تعرف منظمة العفو الدولية حرية التعبير بأنها الحق في أن تقول ما تفكر فيه وفي تداول المعلومات والمطالبةبعالم أفضل والحق في الاتفاق من عدمه مع الممسكين بزمام السلطة والتعبير عن كل ذلك بالاحتجاجات السلمية.
لكن الفقرة الثانية من المادة عشرون من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تقول ما نصه: تحظر بالقانون أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. ومن البداهة التذكير بأن خطاب الكراهية يندرج كمركب من مركبات حرية التعبير.
وعلى ضوء ذلك يأتي التساؤل عن المغزى من تساهل السلطة مع الداعين والمؤججين لخطابات الكراهية وتركهم يدقون إسفين التحريض والتفرقة بين أفراد المجتمع وتغذيتهم للعداوة فهل كل ذلك الثمن يستحقه تصنيف موريتانيا كأول بلد عربي في حرية التعبير وقد علمنا أن الدعوة للكراهية ليست مندرجة في حرية التعبير أصلا بقدر ما هي مندرجة تحت حرية التدمير.
لقد شاهدنا في الأسبوع المنصرم صورة الجمهورية الاسلامية الموريتانية وهي تدنس في جنيف من قبل زعيم حركة إيرا وتوصف بأقذع ما يمكن أن توصف به دولة في وقتنا الحاضر فحتى الكيان الصهيوني والذي شرد وقتل وعذب وصادر الأرض وقضى على مستقبل شعب لم يجرؤ أحد على وصفه بنظام الفصل العنصري فكيف توصف موريتانيا الدولة المسلمة المسالمة بكل ذلك في محفل دولي من محافل الأمم المتحدة.
لقد حدث ذلك في غياب تام لأي ممثل عن الدولة الموريتانية يمكنه أن يرد أو أن يفحم ويقدم صورة مغايرة لما قدمها به النائب برام الداه عبيد.
أرى كل مجر أبا عامر يسر إذا في خلاء ركض
وقد حضر الرجل محافل عدة لا يوجد فيها من يخالفه وكان يقدم البلد كآخر معاقل القذارة والعفن ويصفها بما لم يصفه مالك في الخمر ولم يبق من صورتها الأخلاقية سوى ما أبقته صفقة القرن لترمبية من الأراضي الفلسطينية.
فهل موريتانيا تستحق كل ذلك؟
لم تنكر الدولة الموريتانية ولا الشارع الموريتاني العريض يوما وجود تفاوت في الحظوة بين فئات المجتمع ذلك التفاوت الذي تتعد أسبابه بتعدد الظروف السابقة لإنشاء الدولة الموريتانية كما أنه لا يوجد أحد في موريتانيا ينكر مأساة مجتمع لحراطين بشكل خاص نظرا للمظلمة التاريخية التي تعرضوا لها والجميع متفقون على ضرورة إزالة مخلفات العبودية والتي من ضمنها بكل تأكيد الحاجة لتمييز إيجابي من دعم لمناطق الفقر وتحسين لجودة التعليم وإشراكهم في خيرات ومقدرات بلدهم وهي قضية عادلة بلا أدنى شك.
لكن الجميع متفقون أيضا أن الشعب الموريتاني رغم كل الانتقادات التي وجهت لتركيبته المجتمعية ظل ولا يزال من أكثر الشعوب العربية إيثار وتكاتفا وتآزرا وتسامح.
والكل متفقون على أنه لا وجود لأي نظام فصل عنصري في أي وجه من أوجه تفسيراته فلا أحياء خاصة بالبيض عن السود ولا مدارس ولا مستشفيات ولا وجود لأي مادة قانونية تميز الناس على أساس اللون أو العرق أو الجنس.
ولعل المطالب التي تعالت في السنوات الأخيرة بضرورة إشراك كافة المكونات في خيرات البلد يمكن أن تتحقق بتحقيق الشفافية في التعيينات الإدارية ووضع معايير بعيدة عن الاعتبارات التقديرية بقدر ما تجعل الجميع على نفس المكانة من التنافس وعلى نفس الدرجة من المساواة حتى يبقي التمايز محصورا في المستويات المعرفية والعلمية والكفاءة المهنية.
وترسيخ العدل بين الناس ليتساوى الجميع أمام القانون وهو ما من شأنه إزالة الشحنات وتعزيز أواصر المجتمع فيشعر المواطن الفرد بغض النظر عن لونه أو جنسه أو جهته بأن العامل الوحيد الذي يعيقه عن تقدمه في بلده هو مدى تحصيله العلمي والمعرفي وكده وجهده وبذله وعطائه.
ويمكن الإشارة إلى أن برنامج تعهداتي لفخامة الرئيس تضمن في أكثر من فقرة اعترافا صريحا بوجود فوارق علىمستويات عدة لنفاذ المواطنين إلى الخدمات المقدمة لهم وحمل آمالا كبيرة تعد بمعالجات لمكامن الخلل إذا جسدت على أرض الواقع ستكون خطوة متقدمة في إقامة دولة العدالة والمواطنة تلك الدولة التي نطمح لها جميعا.
إلا أنه لا مبرر بحال من الأحوال أن تتخذ تلك المطالب العادلة مطية لتعميق الشرخ بين الناس أو قناعا للاسترزاق لدى سماسرة الأزمات وتجار القضايا الحقوقية الذين فككوا دولا كانت بعيدة من التفكك وخلقوا زبونية سياسية يقايضونها بتجارة المواقف من الأزمات الدولية المتعددة ولعل المنظمات اليهودية كان لها ولا تزال اليد الطولي في شراء تلك البضاعة النتنة لتجعلها مطية للمراهنات السياسية خدمة للكيان الصهيوني فكيف إذا أهديناهم ذلك على طبق من ذهب وكيف إذا علمنا أن بلادنا مستهدفة بعد قطعها للعلاقات مع الكيان الغصب للأراضي العربية والإسلامية .
فعلى الدولة أن تضع حدا صارما للفصل بين حرية التعبير التي تكفلها القوانين والمواثيق الدولية وحرية التحريض التي ترفضها الأخلاق الإنسانية.