تابعت كغيري من الاقتصاديين موضوع العولمة الاقتصادية والمالية خلال العقدين الماضيين و ما ترتب عليها من سرعة تدفق السلع والخدمات و تزايد في حركة الأشخاص بين مختلف دول العالم ، بالإضافة إلى تكثيف انسيابية حركة رؤوس الأموال في فضاء عالمي مفتوح تقلصت مسافته و تقاربت أقطاره ليصبح بذلك فعلا قرية كونية صغيرة بفعل التطور المذهل في الثورة الرقمية (الرابعة).
وهكذا فقد تزايدت وتعززت عرى الترابط والتشابك في المصالح الاقتصادية والتجارية بين الدول وشعوب العالم المتواجدة في هذه القرية الجامعة لكل البشرية والمحكومة بضوابط مادية ترتكز أكثر على النظم اليبرالية الرأسمالية المجردة .
لقد ظهر التفاوت المادي جليا و غابت العدالة الاجتماعية على مستوى هذه القرية الكونية ،حيث ثراء و رفاه ساكنة الأحياء الشمالية أما الجنوب فلا تزال ساكنته تعاني الفقر و البؤس و الحروب و الأمراض الفتاكة.مما كان له الأثر البالغ على الاستقرار والسلم العالمي (الهجرة الدولية ، تعدد بؤر التوتر ...).
لقد تمكن كبار القرية من زيادة و تنويع الانتاج العالمي وتوفير مختلف احتياجاتها ، غير أن لذلك الانتاج سلبياته ومخاطره الاجتماعية و البيئية والصحية ، و هي مخاطر تتقاسم وتدفع ثمنها أكثر تلك الأحياء الهشة في الجنوب.
لقد ظهر فيروس كورنا في الجزء الشمالي من القرية وتحديدا في الصين التي تعتبر رافعة الاقتصاد العالمي لثقل انتاجها العالمي وحجم استهلاكها (اقتصاد المستويات).حيث بلغت حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى حوالي 20 في المائة بدل 3% مع بداية العولمة ..لتعزز الصين بذلك مكانتها كمركز تصنيع رئيسي في العالم.
لقد وظفت الصين نجاحاتها الاقتصادية والتكنولوجية في سبيل مواجهة فيروس كرونا ، حيث تم تطويقه ومحاصرته في العديد من المدن الصينية الموبوءة من خلال استخدام تقنيات متطورة كالممرض الإلي في المستشفيات مع تكثيف البحوث في المخابر العلمية أملا في اكتشاف لقاح ضد الوباء .
وهكذا فقد انتقل فيروس كورنا إلى بلدان وشعوب أخرى مخلفا ذعرا أكبر وخسائر مادية متزايدة طالت الأسواق المالية و شلت حركة التجارة العالمية. حيث لم تنج أمريكا القوة الأولى عالمية التي تأتي اليوم في المتربة الثالثة من حيث عدد الإصابات بالفيروس بعد الصين وإيطاليا.كما لم تنجو كل من فرنسا و إسبانيا من سرعة انتشار تطور كورونا .
ونشير إلى أن فيروس كورونا لم يقتصر انتشاره فقط على الجزء الشمالي من القرية بل بدأ يتسلل و ويتمدد إلى الأجزاء الجنوبية حيث ضرب عددا من الدول الإفريقية وأن كان بنسب أقل .
لقد رافق سرعة انتشار الفيروس هلع وتخوف في مختلف دول العالم ، حيث تضاعفت الإجراءات وتوقفت الحركة الجوية العالمية و اغلقت الحدود والمعابر مما كان سببا واضحا في شل الحركة التجارية التي كانت بالأمس متدفقة بقوة العولمة الرأسمالية .
من هنا يجوز التساؤل هل هي نهاية العولمة القديمة أم أنه الدخول في مرحلة عولمة جديدة تنطوى على قيم التضامن و العدالة الاجتماعية الدولية بين ساكنة القرية الواحدة أم أن تلك العولمة القديمة تراجعت بل توقفت لتحل محلها عولمة الفيروسات (حالة فيروس كرونا ) ؟.
احمد والد ولد أعبيد الله
اقتصادي –استاذ جامعي