تعيش بلادنا منذ سنوات انفلاتا لفظيا غير مسبوق.هذا الانفلات اللفظي غير المسبوق جاء نتيجة لعدة عوامل لعل من أهمها :
1 ـ تراكم المظالم وغياب العدالة والمساواة وانتشار الفساد والغبن الاجتماعي.
2 ـ تشجيع النظام السابق ـ عن وعي أو عن غير وعي ـ لأصحاب الخطابات الشرائحية والعنصرية والتكفيرية مع تهميش واضح لأصحاب الخطابات الوطنية الجامعة، ولذا فقد طفا على سطح العشرية الماضية أصحاب الخطابات الضيقة سواء كانت شرائحية أو عنصرية أو تكفيرية، فاحتلوا بذلك واجهة المشهد الوطني، وذلك في وقت غاب فيه ـ أو غُيِّب فيه ـ أصحاب الخطاب الوطني الجامع.
3 ـ تنامي دور مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها القوي في صناعة رأي عام، فهذه المواقع مفتوحة أمام الجميع، وتتيح الفرصة لكل ناشط فيها أن يعبر عن رأيه بالطريقة التي يشاء، حتى ولو كانت تتنافى مع قيم المجتمع، وتتجاوز الضوابط الشرعية والقانونية والأخلاقية التي يجب أن تحكم حرية التعبير .
هذه العوامل وغيرها أدت في المحصلة النهائية إلى انفلات لفظي ينذر بخطر قادم لا قدر الله، هذا إن لم تتم مواجهته فكريا وتربويا وقانونيا وإعلاميا بشكل فعال. الشيء المقلق أن هذه الخطابات التي يغذي بعضها بعضا قد أصبحت من أسرع الطرق لتحقيق نجومية زائفة في مواقع التواصل الاجتماعي.
إن هذا الانفلات اللفظي الذي قد يوقعنا في مخاطر جمة إن لم نتحرك بشكل سريع لمواجهته يتجلى بوضوح في ثلاثة أنماط من الخطابات:
النمط الأول : خطاب الإساءة إلى المقدسات الدينية، وهذا من أخطر هذه الأنماط الثلاث، خاصة إذا ما وصل إلى الذات الإلهية، أو إلى الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام. ومن الأمثلة على هذا النوع من الخطابات ما يتم تداوله حاليا من تسجيلات صوتية يسيء أصحابها إلى مقدساتنا الدينية. يُحاول البعض أن يقلل من خطورة هذه التسجيلات وذلك باعتبارها تسجيلات خاصة ولا يجوز تسريبها. إن أي حديث في أي مجموعة "واتساب" تضم العشرات من الأشخاص الذين ينتمون هم بدورهم إلى مجموعات "واتسابية" أخرى، إن أي حديث من هذا النوع يعتبر حديثا في فضاء عام، وبالتالي فتجب معاقبة كل من يسيء إلى مقدساتنا الدينية في فضاء كهذا .أما من كتم كفره أو إلحاده فليس من الحكمة أن يتم تعقبه والتشهير بإلحاده وكفره.
أشير في هذه الجزئية بأنه من المهم جدا التفريق بين أصحاب الخطاب السياسي بغض النظر عن طبيعة ذلك الخطاب السياسي، وأصحاب الخطاب الإلحادي أو أصحاب الخطاب المسيء إلى مقدساتنا الإسلامية.
النمط الثاني: خطاب العنصرية والكراهية، بكافة أشكاله وأنماطه ومستوياته. وهذا لم تسلم منه أي شريحة ولا أي مكونة من مكونات المجتمع الموريتاني. ومن أمثلة هذا الخطاب ما تم تداوله مؤخرا من ألفاظ مسيئة لشريحة هامة من شرائح مجتمعنا على لسان موظف بالسفارة الموريتانية في ساحل العاج، ولقد أحسنت سفارتنا في ساحل العاج بإصدارها لبيان مندد بتلك الإساءة مع التعهد باتخاذ كل الإجراءات القانونية لمعاقبة دعاة الكراهية والتفرقة بين أفراد المجتمع.
النمط الثالث: خطاب الغلو والتكفير والذي لا يقل خطورة، ومن الأمثلة عليه الخطاب المكفر للشعب الموريتاني والذي تم توقيف صاحبه وإحالته إلى القضاء.
خلاصة القول هي أننا نعيش انفلاتا لفظيا غير مسبوق، ويتجلى هذا الانفلات في ثلاثة أنماط من الخطابات : الخطاب المسيء للمقدسات؛ الخطاب التكفيري؛ الخطاب العنصري. ولقد آن الأوان لأن نقف صفا واحدا ضد هذه الخطابات، ولأن نقول معا و بصوت واحد : لا للخطاب المسيء إلى المقدسات .. لا للخطاب التكفيري..لا لخطاب الكراهية.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل