لم يدر في خلد الشاب العشريني آدم مولود، وهو يختار تخصص علوم الكمبيوتر كمجال لدراسته الجامعية في مدينة الإسكندرية، أنه سيكون بعد سنوات قليلة، أول عارض أزياء موريتاني، سنوات أربع في أرض الكنانة، كانت كفيلة بتغيير حياة الطالب في قسم الوسائط المتعددة وجعله صاحب أكثر حساب يتابع لموريتاني على "إنستغرام".
صدفة تقود لشهرة
في نهاية عام 2013 قاد البحث الشاب الموريتاني آدم مولود للسفر إلى مصر للتسجيل في علم الكمبيوتر، وتحديداً تخصص قسم الوسائط المتعددة في كلية العلوم بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا. في مدينة الإسكندرية حيث يوجد مقر الكلية، وجد الطالب المثابر ضالته العلمية، مقررات دراسية ممتازة جعلت الفتى القادم من موريتانيا يبذل جهوداً مضاعفة لمواكبة المناهج، لكن هذا الواقع لم يمنع آدم من تخصيص أوقات للتنزه في المدينة الساحلية، ونشر صور له على موقع "إنستغرام".
تحاشى آدم في بداية علاقته بوسائل التواصل الاجتماعي قبول صداقات أبناء وطنه تفادياً للرقيب الاجتماعي الذي لا يُضيع فرصة للتلصص على حياة الآخرين، بحسب "آدم".
يُعلق آدم مولود لـ "اندبندنت عربية" على هذه الجزئية بقوله، "في البداية، لم يكن المتابعون لي على وسائل التواصل الاجتماعي يتعدى عددهم 1000 متابع، لكن الخطوة التي ستغير مستقبلي في عالم الأزياء، هي حين عرض علي مصور فوتوغرافي جلسة تصوير، قبلتها على الفور وعرضت صورها على حسابي، لأتلقى بعد ساعات عدة عروض من أصحاب وكالات عروض أزياء للعمل معهم، لم أوافق في البداية لضغط الدراسة في الكلية، لكنني تحت الإصرار، وافقت على زيارة وكالتهم في العاصمة القاهرة، وعلى الفور خضعت لأول جلسة تصوير في حياتي المهنية في عالم الأضواء والأزياء".
الاختيار الصعب
كان الحصول على المال الوفير والسهل تحدياً كبيراً قد يعصف بمستقبل الشاب الذي أرسلته أسرته المحافظة لكي يصبح مهندساً، فإغراء الشهرة والمال والسفر، أصبح يهدد استمرار الطالب في كليته. ويتذكر آدم كيف وفق بين تعليمه وحصص جلسات التصوير في القاهرة البعيدة نسبياً من مكان إقامته، ويقول في هذا الصدد "قررت أن أتفرغ لدراستي خصوصاً أن ضريبة التأخير عن محاضرة لثلاث مرات يُكلف الطالب إعادة السنة، وهو أمر كنت أتحاشاه".
ويضيف آدم "وفر لي العمل دخلاً معتبراً، جعلني أطلب من أهلي عدم إرسال المال الذي اعتادوا على إرساله، كنت أتصيد العطل للعمل في وكالات القاهرة، لكن التعاون الذي حظيت به مع شركة أميركية لديها فرع في مصر جعل عدد المتابعين لي يرتفع بشكل صاروخي بعد أن فتحوا حساباً خاصاً لي على موقعهم، ووصلت لأكثر من 700000 متابع على "إنستغرام".
جحيم الرقيب
"كنت أستمتع بحياتي في مصر، أجنى أموالاً من عمل سهل وأصرف على دراستي بشكل مريح، إلى أن اكتشف الموريتانيون طبيعة عملي، فانقلبت حياتي رأساً على عقب"، بهذه الكلمات يختصر المهندس وعارض الأزياء آدم مولود، كيف تأثرت حياته بتدخل الآخرين في شؤونه الخاصة.
ويتذكر آدم كيف علم أهله بعمله وكيف كان رد فعلهم "اشتركت في مسابقة عالمية لاختيار أفضل موديل للشركة الأميركية التي أعمل فيها، وتقتضي طبيعة المسابقة أن يصوت عليها جمهور الموضة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وبطبيعة الحال اكتشف رواد الشبكات الموريتانيون ورود اسمي وجنسيتي من بين المتسابقين، وطبعاً لم تمرّ أيام حتى علم أهلي بالأمر، اتصلت بهم وشرحت لهم دوافعي وعلاقتي بهذا العمل، تفهموا وضعي حتى أن والدي المحافظ لم يمنعني من مواصلة هوايتي".
هجوم كاسح
كانت رسائل التوبيخ والتعليقات الجارحة ترد على صندوق الرسائل الخاص بالشاب آدم بشكل يومي، ولم يكتفِ معظم المتابعين الموريتانيين بالتعليقات بل الكتابة عنه بشكل مستفز.
احتاج آدم لأيام كي يتجاوز صدمة رد الفعل العنيف وغير المبرر، واستغرب الشاب العشريني "حجم العنف اللفظي الذي طبع رد فعل غالبية الموريتانيين على الرغم من أنهم لا يعرفونه ولا يقوم بعمل غير شرعي، فقط لكونه أول موريتاني يعمل في هذا المجال والناس أعداء لما جهلوا".
تنفس آدم الصعداء بعد أن تفهم أهله طبيعة عمله، وواصل ممارسة شغفه ودراسته لينتقل إلى دول أوروبية وعربية عدة للمشاركة في جلسات تصوير ومعارض، وبالتوازي مع دراسة الهندسة المعقدة، استطاع أن يحتل المرتبة الثامنة في مسابقة لاختيار أكثر العارضين تأثيراً على إنستغرام عبر العالم، وكان العربي الوحيد من بينهم.
رب ضارة نافعة
زاد الطلب من الشركات عن مؤثرين لتسويق منتجاتها عبر حساباته، تحسن دخل الفتى ليتوج انتصاراته في معاركه الصغيرة مع المجتمع الرافض لعمل الرجل في مجال عروض الأزياء، بتخرجه متفوقاً من كليته ليعود لوطنه ويعمل بشهادته مطور برامج ومبرمجاً ناجحاً في إحدى أكبر الشركات العاملة في مجال المعلوماتية بالعاصمة نواكشوط.
ويعمل آدم منذ فترة على إنشاء شركته الخاصة المتخصصة في الإعلانات على صفحات المؤثرين من المدونين الموريتانيين وهو ما لم يسبقه إليه أحد. يُفكر آدم في مواصلة مشواره في عالم الأزياء، لكن أولويته الآن هي لعمله ومشاريعه الخاصة في مجال البرمجة والتطوير، لكن عمله لن ينسيه شغفه الأول الذي قاده إلى الشهرة وجعله أول موريتاني تُزين صوره كبريات المجلات العربية والعالمية.
اندبندت عربية