الزئبق عنصر شديد السمية قد يخلف آثارا سامة على الجهازين العصبي والهضمي للمستنشق له كذالك على جهاز المناعة وعلى الرئتين والكليتين والجلد كما أشرنا إلى ذالك سابقا ،لكن تلوث الغلاف الجوي هنا يطرح بإلحاح ضرورة الحد من المادة بأسرع وقت ممكن و ضرورة تحسيس وتوعية المعالجين والساكنة على تلك الأخطار التي تهدد البيئة عموما
كذالك لُوحظ في الآونة الأخيرة انتشار المعالجة بمادة أسيانيد من خلال مصانع قريبة من المدينة و دون مراعات لكثير من الإجراءات الأحترازية خاصة عند التعامل مع مخلفات هذه المادة السامة جدا ،حيث يعمدُ المعالجون -شركات ضرورة -إلى ردمها (دفنها) في أحواض إسمنتية كبيرة ،هنا نُذكر ببعض جوانب التقنيات المتسخمة وبعذ انعكاساتها ,
- حيث يمزج مسحوق الذهب مع محلول السيانيد في أحواض خاصة ويصفى السائل المؤكسج الناتج عن تلك العملية، قبل أن يقطر بإضافة غبار الزنك وبعد ذلك يقطر سائل الذهب ويذاب في فرن ثم يصب على شكل قوالب.
-أحواض التطهير المستخدمة عموماً لا تحمي من التسرب، والنسبة المسموح بها لاستنشاق مادة السيانيد هي خمسين جزء من المليون من الجرام، و ما يزيد عليها هو يمثل خطراً على حياة الإنسان.
التعرض المزمن لكميات ضئيلة من السيانيد يؤدي إلى رفع نسبته في الدم مما ينتج عنه ضعف متواصل في عضلات الجسم والجهاز العصبي، ويتسبب السيانيد في إيقاف عمل أنزيمات مهمة لعملية تنفس الخلية الحية واستخدامها للأكسجين، واتحاده مع عنصر الحديد الموجود في الهيموقلوبين لخلايا الدم الدم الحمراء وبالتالي تعجز خلايا الجسم عن إنتاج مركبات الطاقة اللازمة لعمل وحياة أعضاء مهمة في الجسد مثل القلب والدماغ.
-التربة الملوثة بالمادة بمجرد أن يلامسها جسم إنسان أو حيوان فإنه يتعرض للتسمم، وتزداد خطورة هذه المادة مع هطول الأمطار على التربة الملوثة حيث تجرف المياه التربة وتذوب هذه السموم في الماء الذي يشربه الإنسان والحيوان.
-كما أن جزءاً مقدراً من هذه المياه قد يصل المخزون الجوفي الذي يتسمم هو الآخر.
- ان المخلفات التي تمت معالجتها بالسيانيد اذا تركت تكون عادة على شكل جبال في الهواء الطلق تنقلها الرياح ولقرب البحر من تلك المناطق فان ذالك يشكل خطرا على البيئة البحرية عموما هنا تجدر الإشارة الى أنه في مناطق مثل اندنوسيا والفلبين استخدمت مادة اسيانيد في عملية صيد الأسماك ما أدي الى تدمير البيئة البحرية بشكل لم يراه العالم من قبل .
ختاما لابد من وضع تصورات و استثمار بعض العائدات , على المحافظة على البيئة البرية والبحرية قبل أن تحل لعنة الكوارث حينها لن ينفع معها أي شكل من أشكال المعالجة.
محمد عينين احمد
رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة في موريتانيا