بعد طوفان الأقصى الذي جاء نتيجة لعقود طويلة من الاحتلال وانتهاك المقدسات وسنوات متتالية من الحصار وجولات قاسية من العدوان على غزة، نسجت إسرائيل سلسلة من الأكاذيب والبكائيات والروايات الوهمية والمبالغات الخيالية وقدمت نفسها بصفتها ضحية، فتداعى العالم الظالم إلى دولة الاحتلال يتباكون ويقدمون بيعة الطاعة والولاء ويتنافسون في تقديم أنواع الدعم.
بنيت مواقف أمريكا والدول الغربية على جملة عناصر كلها تخرج عن سياق العدل والإنصاف وتشرع الظلم والعدوان:
- الأزمة بدأت، حسب التصور الغربي، يوم السابع من أكتوبر
- حق إسرائيل في الدفاع عن النفس
- الإفراج الفوري عن "الرهائن" الإسرائيليين دون شروط في تجاهل كامل للأسرى الفلسطينيين الذين اختطفوا من بيوتهم ومنهم الأطفال والنساء والمرضى ومنهم من قضى عشرات السنوات في الأسر.
- الطرف الفلسطيني هو الطرف الإرهابي المعتدي
- تجاهل أن أصل الأزمة هو الاحتلال وجرائمه المتكررة.
جاء بايدن ووزيرخارجيته وجاء وزير دفاعهم وقادة جيوشهم، وجاء الزعماء والمسؤولون الأروبيون مثل المستشار الألماني ورئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي ووزيرة خارجيته وجاءت مفوضة الاتحاد الأروبي التي زارت غلاف غزة في خروج على الأعراف الدبلوماسية في خطوة لإظهار التضامن مع جيش الاحتلال.
كان التعاطف كاملا وواضحا فهذا الرئيس الأميركي جو بايدن يقول أثناء زيارته التضامنية إلى تل أبيب: إن إسرائيل يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل "لعملنا على إقامتها". وقال أيضا: "لست بحاجة إلى أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً". وهذا وزير خارجيته بلينكن يقول إنه لم يأتِ لإسرائيل كونه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط؛ ولكن بصفته "يهوديا فرّ جده من القتل" ، وكأن الفلسطينيين هم الذين قتلوا أباه.
حضر بايدن ووزير خارجيته ووزير دفاعه مجلس حرب دولة الاحتلال بل إنهم أداروا الحرب وأرشدوا المحتلين إلى الاستراتيجيات التي "تضمن لهم تحقيق أهدافهم" ، وكان شعارهم الدائم هو حرصهم على التأكد من أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ويمكن أن نقول دون مبالغة إن بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة، تولى منصب رئيس أركان حرب دولة الاحتلال إذ أنه هو من يدير العدوان على غزة.
وظهر موقف ألمانيا في طليعة المواقف الأوروبية الداعمة لدولة الاحتلال والمعارضة لأي شكل من أشكال دعم الفلسطينيين، وحتى الأطفال منهم، فقد ذكر المستشار الألماني شولتز في كلمة له أن "إسرائيل دولة ديمقراطية – يجب أن يقال هذا بوضوح شديد". وأكد أنه "في هذه اللحظة، لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا هو جانب إسرائيل". وحسب وجهة النظر الألمانية فإن المعركة اليوم هي بين "الديمقراطيات الغربية" الممثّلة بإسرائيل وآخرين "لا يستحقّون الحياة". وقد لخص المستشار الألماني مؤخرا الموقف بقوله إن أمن إسرائيل مصلحة وطنية ألمانية.
وقال الرئيس الفرنسي ماكرون:" إنه يدعم بشكل لا لبس فيه حق إسرائيل وواجبها في الدفاع عن نفسها وأعرب عن دعمه للحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس". كما دعا إلى تشكيل تحالف إقليمي ودولي لمكافحة التنظيمات الإرهابية على غرار التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش" من أجل محاربة حركة حماس وهذه الدعوة تفرد بها ماكرون.
أما رئيس وزراء بريطانيا سوناك فقال: ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". أما وزير خارجيته فقد صرح لإحدى القنوات الفضائية بجملة من الأكاذيب والمواقف المؤيدة للاحتلال والمعادية للفلسطينيين وهذه بعض تصريحاته:
• لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكننا نحثها على ضبط النفس والاحترافية.
• السلطات الإسرائيلية تعهدت لنا باحترام القانون الدولي.
• نريد من حماس إطلاق سراح الرهائن وتفكيك بنيتها العسكرية القريبة من المستشفيات والتجمعات المدنية.
• نعرف أن حماس "تسرق من الشعب الفلسطيني في غزة".
• الدعوة إلى وقف إطلاق النار الآن ليست هي الإغاثة التي يحتاجها الشعب الفلسطيني، بل الواقعية تقتضي أن نضغط لمعالجة الوضع الإنساني في غزة.
• نعلم أن حماس يضعون بنيتهم العسكرية التحتية تحت المستشفيات.
تصريحات الوزير البريطاني توضح بجلاء تبني المملكة المتحدة لرؤية دولة الاحتلال ومواقفها وأكاذيبها مثل قوله إن إسرائيل تعهدت باحترام القانون الدولي، بينما العالم يشهاد على الهواء الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والقيم الإنسانية ، وقوله إن حماس تضع بنيتها العسكرية تحت المستشفيات وهذا كله من إدعاءات دولة الاحتلال التي ثبت كذبها وبطلانها. وبلغ الوزير درجة من الوقاحة وموت الضمير الإنساني عندما قال إنه يعارض وقف إطلاق النار مقتديا برئيسه وكأنهما لم يشبعا من دماء أطفال غزة.
هذه عينات من تصريحات الزعماء الغربيين التي عبروا من خلالها عن تضامنهم مع دولة الاحتلال وعن "حقها في الدفاع عن نفسها" دون إعطاء الحق نفسه لأهل فلسطين.
وجاء الدعم الغربي أيضا بصورة جماعية فبعد بحث الرئيس الأمريكي جو بايدن، ، تطورات الحرب في غزة مع قادة بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، أعلن البيت الأبيض أن "القادة أكدوا مجددا دعمهم لإسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب".
وجاء في بيان منشور على موقع وزارة الخارجية الفرنسية:
(نعرب اليوم، نحن، رئيس الجمهورية الفرنسية السيد إيمانويل ماكرون والمستشار الاتحادي للجمهورية الاتحادية الألمانية السيد أولاف شولز ورئيسة مجلس وزراء إيطاليا، السيدة جيورجيا ميلوني ورئيس وزراء المملكة المتحدة السيد ريشي سوناك ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية السيد جو بايدن، عن دعمنا الحازم والموحد لدولة إسرائيل وندين على نحو قاطع حركة حماس وأعمالها الإرهابية المفجعة. ونؤكد بوضوح أن أعمال حركة حماس لا تنطوي على أي مبرر وأية شرعية ويجب إدانتها عالميًا.)
وقالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية بعد وصولها إلى تل أبيب: إن أوروبا تقف إلى جانب إسرائيل الآن وفي الأيام المقبلة".
وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل،إن التكتل – الأوروبي- يعلن التضامن الكامل مع شعب إسرائيل بعد "الهجمات الإرهابية الوحشية". وفي رسالة الدعوة لزعماء الاتحاد الأوروبي، قال ميشيل إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.
وفي بيان مشترك شددت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقاً للقانون الدولي، في مواجهة هجمات عنيفة وعشوائية» لحركة حماس.
الدعم العسكري
تنوع الدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لدولة الاحتلال.
فقد تبنّى مجلس النواب الأميركي حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، في الثالث من نوفمبر 2023، تخصص لأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي بما في ذلك القبة الحديدية الإسرائيلية. بالإضافة إلى تسريع شحن الذخائر، والصواريخ الاعتراضية. وتعمل الولايات المتحدة على إقناع شركات الدفاع الأميركية بتسريع تسليم طلبات الأسلحة الخاصة بإسرائيل، وعلى رأسها الحصول على ذخائر لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية”.
وسارعت الولايات المتحدة، لإرسال ذخيرة متطورة طلبتها إسرائيل، من أجل تزويد طائراتها الحربية كما أرسلت واشنطن حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، تصحبها طائرات مقاتلة وطرادات ومدمّرات، فضلًا عن قرارها بإرسال حاملة الطائرات "دوايت أيزنهاور" والسفن المرافقة لها إلى المنطقة، ووضعت أمريكا حاملة الطائرات على أهبة الاستعداد لمساعدة إسرائيل. وتضم كل حاملة طائرات أكثر من 70 طائرة، كما وضع بايدن الآلاف من القوات الأمريكية على أهبة الاستعداد للانتقال إلى المنطقة إذا لزم الأمر.
كما زودت الولايات المتحدة إسرائيل بذخائر غير موجهة، بما في ذلك 5000 قنبلة من طراز Mk82، قيمة الواحدة 16 ألف دولار وقدمت أيضا ما يقرب من 3000 صاروخ JDAMS إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر.
وأفاد تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، بأن الولايات المتحدة زودت إسرائيل بقنابل كبيرة خارقة للتحصينات، من بين عشرات الآلاف من الأسلحة الآخرى وقذائف المدفعية؛ للمساعدة في طرد حماس من غزة.
وقد أرسلت الولايات المتحدة 230 طائرة شحن و30 سفينة نقل محملة بالأسلحة لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر.
أحدث أنواع الدعم
قررت الحكومة الأمريكية يوم 30 ديسمبر 2023 عدم انتظار الكونجرس لإعطاء الضوء الأخضر لإرسال حزمة أسلحة بقيمة 147,5 مليون دولار إلى إسرائيل. وأعلن ذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكين في مذكرة نشرتها وزارة الخارجية خلال الليل. وجاء في الوثيقة: "نظرًا لضرورة الاحتياجات الدفاعية لإسرائيل، أبلغ الوزير الكونجرس أنه مارس سلطته المفوضة للتعبير عن حالة طوارئ تتطلب موافقة فورية على النشر"، مؤكدة مجددًا أن الولايات المتحدة "ملتزمة بأمن إسرائيل، ومن الحيوي للمصالح الوطنية الأمريكية لضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها من التهديدات التي تواجهها. وتشمل الحزمة عناصر إضافية، بما في ذلك الصمامات والشحنات والبادئات التي تحتاجها إسرائيل لتشغيل مقذوفات 155 ملم التي اشترتها سابقًا. وهذه هي المرة الثانية خلال شهر التي توافق بموجبها واشنطن على إرسال ذخائر لإسرائيل.
وخلال ستة أيام فقط أسقطت دولة الاحتلال 6000 آلاف قنبلة على قطاع غزة تزن 4000 طن، وحتى الآن أسقط جيش الاحتلال أكثر من 30 ألف طن من القنابل على غزة.
وقال الخبير الدولي، مارك جارلاسكو في حديث مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن المتفجرات التي ألقتها إسرائيل على غزة خلال أقل من أسبوع توازي ما ألقته الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان خلال عام ، في منطقة أصغر بكثير وأكثر كثافة سكانية، حيث ستتضخم الأخطاء، وأضاف: "وخلال الحرب بكاملها في ليبيا، أفاد حلف الناتو بإسقاط أكثر من 7600 قنبلة وصاروخ من الطائرات، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة.
وبعد هذا الكم الهائل من القنابل الفتاكة الخطيرة التي ألقاها جيش الاحتلال على غزة وأدت إلى استشهاد وجرح أكثر من 100 ألف من سكان غزة معظمهم من الأطفال والنساء وتدمير 70% من المنازل في قطاع غزة يقول لنا المتحدث الإسرائيلي كيرين هاجيوف، الأربعاء: "باعتبارنا جيشا ملتزما بالقانون الدولي ومدونة قواعد السلوك الأخلاقية، فإننا نخصص موارد هائلة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الذين أجبرتهم حماس على القيام بدور الدروع البشرية، حربنا هي ضد حماس، وليس ضد سكان غزة".!!
ولم تكتف الولايات المتحدة بإرسال هذه الكميات الضخمة من الأسلحة الحديثة الفتاكة بل أوفدت مستشارين عسكريين من كبار الضباط، فقد وصل إلى تل أبيب جنرال من مشاة البحرية الأمريكية والعديد من الضباط العسكريين الأمريكيين الآخرين للمساعدة في تقديم المشورة لقيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في عمليته في غزة كما تقدم قوات العمليات الخاصة الأمريكية مساعدات لجيش الاحتلال في عمليات التخطيط والاستخبارات. ووفقا لموقع أكسيوس كان من بين ضباط مشاة البحرية الذين تم إرسالهم جنرال يدعى جيمس جلين، الذي كان يرأس سابقًا العمليات الخاصة لمشاة البحرية وشارك في العمليات ضد داعش في العراق.
الدعم العسكري البريطاني
قرر “ريشي سوناك ” رئيس الوزراء البريطاني في 13 أكتوبر 2023 إرسال سفينتين حربيتين، وطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لتقديم “دعم عملي” لإسرائيل، وضمان “الردع”، وتعزيز الأمن الإقليمي، ومنع أي تصعيد ل"الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" ويشمل الدعم طائرة من طراز “بي 8” وسفينتين تابعتين للبحرية الملكية، وثلاث مروحيات من طراز “ميرلين” وسرية من مشاة البحرية الملكية. كما أعلنت بريطانيا عن تسيير طائرات استطلاع في سماء غزة وإسرائيل لمحاولة التعرف على مكان "الرهائن" والأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
الدعم الألماني
أما ألمانيا، فوضعت تحت تصرف الاحتلال طائرتين مسيرتين حربيتين من طراز "هيرون تي بي" تحمل كل منهما طنًا من الذخائر وفي الوقت ذاته، تناقش برلين تزويد الإسرائيليين بذخيرة للسفن ووصل قائد القوات الجوية الألمانية إنغو غيرهارتس إلى إسرائيل في زيارة تضامن مع دولة الاحتلال.
أما فرنسا فقد أكدت في 16 أكتوبر 2023 تقديم “معلومات استخبارية” لإسرائيل.
الدعم السياسي والإعلامي ومنع المظاهرات والإبعاد
لم يكتف الغرب بالزيارات التضمانية والتصريحات المتعاطفة والدعم العسكري بل توسع الدعم ليشمل الجوانب السياسية والدبلوماسية فالولايات المتحدة وقفت بالمرصاد بالفيتو ضد أي قرار أممي يدعو لوقف إطلاق النار وكان عدد من الزعماء الغربيين معها مثل رئيس وزراء بريطانيا، في الاتجاه ذاته يعارضون وقف إطلاق النار بحجة أنه سيكون في مصلحة حماس وإن كان بعضهم تراجع عن ذلك الموقف بسبب الضغط الشعبي، خاصة بعد أن تبنى الزعماء الغربيون الروايات الإسرائلية الكاذبة عن قطع المقاومة لرؤوس الأطفال يوم السابع من أكتوبر وإن كان اتضح فيما بعد كذب هذه الرواية والسرديات الأخرى التي روجت لها إسرائيل وجعلتها ذريعة لحرب الإبادة في غزة فقد اتضح وفقا لتحقيقات وتقارير إعلامية كما جاء مثلا في صحيفة هارتس نقلا عن الشرطة الإسرائيلية أن مروحية إسرائيلية أطلقت النار على المقاومين الفلسطينيين وعلى المحتفلين في الحفل الموسيقي وكذلك تحقيق صحيفة ليبراسيون الفرنسية التي ذكرت أن التقييم شبه النهائي، بعد شهرين من الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس على إسرائيل، يؤكد أن بعض "الفظائع" المزعومة التي تم نقلها أحيانا على عجل ووصلت أعلى المستويات للحصول على الدعم الدولي لتل أبيب لم تحدث مطلقا.
منعت دول غربية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا المظاهرات المساندة للفلسطينيين بحجة معاداة السامية وهددت ألمانيا بإبعاد من يظهر التضامن مع الفلسطينيين وأعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر تأييدها لطرد داعمي حركة المقاومة الإسلامية حماس من ألمانيا، وأيد زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي هذا الموقف، مطالبا مسلمي البلاد بإدانة الحركة التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم لارس كلينجبايل في تصريحات لمجموعة فونكه "إننا حاليا بصدد إصلاح قانون الجنسية: التجنيس هو التزام تجاه بلدنا. من لا يشاركنا قيمنا، من يدعم معاداة السامية والإرهاب، سيتم حرمانه من جواز السفر الألماني".
وذهب البرلمان البريطاني إلى تجريم مقاطعة إسرائيل بل وتجريم مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تصنفها بريطانيا غير قانونية ، أما وزيرة الداخلية البريطانية التي سقطت في التعديل الأخير فقد وصفت المظاهرات التي خرجت في بريطانيا احتجاجا على المجازر الإسرائيلية في غزة وصفتها بأنها مسيرات كراهية..
ووفقا لمقابلة أجرتها الشبكة الفلسطينية مع ليلى كاترمان من مركز الدعم القانوني الأوروبي، وديالا شماس من مركز الحقوق الدستورية بتاريخ 17/12/2023 فلم تكتف ألمانيا، مثلًا، بحظر الاحتجاجات، بل أخذت تمارس العنف الشرطي، والاعتقالات، والمضايقات إزاء مظاهر التضامن مع فلسطين. ففي برلين وحدها، اعتقلت الشرطة قرابة 600 شخص بين 11 و20 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لهذا السبب وطالت حملةُ التضييق المدارسَ أيضًا، حيث بعثت، على سبيل المثال، إدارةُ التعليم والشباب والأسرة بمجلس الشيوخ في برلين خطابًا إلى جميع سلطات المدارس والمشرفين في برلين تطلب منهم منع الطلاب من ارتداء الكوفية وغيرها من الرموز والشعارات الفلسطينية، مثل "فلسطين حرة." كما طُلب من الإدارات المدرسية إخطارُ الشرطة بأي خروقات لهذا الحظر، وفي حالة واحدة على الأقل أُوقِفَ مدير إحدى المدارس عن العمل لرفضه الانصياعَ للتعليمات. كما أن حالات الإيقاف عن العمل وإنهاء الخدمة مثل هذه آخذةٌ في الازدياد بسبب التعبير عن التضامن مع فلسطين.
أما الولايات المتحدة فشهدت طائفةً من حالات القمع الحكومي والخاص، فقد استدعت مؤسسات إنفاذ القانون، بما فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي، فلسطينيين للاستجواب ضمن "مقابلات طوعية"، مستغلةً في كثير من الأحيان أوضاعهم أو مخاوفهم المتعلقة بالهجرة لإجبارهم على التحدث. بالإضافة إلى ذلك، عمَّمت أقسام الشرطة المحلية إشعارات بأنها عازمة على مراقبة الاحتجاجات التضامنية مع فلسطين. وذلك بناء على توجيهات من أعلى المستويات الحكومية، حيث ذكر الرئيس بايدن نفسه بأنه أصدر تعليمات إلى سلطات إنفاذ القانون بمراقبة الوضع عن كثب. وفي مدينة نيويورك، ذهب عمدة المدينة، إريك آدامز، إلى أبعد من ذلك حيث ساوى بين المتظاهرين في المسيرات المجاهرين بدعم الحقوق الفلسطينية وبين داعمي الإرهاب. وقد استشرى هذا الخطاب في أوساط المسؤولين المنتخبين على مستوى المدن والولايات والمستوى الفيدرالي.
أمّا القمع الذي تمارسه جهات القطاع الخاص، فهو مخيفٌ أكثر، فقد أُلغي، على سبيل المثال، مؤتمر الحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين لأن المكان المقرر لعقده – فندق هيلتون – تلقى تهديدات واعتذر عن استضافة الفعالية. وطرأت كذلك زيادة كبيرة في جرائم الكراهية بدأت بالجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها الطفل الأمريكي من أصل فلسطيني، وديع الفيومي، ذي الست سنوات في شيكاغو، ومؤخرًا الشروع في قتل ثلاثة طلاب جامعيين فلسطينيين في ولاية فيرمونت. وتتزايد أيضًا وتيرة نشر المعلومات الشخصية الخاصة بالأفراد المجاهرين ضد الإبادة الجماعية في غزة، كما حصل في جامعة هارفارد، حيث رعت الجماعات المؤيدة لإسرائيل حملة شاحنات الإعلانات الرقمية كي تتجول وتعرض صورًا للقادة الطلابيين الناشطين ومكتوب عليها "معادون للسامية". وكان الطلاب الظاهرون في الصور قد وقعوا على بيانات تدين الجرائم الإسرائيلية في غزة.
الحرب المالية والقانونية
شنت أمريكا وأوروبا حربا مالية وسياسية وقانونية إلى جانب الحرب العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية وقادتها فقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في الثالث عشر من ديسمبر أن الولايات المتحدة وبريطانيا فرضتا حزمة رابعة من العقوبات على أفراد في تركيا ومناطق أخرى على صلة بحركة حماس.
وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية في الثاني من نوفمبر 2023 حظر حركة حماس وشبكة صامدون ووصفت وزارة الداخلية الألمانية شبكة صامدون بأنها شبكة دولية تنشر دعاية معادية لإسرائيل واليهود تحت غطاء ما يسمى بمنظمة التضامن مع الأسرى في مختلف الدول، ونتيجة للحظر، تصادر ألمانيا أي أصول محتملة، ويتم حظر أي ظهور على الإنترنت أو أنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي. وترى ألمانيا أنها تتحمل “مسؤولية خاصة”، تجاه إسرائيل وأن هذه المسئولية هي أكثر من مجرد هدف سياسي؛ إنه جزء أساسي من وجود ألمانيا الحالية.
وأدرج الاتحاد الأوروبي حماس بصفتها "منظمة إرهابية"، ما يعني أنه يجب تجميد أي أموال أو أصول لها في الاتحاد الأوروبي. وقال الاتحاد الأوروبي إنه أضاف محمد الضيف القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس، ونائبه مروان عيسى، إلى قائمته للإرهابيين الخاضعين للعقوبات.
ويشير تقرير المناقشة إلى أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال استهداف الموارد المالية لحماس والمعلومات المضللة. وقالت دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها فرنسا وألمانيا، إنها تعمل معا بالفعل لدفع مثل هذه المقترحات.
وشاركت اليابان
فقد قال يوشيماسا هاياشي كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني اليوم الثلاثاء إن الحكومة اليابانية ستفرض عقوبات على المدفوعات والمعاملات المالية الخاصة بثلاثة من كبار أعضاء حركة حماس وستجمد أصولا مملوكة لهم. وأفاد المتحدث باسم الحكومة اليابانية بأنه يعتقد أن الثلاثة متورطون في هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس على إسرائيل وأنهم في وضع يسمح لهم باستخدام الأموال لتمويل مثل هذه الأنشطة الإرهابية.
ولم تسلم المشاريع المقدمة للسلطة
فقد ذكر أحد المسؤولين أن المفوضية الأوروبية باعتبارها أكبر طرف مانح للفلسطينيين تقوم بمراجعة مجموعة كاملة من مشاريع التنمية بقيمة تزيد عن 691 مليون يورو مضيفا في هذا السياق أن "نطاق الإرهاب والوحشية" تجاه إسرائيل وشعبها وصل إلى نقطة تحول.
جيوش المرتزقة
لم يكن الدعم الغربي لدولة الاحتلال على مستوى الحكومات فحسب بل جاء على شكل دعم شعبي مثله المرتزقة الذين انضموا لجيش الاحتلال ومعظمهم من جنسيات أوروبية وأمريكية منهم فرنسيون وبريطانيون وأمريكيون وألمان وإيطاليون وبولنديون وأكرانيون وإسبان وكنديون إضافة الى مجموعات من الهنود والأرجنتينيين والتيلانديين وأفارقة.. وقدرت بعض الاحصائيات عدد المرتزقة الذين يقاتلون في غزة بحوالي عشرين ألف مقاتل. وكانت إسرائيل قد تعاقدت مع شركتي "ريفن" و"غلوبال سي إس تي"، وهما شركتان للتعهد الأمني.
القتال من أجل المال
صرح جندي سابق بالجيش الإسباني لصحيفة ألموندو: بأنه جاء من أجل المال.. وأضاف: إنهم يدفعون بشكل جيد للغاية ويقدمون معدات جيدة ووتيرة العمل هادئة.. الأجر هو 3900 يورو في الأسبوع، بغض النظر عن المهام التكميلية".
وقالت إلموندو إن "جيشاً صغيراً" من المرتزقة الإسبان يقاتلون إلى جانب إسرائيل، من بينهم شاب يُدعى بيدرو دياز فلوريس كوراليس، 27 سنة، وهو جندي سابق في الجيش الإسباني سبق أن قاتل مرتزِقاً في كل من أوكرانيا والعراق، بالإضافة إلى هذا، فهو معروف بانتمائه إلى النازيين الجدد، وفق موقع ميدل إيست مُونيتور.
وقالت صحيفة إلموندو إنها اطَّلعت على صور لكوراليس- المرتزق الإسباني- محاطاً بعناصر من المرتزِقة من جنسيات مختلفة، بينهم فرنسيون وألمان وألبان، وحتى من المارينز الأمريكي أو عناصر من القوات الخاصة التي حاربت بالعراق أو أفغانستان أو مالي أو كوسوفو.
جيش مرتزقة فرنسا
كشف النائب الفرنسي توماس بورتس أن أكثر من 4000 جندي إسرائيلي يقاتلون في غزة من الفرنسيين من مزدوجي الجنسية. ودعا البرلماني الفرنسي وزير العدل الفرنسي إلى إحالة مزدوجي الجنسية المدانين بارتكاب جرائم حرب للعدالة، مؤكدا على ضرورة إدانة باريس مشاركة مزدوجي الجنسية من الفرنسيين في جرائم الحرب بحزم شديد.
وتأتي تصريحات البرلماني الفرنسي بالتزامن مع تحقيقات وسائل إعلام أكدت مشاركة فرنسيين في الهجمات التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي. ودفعت تقارير عن مشاركة فرنسيين إلى جانب قوات الاحتلال نائبة من حزب “فرنسا الأبية” اليساري إلى استجواب وزير العدل الفرنسي بشأن مشاركة فرنسيين في القتال إلى جانب إسرائيل.
وأشارت التقديرات إلى أن نسبة المواطنين الفرنسيين أو الفرنسيين - الإسرائيليين المنضمين إلى جيش الاحتلال تمثل ما بين 1.7% - 3.5% من إجمال عدد جيش الاحتلال، مما يعني أن الجنسية الفرنسية هي الجنسية الأجنبية الثانية الأكثر تمثيلاً في صفوف الجيش الإسرائيلي بعد الجنسية الأميركية.
ووصل الأمر بالحكومة الفرنسية أن منحت المسافرين إلى تل آبيب أولوية السفر رغم أنهم حجزوا مقاعدهم في اللحظات الأخيرة قبل إقلاع الطائرة.
مشاركة البريطانيين
وفي بريطانيا وجه المركز الدولي الفلسطيني للعدالة للفلسطينيين(ICJP) رسالة إلى وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية لطلب إيضاحات عن توجه عدد من البريطانيين للقتال في غزة.
وبينت المنظمة المستقلة للمحامين أنها طلبت من الحكومة – البريطانية- تحديد موقفها حول مدى قانونية ذهاب المواطنين البريطانيين للقتال في إسرائيل او غزة منبهين إلى تباين موقف الحكومة مع موقفها بالنسبة لأوكرانيا . وكانت الحكومة البريطانية قد أوضحت أنه لا يجوز للمواطنين البريطانيين السفر للقتال في أوكرانيا وأن من يخالف ذلك سيصنف بصفته مرتكبا لجريمة.
وذكرت المنظمة أن ضباطًا من وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة- لندن- حضروا إلى منازل الفلسطينيين الموجودين حاليًا في غزة في المملكة المتحدة، بمن فيهم عائلة البروفيسور غسان أبو ستة، وهو جراح طوارئ مشهور يعالج حاليًا الضحايا المدنيين لحملات القصف الإسرائيلية المستمرة على غزة. كما طلبت اللجنة الدولية للعدالة والتنمية من الحكومة -البريطانية- أن توضح على سبيل الاستعجال ما إذا كانت تعليمات الشرطة قد صدرت لزيارة عائلات الفلسطينيين البريطانيين الموجودين حاليًا في غزة فقط، أو ما إذا كانت نفس القواعد تنطبق على البريطانيين الذين غادروا البلاد للقتال في صفوف القوات المسلحة الإسرائيلية.
أهداف الاحتلال من تجنيد المرتزقة
لدولة الاحتلال عدة أهداف من تجنيد المرتزقة للقتال في صفوف جيش الاحتلال فقد ذكرت صحيفة الاندبندنت أن مراقبين يرون أن استعانة الجيش الإسرائيلي بالمرتزقة على نحو متصاعد ومنحهم مغريات وامتيازات وأجوراً مرتفعة ليس عبثياً، بل يعود لأهداف سياسية وإستراتيجية تركز على تقليص عدد القتلى الإسرائيليين في صفوف الجيش المعلن عنهم، وتسريح أكبر عدد ممكن من جنود الاحتياط وإتاحة المجال لعودتهم لأعمالهم والتعويض قدر المستطاع عن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها إسرائيل.
موقف المكتب الحكومي في غزة
نبه المكتب الحكومي في غزة إلى التقارير المتداولة بشأن وجود مرتزقة يقاتلون مع جيش الاحتلال وحمل المكتب الإعلامي المسؤولية القانونية للدول التي جاء منها هؤلاء المرتزقة: "في ضوء تواتر شهادات بوجود مرتزقة يقاتلون إلى جانب جيش الاحتلال في عدوانه على غزة، فإننا نحمّل الدول التي جاءوا منها المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية إلى جانب إسرائيل، عن كل الجرائم المرتكبة بحق المدنيين".
"الدعم" المقدم لغزة
بينا فيما سبق بعض جوانب الدعم السخي متعدد الأوجه الذي قدمته الولايات المتحدة والدول الغربية لدولة الاحتلال سواء على المستوى العسكري والسياسي والدبلوماسي أوالإعلامي وحتى النفسي، أما غزة فزادوا إحكام الحصار عليها وحذروا من تقديم أي دعم لها وشارك في ذلك الحصار القريب قبل البعيد و"الشقيق" قبل العدو. وأحكم الأقربون الحصار عليهم واكتفوا، في أحسن الأحوال، ببعض التصريحات والإدانات التي أفضل منها السكوت.
وفي محاولة لتغليف هذا العدوان وهذه الجرائم التي تابعها العالم أجمع، سمحوا ببعض المساعدات الإنسانية التي كانت تصل بالتقسيط العسير الذي يتحكم فيه الاحتلال.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع لم يدخل غزة سوى حوالي 5300 شاحنة وذلك حتى تاريخ 24 ديسمبر 2023 أي بمعدل حوالي 63 شاحنة لليوم علما بأن القطاع كانت تدخله يوميا قبل العدوان ما بين 500 – 600 شاحنة لليوم الواحد.
ولندرك جانبا آخر من الصورة والمأساة فيكفي أن نعرف أن الدفاع المدني لم تصله قطرة وقود واحدة منذ بدء العدوان، فعمال الدفاع المدني يضحون تضحيات مضاعفة مثل كل العاملين في جميع القطاعات الخدمية في غزة، فليس لهم إلا سواعدهم وقوة إيمانهم وصلابة إرادتهم لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من آلاف الضحايا الذين يسقطون تحت الأنقاض يوميا. أما القطاع الصحي فهو أحد ابرز عناوين حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في غزة.
لم يخرج من الجرحى سوى ما يمثل أقل من 1% من عدد الجرحى في القطاع. وقد ذكر المسؤولون في وزارة الصحة في قطاع أن عشرات الجرحى يسقطون شهداء كل يوم وهم ينتظرون الإذن بالخروج للعلاج خارج القطاع.
وفي الوقت الذي تقاطر فيها الرؤساء والمسؤولون الغربيون على دولة الاحتلال مناصرة ومواساة، أما أهل غزة فلم يزرهم زائر ولم يذكرهم ذاكر بل اجتمع العالم ضدهم فتحالفت ضدهم امريكا وأروبا واليابان بما قدموه من دعم عسكري وومالي وسياسي ومعنوي. ولم يأت الرؤساء ولا الوزراء العرب إلى غزة وتركوا أطفالها ونساءها وشيوخها طعما للقنابل الأمريكية تمزق اشلاءهم .. بل إن الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا كانوا أكثر شجاعة من العرب إذ جاءوا إلى معبر رفح لعقد مؤتمر صحفي هناك وإن كانوا لم يدخلوا القطاع..
لكن الزيارة المتميزة كانت زيارة الوزيرة القطرية السيدة لولوة الخاطر إلى غزة حيث ألقت كلمة مؤثرة جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والعاقبة للمتقين من داخل قطاع غزة من أرض الرباط جئتكم محملة برسالة إخاء ومحبة ورسالة تضامن وتعاضد من دولة قطر قيادة وشعبا ،أقول لكم إننا وكل أحرار العالم معكم.. والحق والإنسانية معكم.. والله جلّ في علاه معكم .. فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون بإذن الله. وأيم الله يا أهل غزة لقد أحييتم الموات، وأيقظتم إنسانية العالم بعد سبات. قبلكم كانت كل الكلمات جوفاء، وكل الحكايا مكررة، وكل معاركنا اليومية تافهة، وكل الخطابات والبيانات لا معنى لها.. كانت الأيام كلها تتشابه طواحين من الماديات والاستهلاكية والتجارة بكرامة الإنسان وشرفه بل وحياته، طواحين ظلت تطحن ضمائرنا وتسحق أرواحنا.. ثم جاءت غزة لتعيد ترتيب أولويات هذا العالم، ولا أبالغ إذا قلت أنكم اليوم تعيدون لنا جميعا إنسانيتنا التي سلبت منا أو ربما نسيناها، فطوبى لكم. وإننا لنعلم حق اليقين أنكم اليوم وحدكم من تدفعون ثمن ذلك كله. ثمن فضح ازدواجية المعايير، ثمن كسر آلة الاحتلال المتغطرسة، ثمن المنافحة عن مقدسات مليارات من المسلمين والمسيحيين حول العالم. لذا يا أهلنا في غزة لست هنا في مقام التنظير واستخلاص الدروس فأنتم وحدكم اليوم من تعلموننا بدمائكم ودماء أطفالكم الزكية كيف تكون الكرامة وكيف تكون الحرية وكيف يكون الصمود وكيف يعود الإنسان أولا. لكنني هنا فقط لأقول: نحن معكم… فلكم العتبى حتى ترضوا ولكم العتبى إذا رضيتم ولكم العتبى بعد الرضى، فاعذروا تقصيرنا … حفظ الله غزة وحفظ الله فلسطين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.)
إن من يشاهد هذا الفرق الهائل بين حجم الإمكانات المتاحة لدولة الاحتلال وما قدم لها دعم متعدد الأوجه وبين غزة المحاصرة التي قطع عنها الماء والكهرباء والغذاء والدواء فما بالك بالسلاح ومع ذلك نرى هذا الأداء المتميز للمقاومة وما ألحقته من خسائر بالغزاة المحتلين رغم الاختلال البين في موازين القوى يدرك بسهولة أن الغزاة مهما امتلكوا من قوة مادية فمآلهم إلى الهزيمة قال تعالى جل من قائل: (( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)).
الهادي بن محمد المختار النحوي