من يخدع من؟

هناك بعض التصرفات الساذجة التي كنا نحاول دائما أن ننبه عليها في حملة "معا للحد من حوادث السير"، ومن تلك التصرفات الساذجة أنك قد تجد مواطنا راشدا يحمل من الشهادات العليا ما يحمل، تجده يقود سيارته دون حزام أمان، وعندما يقترب من نقطة تفتيش يربط الحزام، وعندما يتجاوزها بأمتار معدودة يقوم بنزعه مع شعور زائف بالانتصار، تولد لديه من خلال تمكنه من التحايل على عناصر نقطة التفتيش.

لنطرح السؤال: لمصلحة من وُضِع حزام الأمان في السيارة، هل وُضِع لمصلحة عنصر الدرك في نقطة التفتيش أم لمصلحة سائق السيارة؟ لنطرح سؤالا آخر: من ذا الذي سيتضرر إن وقع حادث سير، هل هو صاحب السيارة أم عنصر الدرك المرابط في نقطة التفتيش؟ سؤال أخير: من ذا الذي كان ضحية للتحايل والخديعة بهذا التصرف الساذج والغبي،هل هو عنصر الدرك أم صاحب السيارة؟

في الأوقات النادرة التي تكون فيها السلطات صارمة في وقف الحمولة الزائدة وفي منع الركاب من السفر من خلال الجلوس فوق حمولة زائدة بحوض سيارة مكشوفة. في مثل هذه الأوقات تكثر عمليات تحايل بعض الركاب على أنفسهم. لقد وثقنا في الحملة الكثير من عمليات التحايل هذه، ومما وثقناه أن بعض الركاب ينزل من السيارة من قبل وصولها إلى نقط تفتيش، ليسير مسافات طويلة، حتى يتجاوز نقطة التفتيش ب"مسافة آمنة"، وتكون السيارة تنتظره هناك بعد أن يكون قد سُمح لها بالعبور لعدم تسجيل مخالفة بحمل زيادة من الركاب فوق الأمتعة. عمليات التحايل هذه يقوم بها في العادة بعض المواطنين البسطاء من أجل أن يربحوا فارق التذكرة الذي كان عليهم أن يدفعوه لو سافروا في سيارات غير مكشوفة، أو في سيارات مكشوفة، ولكن بلا حمولة زائدة.

إن الراكب الذي يقبل بالنزول من السيارة من قبل وصولها إلى نقطة التفتيش، والسير على الأقدام حتى يتجاوز نقطة التفتيش، يعتقد أنه بذلك التصرف قد نجح في مخادعة نقطة التفتيش، ولكنه في الحقيقة لم ينجح إلا في مخادعة نفسه. فهذا الركب يعتقد خاطئا بأنه ربح فارق التذكرة، ولكنه في الحقيقة قد خسر، فما قام به يعد مخاطرة كبيرة، وقد يتسبب له في أن يخسر حياته كاملة. صحيح أنه قد ينجو مرة أو مرتين أو ربما عدة مرات ، ولكن يبقى احتمال خسارة كل شيء قائما، وفي حالة وقوع ذلك الاحتمال لا قدر الله، فإنه سيبتلع كل الأرباح التي تحصلت من الفوارق في أسعار التذاكر، بل إنه سيبتلع كل المدخرات والممتلكات إن تسبب الحادث في عاهة مستديمة، أما إذا كان الحادث مميتا فالخسارة في هذه الحالة لا يمكن أن تحسب أو تقدر بالمال. 

من يخدع من؟ ومن يتحايل على من؟

مثل هذه الأسئلة نحن بحاجة إلى إعادة طرحها في أيامنا هذه، والتي نعيش فيها موسما من مواسم تحايل المواطنين على أنفسهم.

إن المواطن الذي يتمكن من مخادعة حرس الحدود والتحايل عليهم فيدخل البلاد متسللا، أو ذلك الذي يتمكن من مغالطة نقاط التفتيش فينتقل من ولاية إلى أخرى في ظل الحظر بين الولايات. إن من يفعل أي شيء من ذلك قد يعتقد خاطئا بأنه نجح في التحايل على حرس الحدود أو نقاط التفتيش بين الولايات، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فهو لم ينجح إلا في التحايل على نفسه وعلى ذويه الذين سيستقبلونه بالأحضان، والذين قد يتسبب لهم في العدوى إن كان حاملا لفيروس كورونا المعروف بسرعة عدواه.

وإن المواطن الذي يتمكن من التجول في الشوارع في أوقات الحظر، أو التسوق دون كمامة أو لثام، أو تجنب الفحص إن كان قد خالط مصابا. إن مواطنا من هذا النوع قد يعتقد بأنه نجح في مخادعة السلطات الأمنية والصحية، ولكن الحقيقة هي أنه خدع نفسه وتحايل عليها من قبل أن يخدع الآخرين.

إن أي مواطن يتحايل على الإجراءات الاحترازية سيجلب في النهاية ضررا للجميع، لا خلاف على ذلك، ولكنه سيجلب من قبل ذلك ضررا أكبر لنفسه ولذويه، ولذا فإن أي تحايل يقوم به في هذا المجال سيكون بمثابة تحايل على النفس من قبل أن يكون تحايلا على الآخرين، فمتى سنتوقف عن الضحك على أنفسنا، ومتى سنتوقف عن التحايل عليها؟

 

حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين ولد الفاضل

 

[email protected]

أحد, 17/05/2020 - 20:44