مرعبة هي صورة العالم تحت الحجر التي نعيشها منذ عدة أسابيع. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قلق جدا حتى بعد إجرائه فحصا جاءت نتيجته سالبة؛ ومدينة نيويورك التي لم تعرف النوم قط، تغط في سبات عميق. رئيس وزراء أبريطانيا داخل العناية المركزة بالمستشفى ، ومستشارة ألمانية تدخل الحجر الصحى، وحكومات إيطاليا وإسبانيا وفرنسا مرتبكة أمام حجم الجائحة الفيروسية.
أمام الكارثة والعجز العالمي، يحصي كل بلد أمواته. وفي كل يوم يصبح أبسط مؤشر انخفاض في معدل الوفيات مصدر ارتياح يوقد بصيص أمل.
في بداية هذه الفترة الجديدة الحزينة بالنسبة للبشرية جمعاء، يسلك كل طريقه: من شبه الخبير إلى المشعوذ المتدرب. وعادت نظرية المؤامرة للظهور. ولئن كان من المعروف أن كل أزمة أو اضطراب كبير يولد، تلقائيا، تأويلاتها الخاصة أو قراءات ذات طبيعة تآمرية. ومع أن هذه الأخيرة تجد، في الغالب، قبولا سريعا في عالمنا العربي، فقد طالت الغرب اليوم؛ حيث أظهر استطلاع أجراه مؤخرا معهد IFOP الفرنسي، أن واحدا من كل أربعة فرنسيين يعتقد أن السارس ـ كوف ـ 2 (العامل الناقل لفيروس كوفيد ـ 19) ظهر بشكل مقصود في مختبر صيدلي عن طريق كيميائيين يلعبون دور المشعوذين المتدربين. وحول مصدر الفيروس نتذكر الاتهامات اللفظية بين الأمريكيين والصينيين بهذا الخصوص؛ إذ اتهمت كل من الحكومتين الأخرى بالمسؤولية عن إيجاد ونشر كوفيد ـ 19.
في خضم دوامة هذا الخوف من نهاية وشيكة للعالم، انطلق السباق نحو اقتناء العلاج الثمين. ويأتينا كل يوم بحصته من الإعلانات و الأخبار الكاذبة، من خلطات الجدات إلى العلاج المثير للجدل عن طريق الهيدروكسيكلوروكين لمكتشفه البروفيسور الفرنسي المعروف ديدييه راؤولت. وفي غمرة هذا الارتباك الشامل يضطر الجميع لتصديق كل شيء ما دام لا يوجد في الوقت الراهن أي لقاح ضد المرض. لذلك يختبئ الجميع وينكمش على نفسه، إذ لا يوجد غير إجراءات العزل لخفض مخاطر العدوى، ثم ماذا؟ ترك اليدين مغمورتين بالصابون إلى ما لا نهاية، الذهاب للعطاس أو السعال فوق قمة الهيمالايا، وضع كمامة، عدم الاقتراب من أي أحد، بقاء المرء محشورا في زاويته، حبس الأنفاس حتى الاختناق، ربما. عدا ذلك البقاء في البيت، البقاء في البيت، البقاء في البيت. إلى متى؟ لا أحد يدري. كأن العالم في فلم "إله الجواهر" حيث يقول بيلبون لفريدون: "من الخطر جدا الخروج من البيت، أسلك الطريق وإذا لم تنظر أين تضع قدمك فلا أحد يعرف أين يمكن أن يقودك ذلك".
في هذه الزوبعة الكونية، طاعون عاطفي بالمفهوم الفلسفى، هلع هستيري، ارتباك يخفي نواقص العلاج، وفي نفس الوقت، يطيل فترة المرض ويصيب الطبيب والمريض بالاضطراب. ولا يعرف الباحثون حتى الآن كيف يفسرون هذا الانهيار القاتل في الحالة الصحية لبعض المرضى: الفرضية التي تتم دراستها حاليا هي فرضية "عاصفة سيكوتين": جزيئات ينتجها بشكل طبيعي النظام المناعي للجسم. وفي حالة كوفيد ـ 19، يتم إنتاج سيكوتين لمكافحة الفيروس، ولأسباب ما تزال مجهولة، يمكن أن تنحرف بشكل غير مسبوق وتسبب "عاصفة من الالتهابات الزائدة" فتدمر الأنسجة.
هذا التفاعل المناعي الزائد قد يكون قاتلا، لكن كل ذلك ليس سوى فرضية كما يقول العلماء والبحث يتقدم. بعبارة أخرى، هم لم يجدوا شيئا بعد.
وفجأة تظهر مشاعر الأنانية لدى القوى العظمى في العالم: شحنات من الكمامات يتم تحويل وجهتها، وكل طرف يسحب الغطاء إليه. لقد سقطت الأقنعة و و معها التضامن الدولي.
المؤشرات هى الأخرى تدق فى جميع الاتجاهات مما يزيد الإرباك و الجذر. وفي البلدان الأكثر تضررا، وليست الأقل شأنا؛ أي الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا؛ يذكي انتظار الذروة التي لا مناص منها شعورا بالرعب من الهلاك، وفي الوقت ذاته أملا في رؤية المنحنى البياني يهبط من جديد. لكن حتى الآن لم يعد أحد يعرف النموذج الذي ينبغي اتباعه.
ففي الوقت الذي يتم فيه الترويج لنموذج كوريا الجنوبية، يلاحظ أن عدد الإصابات بلغ 384 10 حالة مقابل 776 6 حالة شفاء في ظل أفضل نظام للكشف في العالم. ولكن إذا أخذنا في الاعتبارالصين، حيث لا تكون الاختبارات منهجية، فإننا نرى أن معدل الشفاء هو 94٪ ل 81802 إصابة و77.279 حالة شفاء. إذن؟ من الواضح أن درجة مناعة الأشخاص هي ما يضمن البقاء.
الوقت بات وقت التساؤلات: اقتصاديون، سوسيولوجيون، مؤرخون، فلاسفة يغرقوننا كل يوم بسيل من "الأفكار" حول فشل الأنماط السياسية والاقتصادية، لكن المعروف أن، في الوقت الراهن، أن ذلك لن يخرجنا من الورطة.
وما ذا عن موريتانيا؟ الحمد لله ليس لنا أن نشتكي، نظرا لما يحدث في أماكن أخرى. عند الإعلان عن أول حالة إصابة، استطاع رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني؛ حتى وإن بدا مهموما، أن يواجه الارتباك بالهدوء وضبط النفس؛ وهي عناصر أساسية لقائد حرب يريد أن يكسب المعركة. لقد تم وضع فريق حكومي يضم أفضل المختصين: وزير أول هو خريج المدرسة المركزيةبباريس؛ وزير خارجية دبلوماسي متمرس؛ وزير للدفاع هو جنرال لامع؛ وزير للصحة طبيب في علم الأوبئة ؛ وزير للداخلية حائز على جائزة 2008 للتميز والقيادة في إفريقيا؛ وزير للنقل هو اقتصادي كفؤ؛ وزير للثقافة من أفضل الاختصاصيين البيولوجيين في البلد.
وبعد تشاور واسع مع النواب، والطبقة السياسية، والنقابات، والعلماء، حقق رئيس الجمهورية الإجماع حوله. ودون ديماغوجية، استطاع أن يشرح وينظم الأمور. إجراءات أمنية لغلق البلاد من أجل محاصرة الوباء، الاحترام التام للترتيبات الدستورية للحكم في هذه الظرفية الاستثنائية، خطة اقتصادية واجتماعية لاحتواء تأثير الأزمة، واعتماد تطوع ملتزم في صفوف الشعب.
باختصار، تمت تعبئة جميع الوسائل المتوفرة لدينا؛ أما بالنسبة للباقي فيمكن التعويل على بركات رئيسنا ووزيره الأول. وعلى أية حال، بالكمامات أو بدونها، "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"(سورة التوبة ـ 51).
محمد ولد خيار، صحفي